الربيع الفرنسي: هل يطيح ملتمس الرقابة بعجرفة حكومة منبوذة؟
⬛ جمال اشبابي / باريز
جاء ملف إصلاح التقاعد في فرنسا ليرسخ لدى الفرنسيين قناعة بأن هذه الحكومة كاذبة، وأن أعلى هرم في السلطة الذي نصبها لم يكن وليد صناديق إقتراع حقيقية، بعدما إحتل الصف الأول جنبا إلى جنب مع مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف من حزب التجمع الوطني، بل كان إنتخاب ماكرون للوقوف في طريق مارين كأقل الأضرار، ليس إلا.
أما القناعة الثانية، فهي أن إيمانويل ماكرون لا يزال أصم، لكونه أولا، لم ينتخبه الشعب لبرنامجه، وهذه هي الكذبة التي حاول تمريرها عبر حكومته، لكنها سرعان ما إصطدمت بملف إصلاح التقاعد، وعوض أن يأخذ ماكرون بعين الإعتبار أن إنتخابه تم بشكل إفتراضي ضد مارين لوبان، واصل تماديه في أنانيته من جهة، وحبه للكرسي من جهة أخرى، لينسياه الإحتياط اللازم من ردة فعل الشارع الفرنسي.
حتى أن إختيار ماكرون يوم الخميس الماضي، عشرين دقيقة فقط قبل بدء الجلسة في الجمعية الوطنية (برلمان)، اللجوءه إلى المادة 49.3 من الدستور والتي تسمح باعتماد قانون التقاعد دون مزيد من النقاش وبدون تصويت، فيه الكثير من الإستهزاء بالفرنسيبن، بدعوى “أنه يجب استخدام (الفصل 49.3) نظرا لوجود ميزانية طارئة بشأن هذه القضية، وهذا يعد كذبة أخرى.
التكذيب جاء في شهر يناير الماضي حين رد مجلس توجيه المعاشات إنه لا توجد حالة إستعجالية في الموازنة تتعلق بالمعاشات! زد على ذلك، أنه حتى وزراء حكومة بورن صرحوا أن ذلك سيعوض العجز في سنة 2037، وهو ما يعني أن أحدهما يكذب إما ماكرون أو حكومته، وهو أمر سيان.
الآن تقف كل فرنسا مشدوهة أمام تحدي كبير لحكومة إليزابيت بورن، في مواجهة المعارضة التي يقابل بها قانون التقاعد منذ عدة أسابيع ويهدد بقاءها، بل والإطاحة بها في حالة تم التصويت على ملتمس الرقابة (حاليا 269 نائبا من أصل 287، وهو عدد النواب اللازم للإطاحة بالحكومة)، الذي ربما سيضع حدا للتسيير الحكومي الكارثي.
وبغض النظر عن مدى الإستجابة لملتمس الرقابة يوم الإثنين المقبل، فإن رياح ثورة فرنسية باتت واضحة، ثورة، يجسدها هذا الغضب الفرنسي، غضب نقابي وقد ارتفع بدرجة كبيرة على مدى أسابيع من التعبئة، إضرابات متتالية، في وسائل النقل العام، في مصافي النفط، بين عمال النظافة، الذين جعل إضرابهم باريز عاصمة العسرة ٱلاف طن من النفايات.
كل هذا الحراك الشعبي وهذا الغليان في الشارع والإصطدامات التلقائية، في كل أنحاء البلاد تطبع على ربيع فرنسي ساخن وعلى فشل ذريع ورفض نهائي لسياسة إيمانويل ماكرون منذ إعادة انتخابه قبل عام مشتتا اليمين، بعد أن فعل الشيئ نفسه في صفوف اليسار لما أنتخب لولاية أولى في سنة 2017.
وإذا كانت كل المؤشرات توحي بأن هذا الصراع السياسي لن ينتهي بالتصويت إيجابا أو سلبا على ملتمس الرقابة، ذلك أن نبض الشارع سيغير حالة الطقس السياسي بالبلد وسيعجل لا محالة بربيع فرنسي سيكون ساخنا أكثر من المعتاد، ربيع ربما يكون الأول من نوعه في أوروبا، في تزامن مع تضخم إقتصادي وتدهور مقلق جدا للقدرة الشرائية.
الأكيد وحسب كل المؤشرات، أن الفرنسيين، في غالبيتهم، (ثلث) لا يريدون إصلاح نظام التقاعد، ولم يعودوا يريدون حتى بقاء رئيس الجمهورية وحكومته.