العنصرية في فرنسا “تكسر المفعول به وترفع الفاعل”
إذا كانت ملامحك أجنبية ولون بشرتك أسمر أو أسود، لا تركض وسط الناس، حتى وإن كنت ستصل متأخرا عن العمل، فلا تركض..، وإذا كنت في مكان عمومي، عليك أن تمشي على مقربة من رجال الأمن، ولا تبتعد كثيرا عن أعينهم، لكن لا ينبغي لك أن تقترب كثيرا منهم حتى لا يعتقدوا أنك تنوي، ربما، الاعتداء عليهم، لكن، أيضا، عليك، في نفس الوقت، ألا تتفاداهم وتغير طريقك، قد يُعرٍّضك الموقف، لا محالة، للتفتيش أمام الملأ...،
⬛ جمال اشبابي/ باريز
“في فرنسا إذا كانت ملامحك أجنبية ولون بشرتك أسمر أو أسود، فلا تركض وسط الناس، حتى إن كنت ستصل متأخرا عن العمل، فلا تركض، وإذا كنت في مكان عمومي عليك أن تمشي قرب رجال الأمن، ولا تبتعد كثيرا عن أعينهم، لكن لا ينبغي لك أن تقترب كثيرا منهم حتى لا يعتقد أنك تنوي ربما الإعتداء عليهم، لكنه في نفس الوقت عليك ألا تتفاداهم وتغير طريقك، لأنك ستعرض نفسك لا محالة للتفتيش أمام الملأ”، هكذا يصف كمال جانبا قاتما من يوميات الأجانب في الضاحية الباريزية خصوصا.
في فرنسا أيضا، “إذا كنت أجنبيا وتقود سيارة لا تنسى أن تكون أنت وسيارتك في وضعية قانونية، وأن كانت سيارتك فارهة فسيعرضك ذلك لأن تكون ربما موضوع مساءلة وستصبح شخصا مشتبهh به، إما بالاتجار في الممنوعات، أو السرقة أو أنك عضو ضمن عصابة إجرامية”، يستطرد هذا الشاب البالغ من العمر 24 سنة.
في فرنسا، عليك كشاب كأجنبي، أن تقود سيارتك دون ارتكاب مخالفات، وأن تمتثل لمراقبة رجال الأمن، لأنك أصلا، بحسب ملامحك ونوع سيارتك “خارج عن القانون”، وربما تم إطلاق النار عليك، دون رحمة، تحت ذريعة سوابقك في عدم الامتثال أو لصغر سنك، وسيلقى الشرطي الذي سيعتدي عليك كل الدعم من طرف العنصريين، وستصبح مجرما رغم كونك ضحية.
حدود تدخل الشرطة غالبا ما تحددها أصولك ولون بشرتك
فرنسا أيضا، دولة الديمقراطية وحقوق الانسان، الشرطة لا تلاحق طبعا كل السائقين ولا كل السكان، ولا يشهر السلاح الناري في وجه الجميع، وإلا لتم قتل جميع سائقي السيارات المسرعة، وأولئك الذين لا يمتثلون للإشارة الضوئية الحمراء، أو أولئك الذين لا يقومون بتشغيل المؤشر الضوئي، وأولئك الذين يتعرجون لأنهم في حالة سكر، أو أولئك الذين لا يحترمون الأسبقية، وحتى أولئك الذين يرمون أعقاب السجائر من نافذة السيارة. فكل هذه المخالفات خطيرة إلا أن حدود تدخل الشرطة غالبا ما تحددها أصولك ولون بشرتك بالدرجة الأولى.
فالحقد والعنصرية ضد الأجانب في فرنسا أصبح سلوكا شبه عادي، يتحامل الجميع ضدهم كما يحدث الآن مع الشرطي قاتل الشاب ناهل (17سنة)، فما تم جمعه من أموال لأسرة الشرطي تجاوز 1.6 مليون أورو في ظرف أسبوع واحد فقط.
وكانت من مخلفات هذا الاعتداء الذي ذهب ضحيته أحد أبناء الجالية المغاربية، إضرام النار في كل أرجاء فرنسا، واندلاع أعمال شغب خلال الليل من الأربعاء إلى الخميس الماضيين، وكانت شراراتها الأولى انطلقت من نانتير المدينة التي كان يقطن فيها الضحية ناهل، وهي مدينة بالضاحية الباريزية.
الأجانب لا يمثلون سوى 10٪ من المشاركين في أعمال الشغب
ووصلت حصيلة الخسائر نتيجة أعمال الشغب إلى حوالي 5000 سيارة محترقة و 10000 حريق قمامة وما يقرب من 1000 مبنى محترق أو متهالك و 250 هجوما على مراكز الشرطة أو الدرك وإصابة أكثر من 700 من أفراد الشرطة.
لكن، وعكس كل توقعات اليمين المتطرف وحتى شريحة عريضة من الرأي العام الفرنسي، جاء جيرالد دارمانا وزير الداخلية الفرنسي ليفند كل التوقعات، لتكشف أرقامه أن المتسببين في أحداث الشغب من الأجانب لا يمثلون سوى 10٪ من مجموع كل المشاركين (40 أجنبي من أصل 4000). وأضاف أنه ضمن لوائح أسماء المعتقلين يوجد الكثير من أسماء “تيو” و “كيفين”، وهي أسماء فرنسية.
لكن كيف وصلت الأوضاع إلى هذا الحد من الحقد والعنصرية وما يقابله من عنف مضاد كردة فعل؟ الإجابة تأتي من “بوبا” الرابور الفرنسي الشهير عبر تدوينة على تويتر تلخص الجرح الفرنسي وهو يرد على “إريك زمور” من اليمين المتطرف، ويتأسف بوبا للاختلاف في المعاملة التي عانى منها ناهل مقارنة “ببيير بالماد”، الفكاهي الفرنسي، الذي تم اتهامه بالقتل غير العمد، بعد تسببه في حادث سير مأساوي تحت تأثير تناول الكوكايين، مما أدى إلى وفاة طفل في فبراير الماضي، وإصابة ثلاثة آخرين بجروع خطيرة.
الرابور بوبا: “شرطة تقتل بدون أن تدان، الأمر أصبح رياضة وطنية”
ودعم بوبا حركات الاحتجاج المختلفة التي اندلعت مرخرا: “من الواضح أن الناس على حق! كان استخدام السلاح الناري مفرطا تماما. لم يكن الشرطي في خطر. ولكن حيث أن الشرطة تقتل بدون أن تدان، فالأمر أصبح رياضة وطنية. وفي الوقت نفسه، الممثل بالماد الذي صورت له فيديوهات في إحدى العلب الليلية (يتمتع بحريته بمدينة بوردو)”.
في فرنسا لكل واحد ضحاياه وموتاه، ذلك أن ضحايا الممثل “بالماد” من أصول تركية لم يتلقوا دعما معنويا من اليمين المتطرف ولا من غيرهم تنديدا بالحكم ولا للتضامن مع الضحايا، بعد إصدار حكم قضائي بوضعه تحت الحراسة القضائية مع السماح له بالخروج من المستشفى، فالفاعل من المشاهير ومن أصول فرنسية، في حين ضحاياه من الأجانب.
في المقابل، لقي شرطي المرور الذي أطلق رصاص مسدسه على الضحية ناهل لأنه رفض الامتثال للتفتيش، تضامنا كبيرا، والأذهى من ذلك، تمت إدانة الضحية من طرف شريحة عريضة من الفرنسيين، وفق معايير عرقية، وكأننا نعيش في مجتمع فرنسي يختار الوفيات التي تهمه؟
“لاسيتي”، أو “لازون”، مراقد تتكدس فيها ٱلاف الأسر الأجنبية بأثمنة كراء منخفضة
ويعيش معظم الأجانب بفرنسا، خاصة المنحدرين من أصول مغاربية ودول جنوب الصحراء، في أحياء هامشية يطلق عليها “لاسيتي”، أو “لازون” وهي تسميات تحمل في طياتها الكثير من المعاني، كالحدود التي لا ينبغي تجاوزها من طرف قاطنيها، ولكل لاسيتي/مدينة، أو لازون/المنطقة طابعها الخاص، لكنها تجتمع كلها في تضامن السكان فيما بينهم. وهذه الأحياء في معظمها ليست إلا مراقد ومساكن تتكدس فيها ٱلاف الأسر الأجنبية في معظمها، بأثمنة كراء منخفضة، وغالبيتها تنعدم فيها مرافق إجتماعية ورياضية.
لقد أعادت قضية مقتل ناهل إشعال الجدل حول إجراءات تنفيذ القانون في فرنسا، حيث تم تسجيل رقم قياسي بلغ 13 حالة وفاة في عام 2022 بعد رفض الامتثال أثناء عمليات التفتيش المرورية.
ومن تداعيات الاحتجاجات الاخيرة، قيام الشرطة الداخلية الفرنسية بالتحقيق في عشرة ملفات تخص تجاوزات رجال الأمن، على الأرجح أن بعضها على علاقة مع ضحايا أجانب خاصة “مقتل” أحد المغاربيين أثناء الاحتجاجات الأخيرة بمدينة مارسيليا.