تحليل إخباري: هل ينجح بوتين في إعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي؟
بدأ التحرش الروسي ضد أوكرانيا منذ إعلان استقلال هذه الأخيرة سنة 1991 عن طريق استفتاء شعبي، فالأمر يتعلق بأهم جمهورية مستقلة عن الاتحاد السوفياتي سابقا، من حيث الموارد الطبيعية والإرث العسكري. في سنة 2014، كشف الجيش الأوكراني حقيقة تحرك مكثف للقوات الروسية اتجاه بعض المناطق التي يسيطر عليها بعض دعاة الانفصال شرق أوكرانيا وهو ما يؤكد أن الروس كانوا قد وضعوا أوكرانيا صوب أعينهم إلا أن معطيات دولية أجلت عملية الزحف.
كانت روسيا على علم بما يجري داخل تراب الاتحاد السوفياتي سابقا وبالأخص دول شرق أوروبا من قبل حلفاء الولايات المتحدة الامريكية وعلى رأسهم الناتو. وسبق لمصادر صحافية حينها ومنها وكالة أنباء أسوشييتد برس، أن كشفت كذلك كون 80 مركبة عسكرية مجهولة تتحرك في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون بالاقاليم التي طالبت باستقلاليها عن كييف.
ورصدت وحدة رصد خاصة تابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا قوافل من الأسلحة الثقيلة والدبابات والذخيرة في الأراضي التي تسيطر عليها جمهورية دونيتسك الأوكرانية “تحت غطاء مساعدات إنسانية.
بدا وضحا منذ سنة 2015 أن التحرك الروسي بالأقاليم المطالبة بالانفصال عن أوكرانيا مرده إضعاف هذه الأخيرة، وجعلها خارج حسابات الناتو الذي تجاوزت تحركاته كل الممكن بمحاولة ضم دول شرق أوروبا لعزل روسيا وعدم السماح لها بتحقيق شعار “إعادة البناء، البرسترويكا “.
خرج المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية خلال نفس السنة لإدانة سلوك روسيا في أوكرانيا، متهمة إياها بخرق القانون الدولي، وانتهاك السيادة الأوكرانية. وقام كل من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وعلى أفراد وشركات روسية. نشرت في صحيفة واشنطن بوست في سنة 2015 تقريرا مفصلا يتهم روسيا بنقل بعض من قواتها وخاصة “النخبة” من أوكرانيا إلى سوريا لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، وهي المرحلة التي ستؤجل فيها روسيا حربها ضد أوكرانيا بسبب البحث لها عن موطئ قدم في صراع الاقوياء من أجل إعادة رسم معالم خريطة جيو-استراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد تفكيك العراق وإنهاء حكم القذافي.
حرب مستترة في الداخل الأوكراني
لم يصمد فلاديمير بوتين أمام سيل التقارير الاستخباراتية العالمية بسبب حربه المستترة داخل أوكرانيا حيث اعترف شهر دجنبر من سنة 2015 بأن بعض ضباط المخابرات الروسية العسكرية كانوا يعملون في أوكرانيا. لم يبتلع الروس نتيجة الاستفتاء الشعبي الاوكراني الذي عجل باستقلال كييف سنة 1991 وظلوا يعتبرون أوكرانيا جزء من مجال تأثيرها بالمنطقة، في انسجام تام مع أطروحة سياسة بريجنيف، التي تنص على أن تكون لأوكرانيا “سيادة محدودة”، كما حصل مع وارسو عندما كانت ضمن مجال التأثير السوفيتي. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حافظت الدولتان على علاقات وثيقة فيما بينهما، ولم يبدأ الصراع بينهما إلا حديثاً، وهناك العديد من النقاط الشائكة بين البلدين، وأهم هذه النقاط الخلافية هي الترسانة النووية لأوكرانيا، حيث إن أوكرانيا وافقت على التخلي عنها بعد التوقيع على مذكرة بودابست للضمانات الأمنية شرط أن تتعهد روسيا و(الموقعين الآخرين) بتجنب التهديد باللجوء إلى القوة أو استخدام القوة ضد سلامة ووحدة أراضي أوكرانيا أو تهدد استقلالها وسيادتها. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي جراء اعتماد غورباتشوف سياسة إعادة البناء “البريسترويكا” اغتنم حلف الشمال الأطلسي الناتو الفرصة للتوغل شرقا، حيث انضمت إليه معظم دول أوروبا الشرقية التي كانت في المدار الشيوعي. التحقت جمهوريات البلطيق السوفيتية السابقة إستونيا ولاتفيا وليتوانيا بالحلف، وبعد ذلك أعلن الحلف عن نيته عرض عضويته على أوكرانيا لكن على مدى المستقبل البعيد. إعلان الناتو هذا كان بمثابة الضربة النهائية التي ستحد من أية محاولة لإعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي، وهو بمثابة الخط الأحمر بالنسبة لروسيا التي خرجت ضعيفة جراء قرار غورباتشوف.
بعد مجيء فلاديمير بوتين اعتبر توسع الناتو بشرق أوروبا يعد تهديدا وجوديا للقيسر الروسي وبداية لعزلهم عن محيطهم. صنف قرار إمكانية انضمام جمهورية أوكرانيا إلى التحالف العسكري الغربي هو “عمل عدائي” ضد الوجود الروسي وتهديد مباشر لأمنه القومي.
بوتين: الولايات المتحدة واقفة بالفعل على أعتابنا
ظل فلاديمير بوتين، وهو الرجل الذي تدرب داخل مكاتب المخابرات الروسية، يشدد على أن جمهورية أوكرانيا رغم استقلالها فهي لا زالت ثقافيا ولغويا وسياسيا جزء لا يتجزأ من روسيا ككل. في شهر يوليوز من سنة 2021، أرسل بوتين رسالة إلى العالم بقوله أن الروس والأوكرانيين “شعب واحد”، وأشار إلى أن الغرب أفسد أوكرانيا وأخرجها من فلك روسيا والعمل على تغيير هويتهم التاريخية. في المقابل تمسك أغلب الأوكرانيين إلى التسريع بتحالف أوثق مع المؤسسات الغربية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
بالرغم من انشغال روسيا بالملف السوري وتوجيه رادار القيصر إلى خارج المنطقة والضبط شرق أوروبا، لم تنم عين الدب وهو يراقب ما يجري حيث قدم بوتين للولايات المتحدة وحلف الناتو قائمة بالمطالب الاستراتيجية بالمنطقة وبموجبه لن تسمح روسيا في أمنها القومي وعلى رأسها ضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو بشكل قطعي، كما طالب بوتين بضرورة تراجع التحالف الغربي عن تواجده العسكري في شرق ووسط أوروبا.
وصارح بوتين العالم في مؤتمر صحفي أواخر سنة 2021 “أنتم من يجب أن تقدموا لنا الضمانات، وعليكم أن تفعلوا ذلك على الفور، الآن.”
وتابع بوتين: “هل ننشر صواريخ بالقرب من حدود الولايات المتحدة؟ لا، لا نفعل. إن الولايات المتحدة هي التي تأتي إلينا بصواريخها وهي واقفة بالفعل على أعتابنا”.