ثالوث الخَلق المصري
تنبني فلسفة أفلاطون كما هو مؤرخ على الحكمة المصرية، ولم يكن هو الوحيد من فعل ذلك، فقد "كانت مصر حقا الموطن الكلاسيكي الذي تردد عليه ثلثا العلماء والفلاسفة الإغريق لتلقي العلم، ومن المعروف أن فيثاغورس، وطاليس، وسولون، وارشميدس، واراتوستين قصدوها لتلقي العلم
وديع بكيطة
كان للمناطق الحضارية الكبرى في العالم القديم (بلاد ما بين النهرين، مصر القديمة، الهند،…) دور في نشأة الكثير من الأفكار والتصورات والمعتقدات والطقوس… وبفعل سيرورة الزمن يتم نسيان مرجعيتها وسياقها، الأمر الذي يجعل فهمها صعبا، كلما ابتعدنا عن البدايات المختلفة لكل أًصل من أصولها المتنوعة. رغم أن الأصل وهم، والبداية بدايات، والبدايات تأويلات لنِهايات عديدة.
تنبني فلسفة أفلاطون كما هو مؤرخ على الحكمة المصرية، ولم يكن هو الوحيد من فعل ذلك، فقد “كانت مصر حقا الموطن الكلاسيكي الذي تردد عليه ثلثا العلماء والفلاسفة الإغريق لتلقي العلم، ومن المعروف أن فيثاغورس، وطاليس، وسولون، وارشميدس، واراتوستين قصدوها لتلقي العلم؛ وهذا هو الحال مثلا بالنسبة لأفكار أفلاطون حول خالق الكون، ويوضح لنا أميلينو أنه إذا كانت بعض أفكار أفلاطون قد أًصبحت غامضة، فذلك لأنهم كفوا عن الرجوع إلى مصدرها المصري. ولا تقتصر قائمة طالبي العلم على هؤلاء وحدهم، إذ إن الإسكندرية كانت في العصر الهلنستي المركز الفكري للعالم حيث اجتمع كل العلماء الإغريق الذين يحدثوننا عنهم اليوم”. (شيخ أنتا ديوب. الأصول الزنجية للحضارة المصرية، 277).
“تفصح بعض مقاطع سانشرنياسيون، التي ترجمها فيلون الجبيلي ونقلها عنه أوزيبيوس، عن كون المعتقدات الفينيقية إلى حد ما هي نسخة من معتقدات مصر؛ وفقا لما جاء في نظرية نشأة الكون الفينيقية:” كانت هناك أصلا مادة لم تُخلق، وفي حالة فوضى واضطراب مستمر (بوهو). وكان النَفس (رواح) يحلق فوق الفوضى. وسُميت الوحدة بين هذين الجوهرين (شيفتس)، الرغبة، التي ترجع إليها أصلا الخليقة بأكملها”.
“وفقا للنظرية المصرية حول نشأة الكون، كانت هناك أصلا مادة لم تُخلق في حالة فوضى. وكانت تلك المادة الأولية تتضمن على هيئة جواهر كافة الكائنات الممكنة ـ أي المثل الأصلية (الكُليات) التي جاء بها أفلاطون بعد ذلك. كما كانت تتضمن أيضا الجوهر أو إله الصيرورة (خيفرو).
وبمجرد أن نشأ خالق الكون “رع” من حالة الفوضى الأصلية “نوم” انتهى دور الأخيرة؛ ومنذ ذلك الوقت تتابع النسب بلا انقطاع حتى أوزريس وايزيس وحورس، أسلاف المصريين. وهكذا امتد الثالوث الأول من صعيد الكون إلى صعيد البشر، كما تم ذلك فيما بعد مع المسيحية”. (نفسه، 132).
ما يمكن أن يقدم باعتباره حِكمة على صعيد المعرفة الإنسانية، في إطار هذا التثاقف وترهين المعارف، هو أن الإنسان هو “قيمة القيم” صانعُ للمعنى، والمعنى أيضا يَصنعُهُ.