من هو الفَيلسوف؟
يبين هذا النقاش طبيعة الحقيقة الفلسفية والعلمية، بحيث إن تعريف من هو الفيلسوف والمبادئ التي يجب أن يركن إليها، هو في حقيقة الأمر تعريف لجوهر الفلسفة والتي تقوم على السؤال وليس الجواب.
وديع بكيطة
يعرف الفيلسوف عادة باعتباره ذلك الشخص المُحب للحكمة، وهو التعريف الشائع الآن والذي استند على الأصل اليوناني: من الكلمة “فيلو- صوفيا”، فـ”فيلو” تعنى حب، و “صوفيا” تعنى الحكمة. وهذا لا يعني أن الشعوب والثقافات الأخرى ليس لها نصيب من التفلسف والمعرفة، بل إن هناك تسميات عديدة تعبر عن هذا النوع من الأفراد داخل كل مجتمع، مثلا كلمة: غورو، بوذا، شيخ، علامة، فقيه، مَاسْتر، أنْبَا… وهي كلها كلمات تتساوق أو تترادف من جانب ما مع الفرد الذي يسعى دائما إلى المعرفة ومحبة الحكمة.
قد نختلف حول جدوى هذه الكلمات نظرا لطبيعة السياق التي تتواجد فيه، ونجزم بأن كلمة فيلسوف لا علاقة لها بكل ما ذُكر، وهذا صحيح، من وجهة نظر تخص التاريخ الفلسفي. لكن من وجهة نظر ثقافية فالربط بين كل تلك الكلمات هو أمر وارد، لأن أي جماعة بشرية ما تُنتج مثل هذا النوع من الأفراد، الذي يحمل معارف المجموعة البشرية التي ينتمي إليها، ويمر بها من جيل إلى جيل، فهو الذاكرة الحية لكل الاستعارات التي تحيا بها تلك المجموعة.
بين الفيلسوف الأمريكي شارل ساندرس بيرس في الكتاب الثالث “الفينومينولوجيا” (الظاهراتية) الفصل الخامس من المجلد الأول أن هنالك سبع مؤهلات عقلية يجب أن يتمتع بها أي فيلسوف، وهذه المؤهلات لم يسبق أن تواجدت مجتمعة عند فيلسوف ما باستثناء إيمانويل كانط، وهي كالآتي: 1. القدرة على تمييز ما قبل وعي الإنسان. 2. الأصالة في الابتكار. 3. تعميم القوة. 4. دقة الذهن. 5. الصرامة النقدية والرغبة في الحقيقة. 6. العمل المنهجي العلمي. 7. الطاقة والاجتهاد والمثابرة وحب الحكمة. (Peirce: CP 1.522).
وقد أوضح في إطار نفس هذا النقاش أن الفيلسوف الألماني هيجل، والذي وصفه بيرس بأنه “في بعض النواحي، كان هيجل أعظم فيلسوف عاش على الإطلاق”، قد أخل بالمبدأ الخامس، والذي يحث على الصرامة النقدية والرغبة في الحقيقة. كما أن أتباعه، بدل أن يعملوا على إصلاح هذا الخطأ وتوضيحه، كما يجب على أتباع كل فيلسوف حقيقي، فقد أقروا في أحسن الأحوال بعض التغييرات السطحية دون استبدال على الاطلاق للقضايا الفاسدة التي بُني النسق الهيجلي عليها. (C.P.524).
يبين هذا النقاش طبيعة الحقيقة الفلسفية والعلمية، بحيث إن تعريف من هو الفيلسوف والمبادئ التي يجب أن يركن إليها، هو في حقيقة الأمر تعريف لجوهر الفلسفة والتي تقوم على السؤال وليس الجواب.