التمديد للمجلس الوطني للصحافة.. هل هو “نرجسية ذاتية” أم منظومة فساد متكاملة؟!
.نشرت الأمانة العامة للحكومة بلاغا بخصوص اجتماع المجلس الحكومي بتاريخ 29 شتنبر 2022، الذي أدرج في جدول أعماله مشروع مرسوم رقم 2.22.770 يتعلق بسن أحكام خاصة بالمجلس الوطني للصحافة، وقد أعقب ذلك تصريح للناطق الرسمي باسم الحكومة يفيد أن “هذا المشروع يقضي بتمديد مدة انتداب أعضاء المجلس الوطني للصحافة لستة أشهر”.
في هذا الصدد، يُطرح سؤال مركزي: هل هذا التمديد ضروري؟ وقبل ذلك، هناك سؤالان يطرحان نفسيهما بهذا الخصوص: هل هناك ملابسات ما في طبخ انتخابات المجلس الوطني للصحافة؟ وهل يمكن تقييم عمل هذا المجلس من داخل بنية النص القانوني المنظم له؟
بداية، لابد من الاشارة إلى أن انتخابات المجلس الوطني للصحافة شأن مجتمعي لعدة أسباب، نذكر منها، أن تعويضات أعضاء المجلس وجهازه الإداري يجري تأديتها من أموال دافعي الضرائب من المغاربة، وأن الصحافة لها تأثير على الرأي العام وعلى الذوق العام، وأن التشريع جزء من السياسة التشريعية للحكومة والبرلمان.
لقد تابع المهتمون وأصحاب المصلحة المعنيون عملية انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة، التي وُسمت بـ”الطبخة” و”الكولسة”، والتي جعلت من لائحة النقابة الوطنية للصحافة المغربية المرشحة الوحيدة، ووُجّهت أصابع الاتهام إلى الإدارة في قطاع الاتصال بشأن تواطُؤٍ مفترض مع اللائحة الوحيدة الفائزة، بعد انسحاب كل المرشحين السابقين.
مرت انتخابات المجلس الوطني للصحافة بنوع من البرودة، وعدم مشاركة أزيد من 57 في المائة من الصحافيين في هذا الاستحقاق، مع العلم أن الجسم الانتخابي لم يكن يتجاوز ثلاثة آلالاف صحافية وصحافي…
ينص القانون رقم 90.13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة في مادته 22 في الفقرة الثالثة على ما يلي: “يضع الخبير المحاسب تقريرا سنويا يرفعه إلى رئيس المجلس، وترسل نسخة منه إلى المجلس الأعلى للحسابات، مع نشره قبل 31 مارس من كل سنة”.
وإذا علمنا أن انتخابات المجلس كانت في يونيو 2018، فإنه لم يقع نشر أي تقرير محاسباتي طيلة سنوات 2019، 2020، 2021، 2022، خاصة أن مرسوم تعويضات الأعضاء المنشور في بتاريخ 25 ماي 2020 تحت رقم 2.19.896، وفق المادة 9 منه، جاء فيه أن “الرئيس له تعويض”، دون أن يحدد هذا المقدار بشكل صريح ودقيق كما هو محدد لباقي الأعضاء، وهذا يتنافى مع الحق في الوصول إلى المعلومة ومعايير الشفافية، وتضيف المادة 10 أن التعويضات يتم استخلاصها بأثر رجعي “منذ انتخاب أجهزة المجلس”.
إن عدم نشر التقرير المالي السنوي (المحاسباتي) هو وحده أمر كافٍ لتلسيط الضوء على المال العام داخل المجلس الوطني للصحافة.
وهنا، نكون أمام سؤال يطرح نفسه بقوة: هل كان ضروريا إصدار مرسوم بتمديد عمل المجلس الوطني للصحافة لمدة ستة أشهر؟ وهنا، كذلك، يكفي النقر على موقع البحث العالمي “غوغل”، للحصول على الجواب، إذ كُتبت مقالات، ونُشرت مناقشات، وتباينت المواقف بين أعضاء المجلس، وخاصة منهم ناشرو الصحف الرافضون للتمديد، وذلك قبل أزيد من ستة أشهر (في مارس وأبريل…)، مما يعني أن طيلة ستة أشهر من النقاش حول التمديد كانت مدة كافية لإعداد الانتخابات في أحسن الظروف، مما يؤكد أن “التمديد” عمل “مقصود” و”ذاتي”…
لكن، ماذا يقول القانون بصريح العبارة؟
إلى غاية اليوم الاثنين 3 أكتوبر 2022، لم يُنشر مرسوم تمديد ولاية المجلس في الجريدة الرسمية، فيما تنص المادة 5 من قانون إحداث المجلس، في فقرتها ما قبل الأخيرة، على أنه “ينتخب أعضاء المجلس رئيسا للمجلس ونائبا للرئيس… وتخضع المهمتان للتناوب كل أربع سنوات…”. وباعتبار فشل رئيس المجلس الحالي في تنظيم الانتخابات في موعدها، وجب أن تتولى نائبته تدبير المرحلة الانتقالية المخصصة للانتخابات المقبلة لأعضاء المجلس الوطني للصحافة، وتوكل مهمة استكمال الرئاسة لمدة ثلاث سنوات ونصف من داخل فئة ناشري الصحف…
وفي انتظار نشر مرسوم التمديد، هل تم احترم الشكليات والموضوعات، أم وقع العبث الدستوري والقانوني بمؤسسات الدولة مرة أخرى، وفي هذه الحالة، قد يكون كلام آخر يتجاوز مجرد “نرجسية ذاتية” إلى كونه منظومة فساد متكاملة…