المرأة والمجتمع المدني أية علاقة؟
تقديم
قطعت المرأة العربية أشواطا كثيرة بفضل دور منظمات المجتمع المدني وغيرهاإلا أنها لازالت تتخبط وتعاني من مضايقات وإكراهات لازالت تلازمها.
فما معنى المجتمع المدني؟ وما هي أهم أدواره للنهوض بالمرأة؟ إنجازات المجتمع المدني؟ وما أهم الحركات النسائية في البلدان العربية؟
المجتمع المدني:
المجتمع المدني هو مجموعة من الأشخاص لهم دراية بمجال معين فعملوا باستقلالية عن الحكومة في إنشاء منظمات حرة تطوعية لا للغرض الشخصي، بل للغرض الجماعي. لكنه يحتاج للتمويل لمشاريعه الاجتماعية وغيرها من القطاعات، وهذا لا يتحقق إلا بمساعدة أفراد المجتمع بقيام الاحترام والتآخي والتسامح والإدارة من أجل التنوع والاختلاف.
أهم أدواره للنهوض بالمرأة
أهم أدوار المجتمع المدني للنهوض بالمرأة
اهتم المجتمع المدني بالمرأة لأنها تعد عضوا فاعلا ومكونا أصيلا ومركزيا في مجتمعنا، حيث قامت هذه الأخيرة بجهود جبارة للنهوض بها ونلخص اجتهاداتهما بالسمات التالية:
– استئثار النصوص الدينية المرتبطة بالمرأة بكثافة اجتهادية عزيزة من حيث النوع والكم قياسا بقضايا أخرى.
– احتدام الصراع بين المجتهدين وهم يفسرون أو يؤولون النصوص الدينية.
– دخول المرأة المعنية في الموضوع من خلال التنظيمات النسائية الممتدة على مساحة البلدان العربية.
– تزايد اهتمام الهيئات الدولية المختصة بالموضوع واقتراح التصورات وبلورة المواقف وتقديم المساعدات.
– إن الطابع المتميز لقضية المرأة في البلدان العربية قد ترتب عنه اهتماما واسعا من قبل تنظيمات المجتمع المدني العربية.
لذا فالأحزاب السياسية العربية قد تبنت في برامجها السياسية والمطلبية قضية المرأة ولكنها تختلف بعد ذلك:
– في الحجم الذي يعطي للموضوع في البرنامج العام للأحزاب.
وفي الأطر الفكرية التي تنبثق عنها تصوراتها ومواقفها من القضية حيث نراها – في معظمها – باختلاف توجهاتها الفكرية والايديولوجية تدعو إلى معالجة الوضع النسائي العربي إما:
بمواجهة الانحرافات والبدع التي اكتنفت حياة النساء العربيات والمسلمات وذلك بالاحتكام إلى قيم الإسلام كما بلورها اجتهادها بمواجهة الوضع الإنساني الذي تعيشه المرأة بالاحتكام أيضا إلى قيم الإسلام حسبما يفوزه اجتهادها أيضا.
إنجازات المجتمع المدني
من خلال متابعتي للمجتمع المدني ألاحظ أنه يوجد تطور حكمي ونوعي على الأقل أفضل مما كان عليه الحال سابقا، وبالرغم من المعوقات والاخفاقات التي واجهته إلا أنه تابع وأكمل تنظيماته بمؤسساته المختلفة وفي مقدمتها القطاعات النسائية التي لعبت دورا مركزيا في إثارة الاهتمام والزاي العام وتحفيز الهيئات الوطنية والدولية على متابعة الموضوع النسائي لما يستحقه من أهمية.
إلا أننا الآن نرى قفزة نوعية في أوضاع الحالية للنساء التي على طول امتداد الوطن حيث كانت تعيش في ظل القمع والكبح والظواهر العديدة.
أهم الحركات النسائية في البلدان العربية
بدأت الحركة النسائية سنة 1975 التي أعلنتها الأمم المتحدة وقد شكل هذا التاريخ منعطفا تاريخيا هاما وحاسما في تاريخ الحركة النسائية العالمية وضمنها العربية ولكنها تحولت تحولا نوعيا سواء بنيويا أو سوسيولوجياكالتحولات التاريخية: التي عرفتها المرأة: حيث تم انتشار التعليم بين البنات فأعطى كثير من مبدعات مهنيات محترمات (طبيبات – مهندسات – جامعيات – محاميات – ممرضات…إلخ)، لذا تم احتلال بعضهم مراكز قيادة في الأحزاب والحكومات وتم رسوخ الوعي بالوضع الذي تعيشه النساء في عالمنا العربي، مما أدى الإيمان بالعمل الجماعي المدني لتكسير القيود المحدقة بهن حيث تطورت المرأة مما أدى إلى اتساع التعاطف الاجتماعي مع قضية المرأة ورهاناتها الحاضرة والمعاصرة، الشيء الذي أدى إلى انعكاسات الخارجية المتمثلة في كون كثير من النساء أكملن تعليمهم العالي أو تخصصاتهن في جامعات أوروبية وأمريكية فعرفت بوضوح في حياة ومكانة المرأة الأوروبية والأمريكية وتحررها داخل بلادها.
فهذان العاملان الداخلية والخارجية لعبا دورا أساسيا ومكملا للعوامل الأخرى في تمكين المرأة من قيادة معركتهن بأنفسهن وقد استطاعت هذه الحركة النسائية أن تساهم في تكسير الطوق أو السياج الملفوف على المرأة.
تعريف المجتمع المدني
– إن ثمة اجتهادات متنوعة في تعريف المجتمع المدني، فالمعنى الأصلي للمفهوم هو “المجتمع السياسي” الذي يحكمه القانون تحت سلطة الدولة، لكن المعنى الأكثر شيوعا هو تمييز المجتمع المدني بوصفه مجالا لعمل الجمعيات التطوعية والاتحادات مثل النوادي الرياضية وجمعيات رجال الأعمال وجمعيات حقوق الإنسان والاتحادات العمل وغيرها.
– يستخدم المجتمع المدني عادة كمفهوم وصفي لتقديم التوازن بين سلطة الدولة من جهة والهيئات والتجمعات الخاصة من جهة أخرى، فالشمولية مثلا تقوم على إلغاء المجتمع المدني ومن ثم يوصف نمو التجمعات والأندية الخاصة وجماعات الضغط والنقابات المستقلة في المجتمعات السابقة ومع ذلك يلتصق مفهوم المجتمع المدني في أغلب الحالات بدلالات معيارية وإيديولوجية، فوفقا للرؤية الليبرالية التقليدية يتسم المجتمع المدني بأنه مجال للحرية الشخصية والمسؤولية الفردية اتجاه المجتمع الذي يعيش فيه المرء ويريد إعطاء له بما لديه من إمكانيات معرفية أو إمكانيات مادية، أي أن المجتمع المدني يتيح للأفراد المجال لتشكيل مصائرهم الخاصة ومساعدة الآخرين.
دور المجتمع المدني في ترسيخ تنمية اجتماعية واقتصادية
قد لا يختلف اثنان حول أهمية دور المجتمع المدني في ترسيخ مفهوم ومقاربة جديدة للتنمية، باعتبارها حقا من الحقوق الأساسية التي أصبحتتكتسي أهمية باللغة في تقييم مدى نمو وتقدم مجتمع في المجتمعات خصوصا في دول الجنوب.
ونظرا لهذه الأهمية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى أي حد ساهمت جمعيات المجتمع المدني في تكريس تنمية اجتماعية واقتصادية تراعي الجانب الحقوقي للإنسان في دول الجنوب؟ يجب أن تراعي ما تحقق على أرض الواقع وما استطاعت بعض الجمعيات العاملة في حقل التنمية الاجتماعية أو التنمية المستدامة لتحقيقه من أجل بلورة تصور واضح ومتكامل من الأهداف والوسائل، وأيضا كيفية التقييم الموضوعي للتجربة أو التجارب.
المجتمع المدني بالنسبة للغرب والعرب
إننا إذا نظرنا إلى المجتمع المدني باعتباره مجموعة من المؤسسات المدنية والاجتماعية وجملة من القنوات التي يعبر بها المجتمع المعاصر عن مصالحه وغاياته ليتمكن من الدفاع عن نفسه في المجتمع السياسي المتمثل في الدولة، فإننا نفهم كيف أن هذا المفهوم الذي يتمتع بوضوح شديد في أذهان المواطنين في الغرب يقابل بالغموض في ذهن المثقف العربي، فما بالنا بالإنسان العادي في هذا المجتمع الذي يبدو أن هناك سعي متواصل لتأسيسه وتفعيله تأكيدا للحق في المواطنة تفترضه عدة صعوبات باعتباره مجموعة من القنوات التي يحتمي بها الفرد اتقاء شرور النظام المخزني وبالنظر إلى كونه نتاج اجتماعي خالص لواقع معين، فإنه يتأثر أيضا بمعطيات هذا الواقع وما يتفاعل فيه، ولهذا وعلى الرغم من كل هذا الاتساع الكمي الذي تعرفه هياكل المجتمع المدني المغربي والتي توحي بالانتقال والقطع المباشر مع التقاليد، فإن طبيعة التكوين والتنشئة تظل وفية لكل ما هو تقليدي.
الحراك الاجتماعي في المجتمع المدني المغربي
إن مسألة الحراك الاجتماعي تطرح بقوة في سؤال المجتمع المدني بالمغرب وهي بالضبط تركز حول النهايات والمطامع القصوى لكثير من المناضلين في الهيئات المدنية.
فالانتماء إلى منظمة ما بالنسبة للمحسوبين خطأ على حركية المجتمع المدني وفقا للمفهوم النيل يظل مرتبطا بحسابات الحراك الاجتماعي والوصول إلى دوائر النخب وصياغة القرار، وعليه فقد بتنا اليوم نشاهد تسابقا محمودا نحو احتلال مواقع متقدمة في جمعيات تنموية أو ثقافية أو اقتصادية. لذا عمل المناضل على استهام التناقض الموجود بين الفكر والواقع، لذا التزم مصطلح المجتمع المدني الذي تطور مع الفكر الغربي الذي أنتجه معتبرا المدنية هي مجالا للتواصل وأن الإنسان حيوان سياسي وأهلي بطبيعته أي أنه اجتماعي.
وقد أعاد مصطلح المجتمع المدني الاعتبار لنفسه بعد أن تعرض لعقود طويلة من الإهمال حيث كان يعتبر مفهوما قديما ومحافظا من ناحية، وغير مألوف ومهملا إلى حد كبير بين ناحية ثانية، لذا ارتبط بتجربة تاريخية محددة. وحاضنة الثقافية بعينها من ناحية أخرى. لكن مع تظاهرات المجتمع المدني في بداية التسعينيات من القرن الماضي في أوروبا الشرقية أولا ومن تم أوروبا وباقي دول العالم. أخذا هذا المفهوم عدة أسماء ومفاهيم لذا نرى أن هذا المصطلح أي المجتمع المدني يعتبر من إنتاج غربي ويرتبط بمفاهيم الديمقراطية الليبرالية،لكن هناك من ينتقد النقل المفهوم الذي يعبر عنه المصطلح من بيئته الغربية إلى المحيط العربي الذي يعد المغرب جزءا منه دون تهيئة تربة جديدة ملائمة لغرسه.
إن هذا المجتمع المدني ينتمي أساسا إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية، إنه لا يكتسب الدقة العلمية التي تكتسبها مفاهيم الرياضيات والفيزياء أي أن له استخدامات ومعان مختلفة وغير مستقرة ضمنيا وحتى متناقضة بعضها مع بعض وهذا حاصل بسبب اندراجه وتطوره ضمن تقاليد فكرية وممارسات اجتماعية وسياقات تاريخية مختلفة.
مزايا المجتمع المدني
إن المجتمع المدني يعد في العصر الحاضر من المكونات الأساسية لكل مجتمع ديمقراطي حداثي ويصطلح بدور حيوي في تعبئة الطاقات لخدمة الصالح العام والمساهمة الفعالة في تحقيق التنمية والتقدم، حيث يشتمل في تنظيماته وفي أدائه لمهامه على مزايا كثيرة وفوائد متعددة يشير إلى أهمها في ما يلي:
1) ترسيخ الثقافة الديمقراطية والتربية على المواطنة وما يعني ذلك من حرية ومسؤولية وتنظيم ومشاركة وتعدد واختلاف وحوار وخضوع الأغلبية وتسامح واحترام الرأي الآخر وتعامل في إطار مؤسساتي وقانوني.
2) توسيع قاعدة المهتمين بالمصلحة العامة وتقوية الشعور بالانتماء الوطني والروح التطوع والعمل الجماعي والمنظم والحد من النزعة الفردية والأنانية وتحقيق الاندماج والتعاون بين فراد تجمعهم الرغبة المشاركة في خدمة المجتمع.
3) امتصاص حالات الاحتقان السياسي والاجتماعي والتنفيس عنها بتفجير الطاقات بصورة إيجابية واعتماد النهج السلمي في اتخاذ المواقف المختلفة والتعبير العلني عن القناعات المتباينة.
4) تلبية الاحتياجات المتعددة والمتنوعة من خلال انخراطهم في الأنشطة الجمعوية التي تتلاءم مع تخصصاتهم وميولاتهم وتطلعاتهم وبضمان حرية تكوين الجمعيات والانخراط فيها بدون تمييز.
5) تكوين النخب وإفراز القيادات الجديدة حيث تتيح منظمات المجتمع المدني لإعطائها التدريب على الخدمة العامة والتمرس على العمل الجماعي المنظم ومن خلال أدائها لوظيفتها تبرز المواهب والكفاءات في التدبير وثم اكتساب المهارات الجديدة وتعميق الخبرة والتجربة كما أن تنبوء مواقع المسؤولية والقيام بتوزيع الأدوات وتنظيم العمل وتدبير الاختلاف والترفيق بين آراء يساعد على امتلاك فن القيادة وبذلك يصبح المجتمع المدني منجما للنخب المؤهلة والقيادات المدربة.
كيف يخدم المجتمع المدني الصالح العام؟
إن الأعمال ومبادرات منظمات المجتمع المدني لابد أن تصب في خدمة الصالح العام من خلال تقديم خدمات لفائدة المجتمع أو بعض الفئات المستهدفة منه، وهناك مجالات كثيرة ومتنوعة لاشتغال المجتمع المدني في بلد يعاني من التخلف ويعرف الكثير من الاختلالات والخصاص. ومن هذه المجالات: الأعمال الاجتماعية التي تستهدف الفئات المحتاجة ورعاية الأشخاص المعاقين وحماية الطفولة والاهتمام بقضايا المرأة والشباب ومحاربة الأمة والوقاية الصحية والدفاع عن الحقوق الإنسان وتعميم مفاهيمها وثقافتها ونشر قيم المواطنة وحماية البيئة والمساهمة في تنمية الحواضر والقرى، ومحاربة الفقر والاقصاء الاجتماعي وغير ذلك من المجالات التي يمكن للمجتمع المدني أن يساهم من خلال الاشتغال بها في تنمية المجتمع والنهوض به دون أن تكون الغاية من وراء ذلك هي الربح أو المصلحة الذاتية للأعضاء.
علاقة المجتمع المدني بالديمقراطية
إن الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، لكن كثيرا ما يطلق اللفظ على الديمقراطية، لأنها النظام السائد في دول الغرب وكذلك في العالم في القرن 21 وبهذا يكون استخدام لفظ الديمقراطية لوصف الديمقراطية الليبرالية شائعا في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو في الشرق، فالديمقراطية شكل من أشكال الحكم السياسي، بينما الليبرالية تؤكد على حماية أفراد وأقليات. وقد يطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على معنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطية أي وصف ثقافة مجتمع. لذا تكون العلاقة هي عبارة عن ارتباط وثيق بين الديمقراطية والمجتمع المدني، حيث جعل البعض يرى أن المجتمع المدني لا يوجد من دون دولة ديمقراطية، كما لا توجد دولة ديمقراطية دون مجتمع مدني، غير أن هذه الفكرة ليست قطيعة، لأن كثير من الجمعيات المدنية تأسست في ظل أنظمة غير ديمقراطية في دول مختلفة من العالم وكثير ما كان المجتمع المدني يستعمل كأداة لمواجهة أنظمة الحكم استبدادي المطلق خاصة في أوروبا الغربية قبل أن تنتقل إلى الديمقراطية، وهناك تجربة معروفة في الربع الأخير من القرن 20 والمتمثلة في الدور الذي قامت به منظمة في بولونيا.وهناك علاقة جدلية بين المجتمع المدني والديمقراطية لأن أحدهم يكون الآخر وهما اللذان تصفان بواقع الفرد والمجتمع نحو الرقي الحضاري.
ومن الناحية التاريخية فإن فكرة المجتمع المدني قرنية بالحضارة الغربية والفكر السياسي والفلسفي السياسي الغربي وإنها وليدة أفكار الفلاسفة الذين اهتموا بمفهوم أطلق عليه (العقد الاجتماعي) والذي هو حملة الثقافات الأساسية المتضمنة في الحياة الاجتماعية وبمقتضاها يضع كل فرد شخصه وقوة تحت إرادة المجتمع.
أهمية المجتمع المدني
تكمن أهمية المجتمع المدني بأنه يملك القدرة بإفساح المجال للتجربة الديمقراطية الحقيقية بالمرور والعبور بالفرد والمجتمع نحو حقوق المواطنة والتجربة الإيجابية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافيةللمجتمع ككل، وهذه العملية عملية ارتقائية،لأن المجتمع المدني يقع كحلقة وسط بين السلطة والإنسان أو الدولة والفرد، ويوصل التجربة الإيجابية للسلطة من حيث هي ممارسة تهدف إلى رقي المجتمع والأفراد وهذا ما يكسب المجتمع المدني صفة الاستمرار الذي لا تملكه الحكومات التي تمثل بأفراد أو أحزاب تغادر السلطة وتفسح المجال لغيرها بالتحرك من خلال السلطةإذا ما علاقة المرأة بالمجتمع المدني؟ وهل استطاعت أن تنخرط فيه؟.
I– المجتمع المدني والمرأة
يحمل المجتمع المدني في الكثير من الدول وبشكل متزايد أعباء توفير هذه الخدمات، والعناية بالمجتمعات المحلية، والتحدث باسم السكان، ومحاولة التأثير على سياسات وأعمال الأطراف المحلية والدولية بالنسبة للصراع، ويوفر هذا الفصل عرضا وشرحا عاما للمجتمع المدني مع التركيز بشكل جزهري على قطاع المنظمات والمؤسسات غير الحكومية، كما يلفت الانتباه إلى المؤسسات والمنظمات التي تقودها وترأسها النساء، وكذلك التحديات والفرص التي تواجهها. وسنتطرق من خلال هذهالطرح إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية:
ما معنى مشاركة المرأة في المجتمع المدني؟
II– المجتمع المدني والمرأة الحديثة
التصقت عبارة المجتمع المدني بالأصل لوصف الحركات الشعبية في أمريكا اللاتينية التي اتسعت إلى إحداث توازن مع القوى الظالمة للحكومات من جهة، والمصالح المالية والاستغلالية الدولية من ناحية، لكن توسع هذا الاصطلاح بحيث أصبح يشمل العديد من الأطراف واللاعبين غير الحكومين بما في ذلك المنظمات الرسمية، والشبكات غير الرسمية والحركات الاجتماعية. ومنذ نهاية الحرب الباردة على وجه الخصوص، ازدهرت المنظمات غير الحكومية وانتعشت، وهناك اعتراف متزايد بها على اعتبار أنها طرق ولاعب مهم وحيوي في حلبة السلام والأمن.
يضع المجتمع المدني في غالب الأحيان منظمات ومؤسسات مثل الجمعيات الخيرية المسجلة، ومنظمات التنمية غير الحكومية، ومؤسسات المجتمع المحلي، والمنظمات والمؤسسات النسائية والاتحادات والنقابات المهنية والتجارية، التنمية الاجتماعية.
المجتمع المدني مغاير ومختلف عن الدولة (الحكومة والبرلمان) والقطاع السياسي الرسمي أمثل للأحزاب السياسية على اعتبار أنه وسيلة بديلة للتمثيل المباشر لإرادة المواطنين العاديين المنظمين في القطاع الخاص ولكنهم نشيطين على الساحة العامة.
III– عوائق تنظم المجتمع المدني في المناطق المتأثرة بالصراعات:
تواجه كافة منظمات ومؤسسات المجتمع المدني بما في ذلك المؤسسات والمنظمات النسائية صراعا شاقا وعسيرا في البلاد التي مزقتها الحروب. إذ أدى تدمير الموارد، والأثار النفسية والمؤدية للعنف المتطرف، واستغلال الانقسام الموجود في المجتمع المدني من قبل السياسيين والمواقف غير الديمقراطية والأبوية إلى خلق عوائق وعراقيل رئيسية ومهمة في الكثير من الحالات، يتعرض رؤساء المجتمع المدني – خصوصا أولئك الذين يدعون إلى السلام، حقوق الإنسان، والعدل، للتهديد بشكل مباشر، وغالبا مهاجمتهم وقتلهم، وبالتالي فإن ضمان حماية الموظفين والعناية بهم والتعامل مع الخوف هو من المشاكل الحرجة والمهمة التي تواجه الكثير منمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، وفي محاولة للتغلب على الخوف، فقد قامت المنظمات والمؤسسات النسائية في كولومبيا بتطوير عدد من الأساليب التي تشمل:
– ورشات عمل لمساعدة الموظفين في التغلب على الخوف
– استخدام مراسلين موثوقين بهم من أجل تحذير موظفيهم والنشاط من المخاطر والتهديدات
– التجمع من أجل حماية الأشخاص الذين تلقوا تهديدات
– استخدام لغة الرموز مثل الموسيقى والزهور عند مواجهة أطراف مسلحة من التحديات العامة الأخرى التي تواجه منظمات ومؤسسات المجتمع المدني هو أنها قد لا تكون مجهزة ومزودة بالمهارات والمعلومات الضرورية لتمثيل أعضائهم وناخبيهم سياسيا، خصوصا في أوقات الصراع بالإضافة إلى ذلك من الممكن عزل مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني عن بعضها البعض.
– مشاركة المرأة في المجتمع المدني
ازداد نشاط مؤسسات المجتمع المدني النسائية بشكل ثابت ومستمر في العالم منذ السبعينات. وقد تشكل اقصاء واستثناء المرأة من الهياكل الحكومية الرسمية وفي المناصب المنتخبة والمعنية، القوة الدافعة إلى تكمن وراء مشاركتهن كقياديات في المجتمع المدني لذا، فإن الجهود التي تعزز وتشجع إشراك المجتمع المدني في عمليات السلام وفي الأنظمة الديمقراطية يمكن أن تترجم إلى أدوار أكبر للمرأة، ويستطيع المجتمع المدني أن يلعب دور الباب الخلفي للعملية عندما تسد الطرق في وجه المرأة للوصول إلى العملية السياسية الرسمية.
إن إذعان وخضوع المرأة له تاريخ طويل وهو متأصل وعميق الجذور في العمليات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وما استطعنا أن نفعله خلال السنوات القليلة الماضية هو صياغة وتشكيل شبكات وحركات على مستوى العالم بأسره لم تكن موجودة وقائمة من قبل، ومن أجل تحويل ذلك الخضوع والاذعان، والقيام في نفس الوقت أيضا بكسر وتحطيم الهياكل الظالمة الأخرىلقد اكتسبنا المهارات والثقة بالنفس والقدرة على التنظيم من أجل إحداث التغيير.
استطاعت المرأة من خلال المجتمع المدني، خلق مساحة سياسية مستقلة ذاتيا، حيث يتمتع بحرية التنظيم طبقا لمبادئهن ومصالحين يمكن تفسير “مصالح المرأة” بعدة طرق، يرى البعض أن مصالح المرأة تتحدد وتقرر بناء على الطبيعة الجوهرية والرئيسية للمرأة على أساس أنها تتوفر وتقدم الرعاية والعناية، وبالتالي يقع موضوع توفير وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات الاجتماعية على رأس قائمة أوليات المرأة. بالنسبة للأخرين، فإنهم يرون أن مصالح المرأة تتجدد وتتقرر بناء على وضعهن الاجتماعي والحاجة إلى الدفاع عن حقوقهن، ويشمل ذلك تشكيل جماعات الضغط للتشريعات والقوانين التي تمكن المرأة على سبيل المثال من التصويت والملكية على قدم المساواة مع الرجال.
بينما ترى مجموعة أخرى أن من المهم التركيز على قضايا محددة للخبرة مثل العنف الأسري أو خيار الإنجاب، بينما يهدف الآخرون إلى دمج نشاطهم ضمن السياق السياسي الواسع والعام.
بالطبع هذه الأهداف المختلفة مترابطة مع بعضها البعض إذا ليس من المحتمل لكن تحصل المرأة على خدمات مناسبة إلا إذا توفرت لديهن قدرة التأثير على عملية صنع القرار. ركزت المنظمات النسائية في الكثير من الدول النامية على هدف حصول النساء على حقهن كمواطنات، مما يعني أن حقهن في الحصول على الخدمات، وأن حقوقهن المدنية والسياسية أبدية وغير قابلة للانحلال والانفكاك على سبيل المثال: يعمل معهد الاتصالات حقوق الإنسان في نيبال، وكالة لاتينا نيهان لتنمية النساء في بوجثمايل مع حكوماتهن من أجل رفع وزيادة مستوى الوعي حول حقوق المرأة في بعض المجالات مثل العنف الأسري وحق المرأة في التعليم.
أوضاع المرأة في تنظيم المجتمع المدني
إن وضع قضايا المرأة على خريطة برامج المجتمع المدني من خلال التعرف على البرامج التي تستهدف المرأة وتسعى إلى تحسين أوضاعها في المجتمع وتعمل رفع قدراتها في سبيل تمكينها من الاعتماد على نفسها.
لأن التتبع التاريخي لطبيعة البرامج التي تقدمها تنظيمات المجتمع المدني للمرآة تتصف بأنها كانت ذات صبغة خيرية ورعائية من خلال:مساعده النساء الفقيرات وتقديم العون المادي لهم، وكذلك من خلال العمل على القضاء على الأهمية لدى المرأة العربية.
مقتصرة لأوائل النساء المنتسبات لتنظيمات المجتمع المدني في الوطن العربي وكذا زوجات الأثرياء والطبقة العليا والنخبة التي أتيحت لها فرص التعلم والسفر، وقد اتضح دور المرأة العربية في تنظيمات المجتمع المدني من خلال فترة مقاومة المستعمر والمثال على ذلك نضال المغربية خلال فترة الاستعمار والمرأة الفلسطينية والمستمر إلى الآن. أما بالنسبة للبرامج المقدمة للمرأة في الوقت الحالي فإنها قد أخذت منحى جديدا بعيدا عن الطابع الرعائي والخيري، متواكبا مع تغير دور تنظيمات المجتمع المدني نتيجة للمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، لذا اتجهت تنظيمات المجتمع المدني إلى تبني قضية تمكين الأفراد في المجتمع من خلال تعليمهم وتبريرهم للاعتماد على أنفسهم.
في ضوء الطموحات التي كانت مرجوة من تنظيمات المجتمع المدني لمساعدة الفئات المحرومة والمهمشة في المجتمع، وفي تحقيق العدالة ونشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان كان يفترض أن تكونللمرأة العربية امتيازات وحقوق تحت مضلة تنظيمات المجتمع المدني، إلا أن هذا النوع من التنظيمات في المجتمعات العربية لايزال تحت وطأة الثقافة الذكورية للمجتمع، حيث تحد هذه الثقافة من إعطاء المرأة حقوقها وأن تتاح لها فرصة للمشاركة، لا يمكن أن ننكر بأن هناك بعض التنظيمات قد استطاعت أن تنشر الوعي بحقوق المرأة وأن تسعى إلى الحصول على بعض من هذه الحقوق، إلا أن الآمال المرجوة من تنظيمات المجتمع في قضية المرأة لم تتحقق وما زال أمام هذه التنظيمات في المجتمع العربي الطريق لإنصاف المرأة العربية.
المجتمع المدني التربوي هو سبيل لاحترام حقوق المرأة
لعل من ألح الأمور التي تحتاج إليها الأنظمة الكونية، ودون استثناء بعد توافر شروط أساسية مسبقة لابد منها كحق للحياة يأتي المجتمع المدني وما يحمل من معان قد يغفلها بعضهم إلى الوقت الراهن ويأتي الحرص لتناول هذا المفهوم عدة أمور من جملتها شعور المواطن بالانتماء لوطنه، والسعي لتطويره من خلال المشاركة في تنظيمات المجتمع الهادفة إلى الإصلاح في ظرف تكاد تختلف فيه عن مستوانا من مواطني المجتمعات الأخرى فيما قد وصلوا إليه وما قد حققوه من نتائج.
إن وجود المجتمع المدني يستند إلى جملة من الأمور أهمها احترام المرأة وحقوقها وما تحمله من هواجس من شأنها إذا عبرت عنها علانية أن تسد فراغات ما كانت أن تسد إلا في ظل هذه الثقافة المدنية المجتمعية التي تسعى أن تتلمس أولى خيوطها بحذر يكاد يصاب بالهلع نظرا بارتباكها في خوض غمار هذه الخطوة، وذلك لاعتبار أن العمل في مجال المجتمع المدني يستوجب على المرأة ثقافة مجتمعية وعلى مستوى أوسع مما عليه الآن في الوصول إلى حقوقها ومعرفة الطريق إلى هذه المعرفة ونشرها كثقافة إنسانية لا إنسانية فحسب لدرجة أن تستطيع كل امرأة من أن تدافع عن حقها على مختلف المستويات التعليمية والدخول في تنظيمات نسائية تعنى بشؤون المرأة، وتدافع عنها أن تطلب الأمر، لا أن يترك للرجل فرصته في الإجحاف بحقوقها أو حتى السعي في خلاصها من واقعها المبهم والأليم، إن واقع الراهن يفرض بأن الحق لن يضيع، إذا كان وراءه من يطالب به، ناهيك عن المغالطات والالتباسات التي تقع فيها من سوء الفهم وتقدير لأمور الحرية ضمن القوقعة والقيود التي صغناها بأيدينا لأنفسنا كي تلائم واقعنا الضبابي ولا تجعل رياح الحرية تهب علينا وتزيل ما هو مزيف ومستور ضمن ستار الجهل والأعراف البشرية التي أكل عليها الزمن وشرب، ولم يبقى منها سوى ما هو شفوي وطقسي، لذى عملت التربية الحديثة على إخراج المرأة من التبعية والتقليد والخضوع للرجل العربي، وجعلها متحررة وقادرة على الخلق والإبداع، إذن فالتربية المكتسبة أمدتها بالمناعة لتصدي لأي هجوم من طرف الرجل المستبد لأن الفكرالأورتودوكسي الذكوري لايزال مكبلا بالجهل والتخلف والأمية، من هنا أتساءل مرة أخرى: هل التربية التعليمية قادرة على فك هذه التبعية لهذا الطوطم؟ وهل أحست بأنوثتها أما التحولات التربوية المعاصرة؟
أهم ما يقال في التربية الحديثة أنها خلاصة أبحاث علمية وليس هدفها إلغاء القيم والتقاليد كما هو سائد، فلا يوجد مبدأ في علم النفس الحديث يسمح للطفل القيام بأفعال سيئة دون معاقبته. إنما التشديد يكون على أسلوب وطريقة التربية وكيفية تعامل الأهل مع الأطفال وليس على مبدأ العنف والقمع.
فالمجتمع الذي ليس فيه حدود بين المسموح والممنوع في القيم هو مجتمع مفتوح،لأن التربية الحديثة ذات التأثير المتبادل بين الأهل وأبنائهم يتكيفون مع الطفل ويتعاملون معه وفق شخصيته وطبعه.
لذا تتنوع أساليب التربية، والمتعارف عليها بين الأهل إلى ثلاثة أنواع:
– الأسلوب المتسلط: هو الأسلوب الخالي من النقاش والذي يفرض تنفيذ كلمة فقط.
– الأسلوب الانسحابي: وهو الأسلوب الذي يجعل من الطفل شخصا فاسدا لا يأبى القوانين.
– الأسلوب التفاهمي الديمقراطي: القائم على التواصل والنقاش بين الأهل والأبناء بوجود قانون ونظام حازم.
فبدفاع حبنا لأولادنا نسعى لاستنساخهم عنا وهذا أسلوب أناني وخاطئلابد للأهل الاطلاع على أسس التربية الحديثة التي تفرض على الأبناء الالتزام بالوعود وتحملهم مسؤولية تنفيذها، إنها عملية ثقة بين الأهل والأبناء.
فاليوم أصبحت الهدف من اللعبة التربوية تحضير أولادنا إلى مواجهة المجتمع والنجاح بتخطي العواقب العديدة التي ستواجههم، خصوصا تربية الفتاة فلم يعد من واجب الأهل تحضيرها لتكون زوجة وأم إنما أصبح من الضروري تسليحها بالعلم ومهنة تجعلها مستقلة لأن طابع الانتقال من المجتمع الريفي إلى المجتمع المدني تستتبعه الانفتاح على كل الحضارات والمجتمعات.
في التربية الحديثة على الأهل الاتفاق على نفس الأسلوب التربوي المتبع كي لا يستغل الطفل الخلاف في أسلوب التربية وبالتالي يخلق خلافا بين الأهل لصالحه، حيث أن كل الدراسات المبنية على التربية الحديثة ترفض كليا مبدأ العقاب بالضرب لأن العنف يولد العنف، ويبقى الهدف من العقاب في التربية الحديثة الحزم مع الطفل وعدم التساهل معه.
فالاحتفاظ بجوهر العادات والتقاليد مع الاحتفاظ بخصوصية الفرد ورأيه وخياراته هو هدف أساسي من أهداف التربية الحديثة.
تعتبر التربية ظاهرة اجتماعية، ذلك لأنها لا تتم في فراغ أو دون وجود المجتمع،إذ لا وجود لها إلا بوجود المجتمع وفضلا عن ذلك، فإن وجود الإنسان الفرد المنعزل عن مجتمعه أو جماعته، لا يمكن تصوره أنه مستحيل أن يندمج في المجتمع لأن التربية في كل أحوالها لا تهتم بالفرد المنعزل عن المجتمع، بل تهتم بالفرد والمجتمع معا وفي الوقت واحد ومتزامن من خلال اتصال الفرد بمجتمعه وتفاعله سلبا وإيجابيا.
تلعب التربية دورا مهما وخطيرا في حياة الأمم، فهي أداة المجتمع في المحافظة على مقاومة الأساسية من أساليب الحياة وأنماط التفكير المختلفة وتعمل هذه الأداة على تشكيل مواطنيه والكشف عن طاقتهم ومواردهم واستثمارها وتعبئتها.
وعلى أساس هذا التعريف يتضح أن التربية عمل إنساني، وأن مادتها هي الأفراد الإنسانيين وحدهم دون غيرهم من الكائنات الحية الأخرى أو الجامدة، ومعنى هذا أنه قد يكون هناك تدريب للحيوان ولا يكون هناك تربية له، وبذلك تتميز طبيعة الأفراد الإنسانيين عن غيرهم في المستويات الحيوانية الأخرى، على أنه يجب أن لا يفوتنا أن نذكر أن اهتمام التربية وتركيزها على الفرد الإنساني وحده لا ينفي أن هناك اتصالا استمراريا من المستويات الحيوانية والمستويات الإنسانية. ويتجلى هذا التعريف السابق أن التربية ليست شيئا يمتلكه الأفراد ولكنها عملية لها مراحلها وأهدافها.لأن مفاهيم المعرفة أو المهارة أو الأخلاق الحسنة ليست في ذاتها تربية، ولكنها تدل فقط على أن الفرد قد تربى، وعندما نقول أن المدرسة تربي فمعناه أنها تنشغل بعملية معينة وعندما نقول أن الفرد قد تربى معناه أنه قدم بعملية معينة. التي تجعله إنسانا عاقلا.
والتربية بذلك عملية تنمية للأفراد الإنسانيين ذات اتجاه معين.
ويترتب على ذلك أنها تحتاج إلى وكيل تربوي يوجه الشخص الذي يمر بهذه العملية، أي أنها تقوم على أساسين وهما الطفل والوسيلة التربوية التي تشمل طبيعته الإنسانية، ويقوم على هذه الوسيلة التربوية ويوجهها أفراد إنسانيون.
وبقدر اختلاف المجتمعات وتباينها تختلف التربية في أنواعها ومفهومها وأهدافها وطرقها والسبب في ذلك الفعل وتأثير القوى الثقافية التي تؤثر في كل مجتمع على حدة.
والأمر يتضح جليا إذا سلمنا أن لكل مجتمع إنساني قيمه ومعاييره وأهدافه التي ينشدها وتعبر عنه، ويعمل جاهدا على تحقيقها بطرقه ووسائله الخاصة به، والتي تتناسب معه وارتضاها وذلك من خلال أفراده ولبناته المكونة له.
مفهوم التربية وبعد الأنسنة
تتعدد الآراء حول مفهوم التربية ويختلف الناس حولها ومرجع ذلك يكمن في الاختلاف حول موضوع التربية وأيضا فهم الطبيعة الإنسانية والذي يعود في المقام الأول إلى الاختلاف في فلسفات أو البيئات الثقافية التي تتميز وتتباين بتباين القوى والعوامل المؤثرة من فلسفية وثقافية واجتماعية ودينية وهكذا…
وبذلك الاختلاف المربون والمفكرون والعلماء في معنى التربية نظرا لاتساع مدلولها.
التربية كموضوع يجب أن تعطى أهمية كبيرة فعن طريقها تتم عملية الحياة بانسجام وتوافق مع المجتمع وعن طريق التربية أيضا ترقى الأمم وتتقدم.
ومنذ عرف التاريخ والفلسفة يبحثون عن أفضل السبل للحياة الإنسانية الجيدة على هذه الأرض ومن ثم يهدفون لتحقيق بقائهم وبقاء نظمهم وقيمهم واستمرار أفكارهم ومنتجات عقولهم وكان سبيلهم من غرس كل هذه المبادئ والمعتقدات والأفكار وزرعها في عقول الأجيال واستمراريتها هو العملية التربوية العملية التي تنقل هذه المبادئ والأفكار للأجيال ولم يكن هذا النقل عشوائيا في أي يوم من الأيام بل كان ولايزال وسيبقى منظما مرسوما مقننا ينقل للأجيال اللاحقة بنظام وبخطط تابعة يرضى عنها هؤلاء كما يرضى عنها المجتمع بما فيه من نظم وقيم وأنظمة حكم لم تكن هذه العملية جامدة بل كانت متطورة متغيرة متدرجة وهي عملية عالمية لا تقتصر على فئة دون أخرى أو نوع من البشر دون آخر وهي عمليه تعد الإنسان بما يناسبه في حياته اليومية وممارسته الحياتية إنها تعد الإنسان المفكر الإنسان الذي يبني اليوم ليسكن غدا وينموا بعد غد ويخلف تراثا قيما للأجيال على مر السنين إنها تعد الإنسان القابل للتكيف المتفتح للتطور والازدهار إنها عملية بناء البشر وهي عملية ليست سهلة ولا يمكن التحكم بها كما يبني المهندس عمارة شامخة أو المصانع الصناعية القوية إنها عملية إنسانية تعتني بالإنسان.
فإن التربية عملية فردية اجتماعية تتعامل مع فرد في مجتمع تنقل إليه معارف ومهارات ومعتقدات ولغة الجماعة من جيل إلى جيل، والإنسان هو موضوع التربية تعني بسلوكه وتطويره، ولكن الذات الإنسانية لا تتكون إلا من مجتمع إنساني وبقدر ما يتوافر للتربية من وضوح وعمق في المفاهيم والأسس التي تستند إليها تكون قوتها وفعلها في حياة الأمم والشعوب وفي اتجاهات الأفراد وفي العلاقات المختلفة وفي مجالات العمل المتعددة، ونظرا لهذه الأهمية للتربية باعتبارها مسألة حيوية لازمة وضرورة اجتماعية، فلقد زاد اهتمام الناس بها واشتدت الحاجة إلى دراستها والتعرف على أبعادها، ومن ثم كان ضروريا بالنسبة لدراس التربية وممارستها في المستقبل أن يتعرف على طبيعة هذه العملية ماهيتها وجوانبها المختلفة وضرورتها بالنسبة للأنثى.
لذا يمكن القول أن هدف التربية الأساسي هو أنسنة الإنسان، أي جعله مخلوقا إنسانيا يعيش في مجتمع ضمن إطار اجتماعي يحتوي على تقاليد ونظم وقيم ومعايير وأفكار خاصة به. إن التربية هي التي تحرر المرأة من سجن الرجل لأن التفاعل بين القوى الاجتماعية هي حقيقة المجتمع والثقافة وأيضا نتاج هذا التفاعل، يعني ارتكاز كل منهما على حقيقة أخرى التي هي وجود قوة يملكها الأفراد بحكم وجودهم الاجتماعي والثقافي قصد تحقيق لهم استمرار هذه التفاعل وتضمن لهم كذلك الإفادة من هذا النتاج الناتج بعد تمثلهم له واستيعابهم لعناصره لدفع أسباب حياتهم الثقافية والاجتماعية نحو أفاق رحب ومستقل.
إن التربية تدور حول الإنسان وحول مكانه من الحضارة التي يعيشها ويصنعها مجتمعه وهذا يعطي للتربية ركائز تستمد منها وظائفها وأهدافها:
– الرصيد الثقافي يعتبر مصدرا أساسيا للتربية تستمد منه معدتها وبعض تصوراتها ومقاييسها.
– والحاضر الذي يعيشه الإنسان يعتبر مصدرا ثانيا إذ تستمد منه التربية أيضا أهدافها ومادتها ومقاييسها.
– التربية ضرورية لتقدم بني البشر ورقيهم رقيا مستمرا أو إن طول مدة الطفولة تساعد الإنسان على التربية والترقي.
– التربية ضرورية لكي يواجه بها الإنسان متطلبات الحياة مما يحدث من تنافس بين الأفراد من أجل العيش عيشة سعيدة في مجتمعه.
– التربية ضرورية للأمة كما هي ضرورية للفرد وهناك تنافس للأمم كما هو قائم بين الأفراد فكل أمة تريد الأخذ بأسباب الرقي والتقدم حتى تساير ركب الحضارة وتنافس غيرها من الأمم في مختلف الميادين ثم إن ضرورة التربية للأفراد تضاهيها ضرورية للمجتمعات في إذن ضرورة فردية من جهة وضرورة جماعية من جهة أخرى.
فالمجتمع المدني قادر على إمداد المرأة بكل الوسائل لتأسيس قارتها بجانب قارة الرجل، لأنها نافسته في كل الميادين السياسية والاتصالية والفكرية، لذا أسست لنفسها خطابا سياسيا مغايرا لما كان سائدا، إذن فالثقافة والفكر والمعرفة هي ميادين بناء المجتمع الديمقراطي.لأن التطور الحاصل في المجتمعات يستدعي خلق آفاق ورؤى سياسية جديدة تتماشى ومتطلبات العصر. فالثقافة هي ما تراكم لدى المجتمع من تراث حضاري وفكري وفني، وما ينتشر بين أفراده من خبرات ومعارف وأشكال الإبداع والتعبير، وقيم وتقاليد وسلوكات اجتماعية. أما السياسة فهي القيام على الشيء بما يصلحه، والسياسة فعل السائس، يقال هو يسوس الدواب إذا قام عليها وراضها، والوالي يسوس رعيته، أي يقودها. وهذا التعريف يتعلق بالمعجم العربي القديم. أما في التداول الاجتماعي الحديث، فالسياسة تعني تدبير شؤون الدولة والمجتمع، وتنظيم العلاقات بين الحاكم والمحكوم، لذلك فهي فن إدارة وتدبير الشؤون العامة للدولة، وتوجيهها بواسطة أساليب قيادة الجماعات البشرية وتنظيم العلاقات بين الأمم. كما تعرف بفن تقنين وتنظيم استعمال السلطة في المجتمعات البشرية. فالسياسة أمدت المرأة بسلاح لتتحدى المجتمعات وجعلت سياستها كونها فن إدارة المصالح الذاتية والجماعية خارج الاعتبارات الأخلاقية والمعيارية، لكن اختلاف الثقافات السياسية يكون نتيجة تباين المذاهب وتحولاتها التي واكبت التطور الإعلامي، فكان تداول الخطاب السياسي النسوي بأشكال متنوعة كالكتابات النظرية أو الدعائية أو في التجمعات كما في الانتخابات من خلال استثمار مختلف وسائل الاتصال المتاحة في العصر الحديث (المكتوبة – المسموعة – المرئية…)، ومنه كانت وظيفة الخطاب السياسي النسوي هي إدارة الأنماط المتعددة لنشاط التفكير الإنساني ضمن استراتيجية تحقق أربع وظائف: (1) الحيز المكاني، (2) المقاومة والمعارضة والاحتجاج، (3) إظهار الحقيقة، (4) لأن منح الشرعية لها كلما كان الخطاب يشتغل بوظيفة من وظائف هذه الاستراتيجية التي أمكنها أن نصفها بأنها خطاب سياسي نسوي، لكن هناك معيقات حاله دون تحقيق خيارات الديمقراطية التي هي ثقافة الاقتصاد وخندقة الحريات الفردية أم الجماعية وكذا القدرات الفكرية والإبداعية النسوية.
وأخيرا يمكن القول إن الخطاب السياسي النسوي خطاب ممارسي اجتماعي،يسمح للأفكار والآراء والتصورات أن تنتقل في مجال عمومي فيه مختلف الفاعلين الذين يرتبطون فيما بينهم باحترام قواعد النقاش والتداول، لأن المرأة تجاوزت كل الأنماط القديمة، حيث فرضت نفسها في كل الحقول المعرفية، وشيدت ذاتها بذاتها، فأصبحت هي مقياس كل التشييدات القانونية والسياسية والمعرفية والوجودية، وتحية لكل امرأة كافحت ضد الاستبداد والخنوع وضد التسلط، والاستغلال السلبي، إنها ثورة كوبيرنيكية ثانية التي نشهدها اليوم على الصعيد العالمي من طرف المرأة وتحية لأمي مريم التي شيدت كل الأشرعة من أجل الدخول في البحار لمواجهة التموجات الرجولية الرخوية. وأيضا العميدة الصبر الدكتورة بن المدني التي تحمل معي معول نيتشه لمحاربة هذا الأصنام المصطنعة من أجل بناء ثقافة عضوية منبثقة من القاعدة الجماهيرية.