محمد السادس والعلاقات المغربية-الفرنسية في ميزان “جون أفريك”Jeune Afrique…!!
لا يكاد عدد من أعداد المجلة الشهرية الفرنكوفونية، جون أفريك Jeune Afrique، يخلو من مقال أو مقالين أو ملف عن الشأن المغربي. فهي تكتب عنا باستمرار ملفت للانتباه، مشيدة بمنجزات البلاد وأسلوب حكم ملك المغرب والتميز الذي نحظى به كبلد أفريقي على الصعيدين القاري أو الدولي. والمجلة لها ثقلها المهني وأثرها السياسي والثقافي..
قنيني عبداللطيف
تحمل المجلة في ثناياها أكثر من 60 عاما من التاريخ الأفريقي المتقلب ومشهود لها بالاحترافية. وهي لما تتكلم عنك بهذا الإيقاع لابد أن تصغى لما تقول ولما تروجه عنك من خطاب داخل هذا الفضاء الواسع والمتعدد المشارب والتوجهات.
صحيح أن المجلة تكون بين الفينة والأخرى عرضة للنقد اللاذع من لدن النخب الافريقية بسبب قربها من بعض رؤساء دول الاستبداد، وصحيح كذلك أنه كان لها مع المغرب، في عهد ادريس البصري، ذكريات غير سارة؛ لكن الأمور انقلبت بالإيجاب في عهد محمد السادس متتبعة بمنتهى الدقة لما يجري ويدور عندنا، وهي، فوق كل ذلك، لا تزال تحتفظ لنفسها بكثير من التألق والمصداقية رغم بعض الهفوات الطفيفة قد نأتي على ذكر بعضها في إطار هذا الحديث إذا دعت الضرورة لذلك.
والمهم، كما سبق الذكر، فهي تكتب عن المغرب بغزارة حتى ليكاد المتتبع لشؤوننا يخالها ابنة البلد العاشقة لتربتنا. فعلى سبيل المثال فهي منذ أمد قريب (يوليوز 2021 ) تناولت في ملف كامل المعالجة المغربية المتميزة لجائحة COVID 19 مرفقة بقراءة للنموذج التنموي الجديد بتأطير السيد شكيب بنموسى؛ هذا مع الحديث عن فرص الاستثمار في المغرب والعلاقة مع دول الجوار…
بعد ذلك، وبمناسبة الاستحقاقات الانتخابية ليوم 08 شتنبر 2021، أجرت حوارا في شهر غشت لنفس السنة مع الأمين لحزب الاستقلال نزار البركة عرف فيه ببرنامجه السياسي وحظوظ حزبه في الاقتراع. وبعد تعيين رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش (يوم الجمعة 08 أكتوبر 2021 ) ولما استقر الأمر لحزبه، اهتمت المجلة بشأن حكومته في شهر مارس 2022 وخصت له ملفا قائما بذاته على سبيل تقييم ستة أشهر من التدبير الحكومي.
إيقاع مرتفع في الاهتمام بالمغرب
وفي بداية هذه السنة (يناير 2023)، رفعت المجلة من إيقاع الاهتمام بشؤون المغرب وكتبت عن العائلة الملكية، والمناسبة بلوغ الملك الستين سنة منها 24 سنة على سدة الحكم، ووضعت للمقال هذا العنوان: المغرب: السفر إلى قلب العائلة الملكية “Maroc: voyage au coeur de la famille royale“.
والمتتبع للشأن السياسي المغربي يعرف أنه لا يطرق باب القصر أيا كان من الصحافة، فأحرى أن يلج لقلب العائلة الملكية لما يتطلبه ذلك من حسن النية وسلامة القصد والقبول الحسن إضافة الى العناية الخاصة التي لا تحتمل الخطأ.
والملاحظ أن المقال الهادف إلى الوصول قلب العائلة الشريفة، يوجد نفسه في قلب عدد المجلة وهي إشارة تعبيرية تعني ما تعني من مكانة تقدير واحترام لهذا البلد الطيب وأسرته الحاكمة.
في نفس السياق، ولكن، هذه المرة، في إطار الأزمة المركبة بين المغرب وفرنسا التي تهمنا، سبق للمجلة أن خصت لها سلسلة من المقالات نأتي على قراءتها ههنا، منها مقال مركزي تحليلي لشخص جلالة الملك (يوليوز 2022) بريشة مدير التحرير فرانسوا سودان François Soudan، يهدف من خلاله تقريب شخص جلالته وتبسيط فكره (vulgarisation) لمن عجز من الطبقة السياسية الفرنسية عن فهم أسلوب محمد السادس في تدبير أمور الدولة المغربية. يرجع هذا إلى كون ملك المغرب، حسب متضمن المقال ورأي ثلة من المتدخلين، غير منفتح على الإعلام.
وقد يكون الادعاء، وهذه السمة أربكت أكثر من سياسة فرنسية كما احتارت لها العقول استنادا إلى زعمهم هذا. لذلك اقتضى الأمر رفع هذا الالتباس وسوء الفهم بهذا التحليل…
عنوان المقال ينطوي على بعض من السخرية العنيفة حتى ممن لم يستوعبوا بعد سياسة ملك المغرب: “هذا هو محمد السادس لمن لا يعرفه” أو إن شئت قل “محمد السادس للسذج المغفلين” إن صحت الترجمة (M6 pour les nuls). هكذا يقول عنوان المقال، ثم يشرع الكاتب في التحليل، فيرى أن الخاصية الأولى لمحمد السادس هي قدرته على أن يكون ملكا بالفعل لا بالصورة faire Roi. إذ لا يكفي أن تكون محرزا لهذه الصفة بالشكل فحسب، بل بالكيفية المتميزة لإخراجها للواقع sa mise en scène وحسن تمثيلها بما يليق بها من تأثير ونفاذ مع الاعتقاد الراسخ في الحق في الملك (برفع الميم ) والمشروعية المؤمنة بالريادة وقيادة الآخرين.
قدرة متوفرة لدى الملك في التأثير والتوجيه
فمنذ انطلاق حكم محمد السادس، يقول الكاتب، كانت هناك بعض التعثرات أكيد، لكنه أدرك في الحين ثقل الأمانة التي يضطلع بها وعمق المعاني الذي تزخر به الرسالة الروحية المغربية التي يجسدها كرمز للبلاد. بالموازاة، فقد فطن جلالته الى الحاجة الملحة في إبراز هذه القيمة في المشهد العام. مما خلق عند بعض الشركاء المباشرين من وزراء وموظفين سامين نوعا من الارتباك والقلق وانتظار العاصفة حتى. ثم يعطي الكاتب مثالا معبرا emblématique بالوزير الأول عزيز أخنوش مبرزا، أنه يكفي من جناب الملك، أن يعطي بعض الإشارات البسيطة والمعربة عن الثقة لكي يحس الوزير بالاطمئنان ويفهم أن مسار مهمته مؤمن ولا يحفه خطر فينطلق في مضاعفة الجهود ليحظى برضا أمير المؤمنين.
من أجل هذا، يعتقد فرانسوا سودان François Soudan أن هذه القدرة المتوفرة لدى الملك في التأثير وتوجيه الآخرين، مشاعرهم وتمثلاتهم، إضافة إلى التدبير الحكيم للإشعاع الرباني المثير للإعجاب الذي يحظى به هو بالضبط ما يفضي بجلالته إلى نوع من العزلة المتميزة التي تروم إلى تطبيق النصيحة التي أفرد بها لويس الرابع عشر XIV الدوق لأنجو le duc d’Anjou (ملك إسبانيا فيما بعد) لما قال له: “لا تتعلق بأي كان من الرعية ولا تعط الفرصة لمن قد يتوهم أنه يسيرك. فكن أعزك الله أمير نفسك وسلطانها، واحرص على ألا يكون لديك مفضل من علية القوم ووجهائها، كثير الاستماع، بالغ الاستشارة وسيد القرار.”
الخاصية الثانية التي يتميز بها عاهل المغرب بالفعل هي عدم حماسه وانشغاله لأضواء الصحافة؛ لكن قد يكون له دافع غاب عن المتتبع.
معروف أن محمد السادس لم يعط أكثر من ستة حوارات طوال مدة اعتلائه لعرش أسلافه، يقول فرانسوا سودان، وأما الندوات الصحفية من بين أشكال التواصل السياسي فهي منعدمة تماما. فمحمد السادس، عكس المرحوم أبيه، لم يكن ليغريه نمط هذا الإشعاع مكتفيا من غزير الكلام بما دل من الخطب المحددة في الزمان يبرز من خلالها هوية وسلطان الدولة L’Etat, c’est moi.
وبعد أن يلاحظ الكاتب، من زاوية أخرى، أن المسألة ولربما لها علاقة بالوضع الصحي لجلالته، يضيف أن الأمر قد ينطوي، من جانب من جرب الحكم، على فضيلة الاحتراز والحذر من جرأة البعض في التطاول على الوصول الى ماهية أفكارك أو اختبار إنسانيتك. ثم يمضي الكاتب في الوصف من أجل النفاذ لعقل الحاكم في المغرب، فيرى أن صيام محمد السادس عن الكلام هو خلاصة رأي آخر في السياسة، هذه المرة، من قبل (بكسر القاف) فقيه عراقي من القرن العاشر الميلادي هو الماوردي Al mawardi كان يقول: “ندمت أحيانا عن أخذ الكلمة والقول الصريح، لكنني لم أندم أبدا عن التعبير بالصمت عن بعض المواقف.”
الصفة الثالثة التي يتميز بها ملك المغرب، وهي الميزة التي لا يتوفر عليها إلا القلة القليلة من حكام العالم، والمتمثلة بالضبط في الزمن السياسي الكافي لتدبير شؤون الدولة. فعاهل البلاد، المستمد لسلطانه من الحق الإلهي Droit divin، غير مستعجل من أمره إذ ليس هنالك في الأفق من موعد انتخابي يضع حدا لمدة انتدابه… والاشارة جد قوية بالنسبة للقابعين في قصر الإليزيه ينتظرون من ملك المغرب أن ينحني لمواقفهم الرمادية ويأتيهم طيعا لنزوات أحلامهم.
ورقة الزمن السياسي هاته في يد محمد السادس، إضافة لكونها تقيه اتخاذ قرارات متسرعة أو ملزمة، فهي تتيح له التصدي لأي شكل من أشكال الأزمات السياسية أو الاجتماعية التي قد تعترض سبيل السير العادي المتوازن لشؤون الدولة. وفي كل مرة حدث أمر ما من هذا النوع، فمحمد السادس يواجهه تقريبا بنفس المنهج ويسلك إزاءه نفس الاستراتيجية المطمئنة: فهو ينتظر مثلا أن يستنفذ المتزعمون، لأي تعبير من أطر الأزمة، قواهم، ويأتي الزمن على بعض من مصداقيتهم، ليتدخل من دون عناء يذكر لمعالجة المشكل القائم؛ تدخلا سلسا مناسبا للموقف لتقليص من حجم التوتر الذي يكون بالفعل فقد من حدته. مما لا يعني عدم القدرة على المواجهة المباشرة أو الارتباك في اتخاذ القرار. لكن، لحكمة بالغة اقتضتها الظرفية السياسية ومعطيات الميدان..
ويرى كاتب المقال، أنه من الرمزية المغربية لحركة 20 فبراير من الربيع العربي، التي لم يكن يتوقعها أحد، أدرك عاهل المغرب أن الأثار السلبية في السياسة، لا يراها البعض الا بعد فوات الأوان، لذلك لا ينبغي الانتظار حتى تتفاقم المعضلة، بتركها لنظر الآخرين، فتعصى على الحل… ثم إن انفجار أزمة كوفيد 19، من جانب آخر، في بداية 2020، أبانت عن جدارة محمد السادس. فلما تيقن العاهل أن الجائحة قد تغمر المملكة بأكملها وتعصف بمواردها البشرية، اتخذ بالسرعة القياسية قرار حالة الطوارئ والحجر الصحي العام؛ مع أن حالات الوباء المعلنة رسميا لم تتعدى المائة. وقرار الحجر الصحي هذا هو الأطول في العالم ولربما الأقسى. وقد طبقه ملك المغرب على نفسه إذ لم يغادر القصر الملكي مدة أكثر من سنة. لكن فضيلة ونتائج القرار كانت مدهشة إذ أبهرت العديد من دول العالم. كما تميزت مردوديته الإيجابية على الجيران مثل اسبانيا والجزائر… هذا وقد كانت المجلة ، كما سبق الذكر، خصصت ملفا للموضوع تحدثت فيها عن الإنجاز الحاصل فيه.
قدرة استباقية تفاديا للأذى المتربص والفوضى المهددة
إن هذه القدرة الملكية الاستباقية على تفادي الأذى المتربص بك والفوضى المهددة لكيانك – وهو إقدام يضاهي به محمد السادس الحكيم الصيني لاو تسو Lao Tseu – هي التي مكنت من استئصال عائقة الكراكرات التي كانت تستهدف المغرب بقطع نفوذه الحيوي الإفريقي وصلة الرحم مع موريتانيا. وهو إجراء شجاع تحمل فيه المغرب كامل المسؤولية، مع ما ترتب عن ذلك من أزمة مع الجزائر، وهي نفس المقاربة الاستباقية التي دبر بها المغرب الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وهي فرص تاريخية، يرى ملك المغرب بأنها لا تكرر وينبغي الأخذ بها مهما كان الثمن.
وقبل أن يختم فرانسوا سودان هذا التقديم الجامع لشخص جلالة الملك للذين لا يعرفون، من بين وسط النخبة الفرنسية، أسلوب تدبيره السياسي والدبلوماسي، والذين يعتقدون، إضافة لكل ما قيل، بأن العلاقة بين العرش والشعب، كونها لا نوصف indicible، من الصعب الإحاطة بها، يوضح الكاتب أن السر في كل ذلك يكمن هنا في البحث المضطرد عن الوسطية le juste milieu في عقد الأمور. وهو المبدأ الأساس الذي تنبني عليه الأحكام والحكم في المغرب. لأنه بالنسبة لمحمد السادس، ورغم كون السلطة مستمدة من الموروث الروحي والسياسي، فإنه في المغرب من غير الممكن تصور بناء السلطة على القوة الغاشمة وإنما على الإجماع consensus والبحث المستمر عن التوافق وعدم الإخلال بالتوازنات.
المغرب-فرنسا: خمس سنوات من الاضطرابات
كان هذا من مجمل الرد الشافي لمن يقفون على الأزمة القائمة بين المغرب وفرنسا؛ يرمون بالغموض من التمس منهم الوضوح والخروج من المنطقة الرمادية في قضية الصحراء المغربية والتي تشكل بالنسبة للمغاربة قاطبة، مسألة حياة أو موت. وهو الجواب الخبير من طرف شاهد من أهلها (فرانسوا سودان) لمن كان ولا يزال يتذرع بأسباب واهية في فهم ما وقع من تحول في طبيعة انتظارات المغرب.
والمقال بعد هذا التقديم، يمكن اعتباره تفصيلا وامتدادا لمقال آخر صدر بنفس المجلة، ولنفس الغرض، أي تفكيك عوامل الأزمة الحاصلة في قلب العلاقات الديبلوماسية المغربية الفرنسية، صدر شهر أبريل 2022 بقلم الصحفية المرموقة نينا كوزلوفسكي Nina Kozlowski التي كانت تشتغل بمجلتي Tel Quel وزمان Zamane المغربيتين. والمرأة على دراية جيدة بالسياسة المغربية. ولقد كتبت بالفعل في هذا المقال الذي يحمل عنوان: المغرب/فرنسا “خمس سنوات من الاضطرابات كتبت بالحرف” France/Maroc : Cinq Années de turbulences، كتبت بأن النخبة الفرنسية تفهم بالطريقة السيئة التطور الطارئ على الاستراتيجية المغربية إذ لا تزال تعتقد بأن المغرب ما هو إلا المجال الخلفي للسياسة فرنسا” وتضيف بنوع من النقد اللاذع “أنه لما نكون قد تعودنا أن نكون الشريك المفضل، لا نمنح عادة لأنفسنا عناء السؤال لمعرفة صواب هذا الاتجاه” (صفحة 87). وقد قالت هنا تقريبا كل ما يطبع العلاقات المغربية/الفرنسية إلا ما شاب هذه العلاقات من تعثرات لاحقة عمقت سوء التفاهم القائم مثل إنهاء مهام السفير محمد بنشعبون، ابتداء من 19 يناير 2023، وضلوع باريس، بهذا التاريخ بالضبط، في تحريض البرلمان الأوروبي ضدا على مصالح المغرب، والجواب من مصدر رسمي على ايمانويل ماكرون لما زعم،27 فبراير 2023، بأن العلاقات ودية مع المغرب وأن كل شيء على مايرام بين البلدين…
فبعد أن سجلت الصحفية بدقة توقيت الزيارتين للرئيس الفرنسي للمغرب، الأولى يوم 14 يونيو 2017، أي شهر ونصف بعد تولي ماكرون مقاليد الحكم في فرنسا، والثانية يوم 15 نونبر 2018، تطرقت لدوافع هذا الجفاء… ولم تنس الكاتبة الإشارة الى أن الزيارة الأولى تزامنت مع حراك الريف وبأن معالي الضيف الفرنسي، ايمانويل ماكرون، في شهر رمضان، تناول الكلمة أمام الصحافة وصرح أن له الثقة الكاملة في كفاءة الملك من أنه سيعمل كل ما بوسعه لتهدئة الوضع ويستجيب لمطالب المنطقة. وكان الرئيس الفرنسي آنذاك حذرا في تصريحه، إذ لم يصدر منه حكما على الحراك قد يفهم منه أنه تدخل في شؤون الغير.
الزيارة الثانية كانت بمناسبة تدشين خط القطار فائق السرعة TGV، وهو مشروع استراتيجي ضخم ساهمت فيه كبريات الشركات الفرنسية (…SNCF ,Alstom, Vinci) وكانت حينذاك الظروف مواتية لرجال أعمال البلدين لبلورة مشاريع لغزو أسواق إفريقيا الغربية؛ تقول نينا كوزلوفسكي. ثم تشير في سياق التحليل الى أن المغرب لم يعد ذلك الشريك الوسيم فحسب، وإنما منافس قوي يعتد به ويحسب له الحساب. فالخطوط الملكية المغربية مثلا، تتوفر على العزيمة لتحل مقام مثيلاتها الفرنسية وهي بالمناسبة تقترح تذاكر السفر بأقل تكلفة .علاوة على ذلك، فإن المغرب منافس لفرنسا في ميدان شركات التأمين والأبناك بالخصوص التي تمنح للشركات الأفريقية الصغرى ظروف جيدة للمصاحبة والتأطير.
زيارة ثالثة للرئيس الفرنسي كانت مبرمجة في يونيو 2019 لتدشين الوحدة الجديدة لمصنع بوجو Peugeot، لكنها لم تتم والكاتبة لم تخض في أسباب تعليقها مع أنها بدت غير متحمسة للتفسيرات التي أعطيت لعدم حصولها…
أزمة 2014 والتوقيف المؤقت للتعاون القضائي
في خضم هذه التراجعات، أشارت الكاتبة بإيجاز إلى أزمة 2014 بين البلدين والتوقيف المؤقت للتعاون القضائي coopération judiciaire بعد واقعة استدعاء عبداللطيف الحموشي للمثول أمام العدالة الفرنسية، ثم المصالحة التي تلتها وأسباب نزولها التي يمكن اختصارها في استحالة الاستغناء عن دور المغرب الثمين، من طرف أي من شركائه، لما يسديه لهم من دعم في إطار التعاون الأمني.
في معالجتها الصحفية لهذه للعلاقة المتوترة بين البلدين، استندت نينا كوزلوفسكي لآراء مجموعة من الخبراء منهم حكيم القروي Hakim El Karoui المعروف بقربه من الجهاز الحكومي الفرنسي. وقد لاحظ هذا الاخير أن العلاقة بين البلدين انتقلت من آصرة عاطفية وشبه أبوية paternaliste إلى علاقة ندية لدولة بدولة relation d’Etat à Etat تربطهما مصالح مشتركة وأخرى فارقة divergentes. ثم يضيف أنه ليس الموقف الفرنسي الذي تغير لكنها المصالح الاستراتيجية للمغرب التي تغيرت؛ وهو تحول جوهري يمليه الموقف من الصحراء المغربية. وفوق هذا وذاك، فإن المغرب يعتبر نفسه من الآن فصاعدا، قوة إقليمية ينبغي التعامل معه على هذا الأساس.. تحول لا يحرم المغرب نفسه من أن تكون له علاقات متميزة مع الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا… بما فيها إعادة ربط علاقاته مع اسرائيل على أسس جديدة. هذا، دون حشر إرادته في علاقة خاصة تكبل طموحاته.
فرنسا لم تعد بتلك القوة الواسعة النفوذ في إفريقيا، ومجيء ايمانويل ماكرون، الذي تزامن مع تجديد النخب السياسية، عامل إضافي أدى إلى تهميش عدد من أصدقاء المغرب التقليديين، تقول الكاتبة. ثم تسترسل في تعداد أسباب الجفاء بين البلدين فترى أن تقليص عدد التأشيرات، نتج عن عدم استجابة المغرب لحل ملف القاصرين العالقين في فرنسا. وهذا أمر لا يعني صراحة المغرب لوحده، والرباط فوق ذلك، لا ترى بعين الرضى أن يكون أفراد من جاليتها موضوع مساومات سياسوية أو ابتزاز انتخابي.
إجراء آخر، اتخذته فرنسا، بطريقة أحادية، ساهم في الحد من نفوذ المغرب على جاليته بعدما قررت تدبير الشأن الإسلامي حسب فهمها الخاص؛ وهو تدبير تضرر منه في الواقع مجموع الدول المغاربية. بعد هذا التذكير، عمدت الكاتبة الى ختم مقالها بتوجيه النصيحة إلأى الفاعل السياسي الفرنسي، فيما يخص الأزمة مع المغرب، مقترحة عليه بأن يعيد النظر في هذه العلاقة من زاوية مختلفة تعينه على تصحيح قراءته للاتفاق الثلاثي بين واشنطن والغرب وإسرائيل، قراءة تساعده، إضافة لذلك، لفهم جيد للروابط المتينة القائمة بين المغرب ودول الخليج . وهي دعوة صريحة لحركة استراتيجية فرنسية نشطة لتجاوز الوضع الحالي. فالمغرب تغير كثيرا، وهو شريك من المستحيل الاستغناء عنه في معالجة قضايا مستعصية الحل، كقضايا الإرهاب في الساحل الافريقي، وسوء التفاهم مثلا مع دولة مالي وكذا مشكل الطوارق…
رغم ذلك، يبقى عائق “بنيوي” تتذرع به فرنسا كلما دعيت لمزيد من الوضوح في ملف الصحراء والعلاقة مع المغرب، أثارته الصحفية استنادا لرأي المؤرخ والخبير في الشأن المغربي ، بيير فيرمرن Pierre Vermeren، وهو عائق، من الناحية الجيوسياسية في المنظور الفرنسي، ضرورة للحفاظ على الاستقرار والتوازن بين المكونات الثلاثة المشكلة للمغرب العربي، أي تونس والجزائر والمغرب. وفي ملف الصحراء بالضبط، فإن فرنسا “تدعم المغرب في الأمم المتحدة”، لكنها تريد “أن تبقى على الحياد مخافة أن تقلق الجزائر” إن هي مالت للمغرب أكثر من اللازم. أطروحة التوازنات هاته تستعملها فرنسا كيفما تشاء خدمة لمصالحها الاستراتيجية دونما أي اعتبار لانتظارات الدول المعنية.
وبالنسبة للمغرب، فإن لعبة التوازنات هاته، حسب رأينا، هي من أتاحت لفرنسا أن تستلذ ما طاب لها من نشوة المنطقة الرمادية كموقف من قضية الصحراء إلى أن جاء التحول الزلزال، يوم 10 دجنبر 2020، لدونالد ترامبDonald Trump واعترافه بالسيادة المغربية على صحرائه. قوة الهزة الأرضية هاته نسفت زيف أطروحة فرنسا حول المعادلة الصعبة في الشمال الغربي الأفريقي، وفرضت واقعا جيوسياسيا جديدا وخطابا من نوع لم يخطر أبدا على بال الطبقة السياسية الفرنسية؛ أبرزه الخطاب الملكي يوم 20 غشت 2022.
لقد أحببنا بعضنا البعض كثيرا…!
رغم كل ذلك، فستعود جون أفريك Jeune Afrique، في شهر أكتوبر 2022، للحديث في ملف خاص عن نفس الأطروحة عنوانه: المغرب العربي؛ التوازن المستحيل Maghreb : L’impossible équilibre (ص. 58). ملف لم تتردد الصحفية جهاد جلون Jihad Gillon أن قالت في عنوان مرفق annexe أن فرنسا، اعتبارا للعلاقات المتوترة بين دول المغرب العربي، تصطاد في المياه العكرة. ثم زادت فأكدت أن التوتر لم يعد مقتصرا على الجزائر والمغرب فيما يتعلق بقضية الصحراء، بل أصبح أشد تعقيدا بعد انحياز تونس للجزائر في الموضوع. المجلة خصت كل دولة على حدة بمقال، وعلاقة بالمغرب، فقد اختارت هذه المرة أن تعطي للأزمة الفرنسية/المغربية منحى عاطفيا تعرف هي بالضبط، في قرار نفسها، أن الأمر ليس كذلك.
والمغرب، عكس ما قالت، لا ينتظر شهادة حب إضافية despreuves d’Amour supplémentaires، بل جرأة أقوى تزيل ضبابية وازدواجية الموقف. إذ لا معنى أن تعبر دول عدة عن جدية المقترح المغربي في قضية الصحراء وتتخذ خطوات دعم أكبر في هذا الشأن، وتبقى فرنسا عالقة بين منزلة من المنزلتين.
وعلى سبيل ذكر المحتوى العاطفي المتبع هذه المرة من لدن المجلة، فقد عنونت المقال الخاص بالمغرب هكذا: “لقد أحببنا بعضنا البعض كثيرا Nous nous sommes tant aimés. ثم انصرفت إلى صلب المقال تبحث في ماضي هذا الحب الكبير، وكيف صارت به الأحوال، فلاحظت أن محمد السادس الذي جاء في زيارة لتفقد أطوار صحة والدته في باريس شهر يوليوز 2022، لم يكلف نفسه عناء لقاء إيمانويل ماكرون، مع أن إقامة أمه توجد على مرمى خطوتين من قصر الإليزيه وأن الرجلين لم يجريا ولو مكالمة واحدة بينهما على الهاتف. كما أنهما لم يتبادلا أية رسالة من أي نوع بعد تعافي كل منهما من جائحة كورونا. ثم تضيف الصحفية، أنه عكس ما يروج من أن التوتر الحاصل بين البلدين يرجع الى ملف قضية الصحراء فقط، أو قضية بيغاسوس Pegasus، أو ملف التأشيرات، فإن الأمر، في الواقع، يعود إلى كتلة سميكة من سوء التفاهم وبلبلة عاصفة حلت بهذه العلاقة منذ مجيء ايمانويل ماكرون؛ انتقلت على إثره الروابط من الطرية المثمرة إلى الباردة العقيمة…
ورغم أن معرفة ماكرون بالمغرب جد محدودة، فلم يبد أي رغبة لتطويرها. هذا حسب الطاهر بنجلون، الكاتب المغربي المزدوج الجنسية، استدلت به فدوى إصلاح Fadwa Islah، كاتبة المقال، لترسيخ هذه الحقيقة. الطاهر بنجلون، الذي برز اسمه في عدة محطات من هذه الأزمة، يتم تقديمه بصفة القريب من القصر الملكي، قال أن تعيين هيلين لوكال Hélène Le Gal كسفيرة لفرنسا في الرباط، هو الدليل على أن ماكرون لا يفهم المغرب ولا في تقاليده المرعية… وقد أبان عن ذلك أكثر يوم خروجه من حفل غنائي المنظم بلو توكي Le Touquet حيث أجاب واحدا من المارة نهاية أكتوبر 2022، أنه سيزور المغرب في الأمد القريب؛ لكن لم تكن هناك لا زيارة ولا هم يحزنون..
وعلى ضوء خطاب جلالة الملك بمناسبة ثورة الملك شهر غشت 2022 حيث قال “أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، أكدت الصحفية أن ماكرون لا يستحسن أن يحس بأن عليه نوع من الضغوطات من الرباط، وأنه في إطار تدبير العلاقة مع الجزائر، فإن فرنسا لن يكون بمقدورها تغيير موقفها من ملف الصحراء وتكتفي بترديد خطابها الغامض “من أن مشروع الحكم الذاتي ذو مصداقية لا غير.”
وإلى حين رفع الالتباس، ترى فدوى إصلاح أن الشراكة الأمنية بين البلدين لازالت قائمة والأعمال business مستمرة وأن النفوذ المغربي الأفريقي ينمو ويتطور جنوب الصحراء وأن شراكات المغرب الاستراتيجية مع الولايات وألمانيا وإسرائيل وإسبانيا تكبر وتتنوع.
نبش مستمر في تشعبات الأزمة الحاصلة بين الدولتين
وتستمر جون أفريك في النبش في تشعبات الأزمة الحاصلة بين الدولتين، فتنشر في شهر أبريل 2023 من جديد، ملفا من 18 صفحة يريد الجواب على سؤال عريض يتعلق بالأسباب الكامنة وراء تغير الخطاب السياسي الدولي للمغرب مع شركائه التقليديين: Pourquoi le Maroc a changé de ton? تتساءل المجلة. ماذا وقع بحيث أصبح المغرب، من مركب نقص، يقارع محاوريه الحجة بالحجة ويقف في وجه خصومه وحلفائه الند للند؟ وتنكب مجموعة من الأقلام لمعالجة هذا الأمر المنبثق عن الاضطراب في العلاقات الفرنسية/المغربية الذي لطالما شغل الخط التحريري للمجلة. ومن بين المعطيات الواردة، هناك من سبق أن ناقشتها جون أفريك في مناسبات أخرى كاعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على صحرائه ، وعدم إلمام الرئيس الفرنسي بخبايا الشأن المغربي. ماكرون الذي يسبقه لسانه فيشهد على نفسه بأن العلاقات الفرنسية هي على أحسن ما يرام مع المغرب (ص. 80 ) فيأتيه الرد السريع المنكر جملة وتفصيلا لما أقره. والرد معزز برأي أساتذة جامعيين مثل عمر عبادي Amr Abbadi من جامعة أورليون Orléans بفرنسا.
ثم يتم التأكيد على أن أسباب التحول، الذي لحق المغرب في مواقفه وخطابه السياسيين، يتأتى أولا من نجاح الأوراش الكبرى التي باشرها محمد السادس في عهده؛ وهي إنجازات طالت مجموع البنية التحتية للتراب الوطني، من بينها طرق سيارة غطت خطوط المواصلات بين المدن الرئيسية للمملكة، وإعادة هيكلة ميناء طنجة Tanger Med، وتأهيل المدن السياحية في ربوع البلاد، والقطار TGV وتعزيز وتجديد ترسانته الأمنية والعسكرية… كلها انجازات غيرت رأسا على عقب من وجه المغرب المألوف عند شركائه، رغم تكلفة الظرفية الاقتصادية الصعبة التي لم تكن دائما في مستوى الطموح المغربي… وفي صلب هذا التحول، دبلوماسية نشطة يقودها، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، رجلان من خير ما جاد به الذكاء المغربي، هما ناصر بوريطة في الخارجية وعمر هلال في الأمم المتحدة. دبلوماسية اتهمها من لم يستسغ هذا التحول العميق، “بالهجومية والعنيفة”offensive et agressive . ويأتي الجواب من التاريخ، لأن الديبلوماسية المغربية لم تأت من عدم، بل هي عقيدة سياسية مسجلة في الحمض النووي ADN للمملكة الشريفة. فبالنظر للموقع الجغرافي الاستراتيجي المتميز للمغرب، حرص ملوكه على الدوام على ضبط علاقاته مع القوى العظمى عبر العصور، حتى لا تكون هناك فتنة ويكون المغرب للمغاربة لا لغيرهم.
إن البحث والتنقيب في التوتر القائم بين فرنسا والمغرب يشكل هوسا ملحوظا لمجلة جون أفريك. وهي، كما سيق وأن قلنا، لم تنقطع عن الاهتمام به منذ حدوثه. ففي شهر ماي المنصرم من هذه السنة، عادت بثلاث مقالات لطاقمها المختص بالمغرب، رأت من خلالهم أن الأزمة لها، على الأقل، جذور ممتدة في الزمن لـ60 سنة. وكأن كل ما قالته هذه المدة عن سوء التفاهم هذا لم يشف غليلها. عادت بالذاكرة وأثارت قضية اختطاف ، 29 أكتوبر 1965، واغتيال الشهيد المهدي بنبركة بالتفصيل. ومع هذه القضية أبرزت جون أفريك الخلاف العاصف للمغفور له الحسن الثاني مع الجنرال شارل دوغول Charles De Gaulle… حيث كان المغرب قد رفض تسليم محمد أوفقير، وزير الداخلية آنذاك، وأحمد الدليمي، رئيس البوليس السياسي، والشخصية الغامضة الشتوكي للعدالة الفرنسية على أثر قرار قاضي التحقيق الفرنسي. مما أسفر حينذاك على تجميد العلاقات بين البلدين ابتداء من 23 يناير 1966 واستدعاء السفراء لكلا البلدين.
سجال آخر ذكرت به المجلة فيما بين الحسن الثاني وفرانسوا ميتران François Mitterrand، في شهر فبراير 1990 على أساس تقرير منظمة العفو الدولية Amnesty International حول انتهاك حقوق الإنسان في المغرب، وهو ما يندرج في لغة المنظمة تحت خانة “جرائم ضد الإنسانية”. هذه المنظمة -نقول- تلتجئ لها فرنسا، وتوظف مقرراتها كلما اشتد الخناق على مصالحها في الرباط. وكرد على التقرير سينشأ المغرب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان…
لكن الخلاف مع فرنسا زاد من حدته بعد خطاب فرنسوا ميتران المشهورDiscours de la Baule حيث صرح أن الدعم الاقتصادي الفرنسي سيعني فقط وبالدرجة الأولى، الدول الافريقية السائرة في طريق الدمقرطة؛ لكنه سيكون أقل حماسا بالنسبة للدول المستبدة. خطاب سيثير حفيظة كثير من الرؤساء الأفارقة إذ اعتبروا الرسالة نوع من الإهانة.
ثم جاء، مباشرة بعد ذلك، فيما يعني المغرب، الكتاب الصاعقة لجيل بيرو Gilles Perrault “صديقنا الملك” Notre Ami le Roi، وهو الكتاب الذي سيهز أركان الدولة ويأتي على ما تبقى من جدية البناء العام للعلاقات بين البلدين. وقد كان القصد منه بالفعل، زعزعة كيان النظام الملكي. وهو الكتاب الذي كشف من خلاله الكاتب عن تعذيب المعارضين في درب مولاي الشريف وكذا معتقلي تازمامارت، السجن الرهيب سيئ الذكر. كما كشف الكتاب عن الوضع المأساوي لعائلة الجنرال محمد أوفقير من بينهم أطفال أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم يحملون اسم أبيهم… الكتاب الذي كشف عن نزيف عميق يتجرعه الجسم المغربي في صمت مخيف.
نار اشتعلت في مرافق عدة من الحياة السياسية هنا وهناك، حاول إدريس البصري بإخمادها بشراء مئات النسخ المعروضة للبيع في باريس. مما دفع بدار النشر غاليمار Gallimardإعادة طبع نسخ جديدة لسد حاجة الطلب المتزايد لقراءة الكتاب. إجراءات عدة اتخذت للحد من آثار الزوبعة، وتدخلات على أعلى المستويات حصلت، اكتفى منها المغرب بتغيير سفيره في فرنسا، وتعيين عباس الفاسي الأقل حماسا للفرانكفونية مكان يوسف بلعباس التعارجي. أما العاصفة فلم تهدأ حقيقة إلا بعد مجيئ جاك شيراك الى سدة الحكم بفرنسا؛ تقول المجلة.
يمكن أن نسترسل في ذكر ما يكتنف العلاقات المغربية/الفرنسية من شوائب على لسان مجلة جون أفريك إلى ما لا نهاية. لأنها حتى يوم لا تكتب فيه عن هذا الموضوع الصعب المراس في السياسة الدولية، فهي تلجأ للحديث عنه بطرق أخرى عجيبة. وخير دليل على ذلك المقال الذي أنجزته عن المغرب والروابط المتينة التي تجمعه بالولايات المتحدة الصادر في شهر فبراير 2023 والذي يحمل عنوان “أصدقاؤنا في واشنطن”. وهو مقال جد هام يبين للقارئ القوة والحنكة الهائلة التي يتوفر عليها المغرب للعب مع الكبار. وإن كان في الظاهر يعني العلاقة مع الولايات المتحدة، فهو يندرج بالكاد في صنف “اسمعي يا جارة”.
هنا نتساءل، لماذا تبذل المجلة كل هذه المجهودات للإحاطة بكل جوانب العلاقة المغربية/الفرنسية ولمصلحة من. الجواب يوجد بالتأكيد في طي كل ما تنسجه المجلة عن هذا الموضوع. فهي، مهما بلغت من درجة التمكين والمهنية في الميدان الصحفي وطول الباع في الوصول إلى أدق المعلومات السياسية، تبقى رهينة مصالحها “المبهمة”. وليس هنالك من أبلغ من السكوت عن الوساطة التي قامت بها دولة الطوغو للمصالحة بين ساحل العاج ودولة مالي بداية هذا العام وهو حدث بالأهمية بمكان لم تبذل إزاءه المجلة كبير عناء لتغطيته .
أما العلاقة بين الرباط وباريس، فلا زالت تراوح مكانها في انتظار ما سيأتي به المستقبل القريب من جديد.