متى كان الاحتفال والفرح الجماعي يحتاج إلى فتوى؟
تعالت من جديد أصوات شيوخ التطرف ويتامى السلفية الوهابية التكفيرية مع حلول رأس السنة الأمازيغية تحريما للاحتفال بها؛ علما أن المغاربة درجوا على اتخاذ هذه المناسبة فرصة للفرح والابتهاج. فالاحتفال بالسنة الأمازيغية ليس طارئا على الشعب المغربي، بل يعود إلى عشرات القرون. لقد تعايشت تقاليد الشعب المغربي وأفراحه مع مختلف الديانات السماوية ولم يحتجْ إلى فتوى من كاهن أو راهب أو قسيس أو فقيه تجيز له التعبير عن فرحه واحتفاله. وقد تعددت الاحتفالات وتنوعت بين إقامة حفلات عائلية وإعداد الأطعمة التقليدية الشيقة واللذيذة إيذانا ببداية السنة الفلاحية التي قسّموها إلى “منازل”، أي فترات زمنية حسب فصول السنة، ولكل منها خصوصيتها الطبيعية (برد، حر، أمطا، خصوبة. لنجد مثلا: منزلة سعد الذابح، وتمتد من 04 يناير إلى 16 منه، وتتميز بشدة البرودة وغزارة الأمطار ” سَعْدْ الذَّابَح لا وُجُوه تَتْشَابَه لا كْلابْ تَتْنَابحْ، وَلاَ عطَّار رابْحْ”، منزلة سعد السعود، وتمتد من30يناير إلى 11 فبراير، وتتميز ببداية اعتدال الحرارة وتفتق الأزهار: “سعد السّْعُود يْخْرَج فِيه النمس والكَنْفُود وَتْزَنْزَنْ النَّحْلَة في العُودْ ولا تموت بالبْرُودْ”). على امتداد كل هذه الحقب الزمنية الطويلة، ظلت شعوب شمال إفريقيا تحتفل، بانسجام مع الطبيعة وتناغم مع ما تجود به من خيرات، ولم ينعق ناعق بالتحريم حتى استيقظ شيوخ الوهابية التكفيرية من سباتهم السحيق في أعماق كهوف التخلف الحضاري وفقه الكراهية التي أدخلتهم فيه فتاوى ابن تيمية وسيّجتهم داخله. فتاوى لم يعهدها الشعب المغربي، وظل يلفظها كما تلفظ الأجسام السليمة الأدْران والزوائد. هكذا خرج الشيخ التكفيري حسن الكتاني، عبر صفحته الفيسبوكية، بفتاوى تحرّم على المغاربة الاحتفال بـ”ينّاير” (رأس السنة الأمازيغية) وتكفّر المحتفلين به؛ وهو الذي لم يسْتفْته أحد ولا طلب منه رأيا. لكن العطالة الفكرية التي يتخبط فيها بعد أن جفّفت الأجهزة الأمنية، مشكورة، مشاتل الإرهاب، بحيث لم يعد له ولأمثاله المتطرفين، مجال للتحريض على “الجهاد” وقتل الأبرياء وتفجير الأحزمة الناسفة؛ عاد ينعق ويملأ المواقع الاجتماعية نهيقا وضجيجا لن يسترشد به أحد.
فالتعبير عن الفرح لا يحتاج إذنا ولا فتوى. لكن السلفية الوهابية التكفيرية تظل عقائد تشيع وتتغذى على الكراهية والتكفير. فهي تحرّض على التكشير والحزن وتخشى الفرح والبشاشة والابتسامة. وليس غريبا على من تشبع بعقائد السلفية التكفيرية أن يستكثر على الشعب الفرح والاحتفال بأي مناسبة حتى ولو كانت دينية (تحريم الاحتفال بالمولد النبوي).
أيها السلفيون التكفيريون، اعلموا أنه ما عاد لكم بيننا مكان يسمح لكم بتنميط تفكيرنا وتوجيه سلوكنا وهندسة نظام حياتنا. فحتى كهوف المغرب ومغاراته لن ترْض بكم لتتحولوا من جديد إلى “أهل الكهف”. وحدها كهوف تورا بورا ومغاراتها في أفغانستان تليق بكم وبأفكاركم وعقائدكم التكفيرية. فارحلوا عنا إليها، فهناك طالبان بنظامها الهمجي الذي لا يعاقِب إرهابيا ولا يظلِم تكفيريا، حيث ستعيدكم إلى العيش في الزمن الغابر الذي تحلمون به. فلا احتفالات هناك ولا أفراح ولا ملذات، فقط جوع وسوط وإعدام. أما كهوف المغرب فهي زاخرة بالحياة تشهد بنقوشها ولُقاها وحفرياتها بأن الإنسان المغربي عريق في صنع الحضارة وابتكار الحلي ونسج الألبسة والتعبير عن أفراحه وممارسة احتفالاته بكل عفوية. لقد دلّت الحفريات على أن المغربي إنسان يحب الحياة ويتطلع للأفضل، إنسان منفتح ومتسامح، إنسان صانع الفرجة وصاحب نكتة. من هنا، لا مكان لتطرفكم بيننا، ولن تكون بلادنا مطرحا لنفايات السلفية الوهابية بعد أن تخلى عنها أصحابها ورعاتها وحضنتها.
لقد تبرأت السعودية من وهابيتها التكفيرية، وانقلبت على فتاواها بعد أن أخرست عتاة شيوخها التكفيريين أمثال سلمان العودة وعائض القرني وعلي العمري وغيرهم. انقلاب على الوهابية أحدثه الأمير محمد بن سلمان وأقرّه في تصريح لوسائل الإعلام: “الوهابية تهمة وخطأ من الماضي يجب التخلص منه”، وأنها نتاج للحرب الباردة: “جذور الاستثمار السعودي في المدارس والمساجد تعود إلى فترة الحرب الباردة، عندما طالب الحلفاء السعودية باستخدام مواردها لمنع الاتحاد السوفييتي من تحقيق نفوذ في الدول الإسلامية”. لا جدال إذن، أن السلفيين التكفيريين، سواء في المغرب أو في أي دولة أخرى، هم “نفايات” الحرب الباردة وأسلتها بعدما فقدت صلاحيتها. وكما أغلقت السعودية أفواه الشيوخ التكفيريين المناهضين لمشروع ولي العهد التحديثي “رؤيا 2030″، فإن حماية المجتمع المغربي من فتاواهم وفتنهم صار واجبا، ضمانا للأمن الروحي والفكري. وأولى مداخل الحماية هي سن قانون يجرّم التكفير ويشدد عقوبته.
لحسن حظ شيوخ السلفية التكفيرية أنْ شمَلهم عفو ملك رؤوف لم يأخذهم بجريرة فتاواهم عساهم يتراجعوا عنها ويراجعوها. لكن يظهر أن السجن القصير كما العفو الكريم لم يُحدثا الأثر المطلوب الذي أحدثاه في غيرهم من الشيوخ. إن استمرار هذه الأصوات النشاز في النعيق بالتحريم يتنافى مع الدستور ومع قيم ومبادئ حقوق الإنسان. فهي تحرض على العنصرية والكراهية وتشيع الفتن المذهبية في المجتمع وتمزق نسيجه الثقافي والمذهبي. وإذا كان الدستور المغربي ينص على تعدد روافد الهوية المغربية وتنوعها، فإن شيوخ التكفير يناهضون هذا التعدد ويسعون إلى طمس الهوية المغربية. سنة أمازيغية سعيدة لكل الشعب المغربي، وكل عام والوطن بأمان.