كم يكفينا من صفعات الإقصاء والإخفاقات الموجعة؟
بين اشتباك الصحفيين المغاربة والسنغاليين في مدرجات الملعب، “والقتال” بين اللاعبين المصريين والمغاربة داخل رقعة الملعب وفي مستودع الملابس، تطالعنا يومية “ليكيب” الفرنسية أن فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تلقى صفعة بعد الإقصاء، من طرف محمود أحمد، الحارس الرابع للفراعنة، صفعة الإقصاء، كانت موجعة ليست للرئيس فحسب، بل للكرة المغربية منذ عقود من الإخفاقات.
فلا أحد يجادل في كون المنتخب الوطني خاض، يوم أمس أسوأ مباراة له منذ 18 سنة، فلا شيء إيجابي على الإطلاق من هذا الأداء المؤسف. حتى صرنا الآن بعد هذا الإقصاء المذل، نخشى على سمعة فريقنا أمام الكونغوليين! لأنه بصراحة تامة، وبإجماع كل المتتبعين، مغاربة وأجانب، لم يكن هذا الفريق في المستوى المطلوب. فمنذ تولي البوسني مسؤولية التدريب ووضع رهن إشارته كل الإمكانيات، إلا أن الأخير فشل، ولم يعد يمثل سوى حلقة صدئة من حلقات سلسلة الإخفاقات الكروية المغربية قاريا وعربيا وعالميا.
علينا أن نحاول تحليل ما حصل بدون عاطفة ولا تحامل على أي كان. فهذه الهزيمة لم تأت عن طريق الصدفة. ففي مرحلة ما، تظهر العيوب على السطح، وهي تندرج في حتمية منطقية للسياسة الكروية المغربية، وتهميش المنتوج المحلي، الذي ينبغي أن يكون أساس المنتخب وليس العكس. وهنا لا بد من الإشارة إلى اللاعب المحترف، حتى لا يفهم أنه غير مرغوب فيه، بل علينا الإستعانة به إن اقتضت الحاجة ذلك لتعزيز الخصاص في التشكيلة المغربية.
وحتى لا نقف عند مباراة واحدة فقط، لطخت وجه الكرة المغربية، تنبغي الإشارة إلى نكسات أسود الأطلس منذ عقود، إذ خلال هذه المدة كان مسؤولي الرياضة المتعاقبين، يضعون فقط الماكياج، على وجه كرة القدم المغربية في محاولة لتجميلها، حتى بلغنا الآن مرحلة “البوطوكس”.
وإذا كانت النخبة الوطنية تلعب وتتنافس على الكؤوس، غير أن أهم المنافسات والكؤوس، التي كان يرجى أن تلقى اهتماما كبيرا هي المنافسات الوطنية من بطولة وكأس، فسياسات الكرة، غيبت التأهيل الحقيقي للبطولة الاحترافية، وبالتالي تأهيل المنتخب الوطني، كيف يعقل أن “تتقاتل” الفرق الوطنية العريقة كل موسم، سواء من أجل البقاء في القسم الممتاز، أو من أجل تسديد أجور اللاعبين والأطقم، أو من أجل التعاقد مع لاعبين جدد. أليس من المنطق أن تخصص نفس الميزانية والإمكانيات للفرق المغربية.
فما يحدث منذ سنوات للمنتخب، هو نتاج لسياسة الواجهة، إذ يعمل المسؤولون وعلى رأسهم فوزي لقجع، على “تحضير” منتخب وطني يجهز بسرعة كما تحضر سندويتشات الأكلات السريعة، يعجبك شكلها ومذاقها، لكن محتوياتها ومكوناتها، هي ليست بالضرورة مفيدة. يأتون بكامل مكونات الفريق من الخارج، في انعدام شبه كلي للمنتوج الوطني، يأتون بمدافع من هنا، وقلب هجوم من هناك، ورأس حربة بدون حربة من هنالك.
ورغم هذا الواقع المختل واللامنطقي في تسيير الكرة المغربية، إلا أن المذهل في أمر سياسيتنا الكروية، هو الفلسفة التي يأتي بها كل مدرب، فباستثناء ثلاثة أسماء، المرحوم المهدي فاريا، بادو الزاكي وإيرفي رونار، لا يستطيع أي كان مهما علا شأنه في عالم التدريب أن يفك شفرة فلسفة خليلوزيتش، فتبدو فلسفته كالمدرس المتقلب الأطوار.
وحيد، هو الوحيد الذي يمكن أن يستدعي لاعبين جاهزين ثم يدخل لاعبين أقل جاهزية غمار مباراة مصيرية. وحيد، كما المدرس المزاجي، يوهمك أن اليوم الموالي سيستظهر تلامذته المحفوظات، ثم يقرر فجأة في اليوم المعلوم إجراء اختبار كتابي.
وحيد ظل يوهمنا، رغم كل الانتقادات الموجهة إليه، أن له فلسفة، فلا يفهم أحد التشكيلات ولا التغييرات التي يجريها، إن كسب المنتخب المباراة، يبتسم وحيد في وجه الجميع، مؤكدا أن وراء النجاح فلسفة وعمل.
فكيف يفسر اختياره الاعتماد على أشرف حكيمي المدافع الأيمن للتسجيل، رغم أنه استدعى مهاجمين يأدي دافعو الضرائب أجورهم غاليا، لا نفهم كيف تحول الحدادي إلى “سلطان” المدافعين وكسر خطة التسلل وسهل مأمورية محمد صلاح.
لا نفهم كيف أخرج بوفال رغم دوره الأساسي، وإن لم يكن في يومه، لا نفهم إقحامه لرحيمي في مباراة كانت حسمت نتيجتها بشكل شبه نهائي. تلك هي فلسفة القمار بالفريق وبالوطن، قمار إن ربح المباراة ابتسم وحيد وادعى العمل، وإن خسر، وهو ما حدث، فهو لا يلام في فلسفته واجتهاده، على شاكلة “إذا أخطأ فله أجر واحد”.
لكن المتتبع للفريق الوطني سيلاحظ أيضا، أن فريقنا لا يمتلك عقلية اللعب الجماعي والتآزر والروح القتالية ونزعة اللاعب الماكر، فما زلنا نلعب بالطريقة الإفريقية القديمة المتمثلة في التأرجح للأمام والأمل في حدوث شيء ما. فعندما نرى كيف لعبت بوركينا فاسو أول أمس، أو كيف طورت فرق أفريقيا جنوب الصحراء لعبها، نقتنع بأننا لم نغير شيئا. طوال كل هذا الوقت، تتكرر نفس القصة مع أشخاص مختلفين.
فكم يكفي من الصفعات لكي يستفيق المسؤولون عن كرة القدم ويغيروا اتجاه أشرعتهم للإبحار داخليا في وديان البطولة المحلية، عوض البحث عن الكأس المفقود وسط أدغال إفريقية لم نعد نقوى على مسايرة مغامراتها المحفوفة بالمخاطر.