الإسلاميون يشرعنون العنف ضد النساء ويتضامنون مع الضحايا
أعلنت جمعيات نسائية تابعة لتنظيمات الإسلام السياسي، بمناسبة حملة الـ 16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي من نوفمبر إلى 10 دجنبر التي تشرف عليها الأمم المتحدة ، تضامنها مع النساء ضحايا العنف .ففي كل مناسبة عالمية، تعيد الجمعيات الإسلاموية اجترار خطابها الذي تزعم فيه الدفاع عن حقوق النساء والانتصار لقضاياهن.
فالمرأة ، في أدبيات هذه التنظيمات ، وفي ممارستها ، تشكل موضوعا جوهريا باعتبار أدوارها أسريا واجتماعيا، من حيث تأثيرها الإيديولوجي في تنشئة الأبناء وجعلهم يتشربون عقائد هذه التنظيمات ويتمثلون مواقفها.
ومادامت الحركات النسائية تناضل من أجل تخليص المرأة من الاستغلال وضمان كرامتها واستقلاليتها، فإن التنظيمات الإسلاموية تصدّت ولا زالت تتصدى لكل جهود تحرير النساء من ثقل الأعراف والعقائد والقوانين التي تكبل حرياتهن وتصادر حقوقهن. إذ لم يحدث، على امتداد النضالات النسائية أن خاضت تنظيمات الإسلام السياسي أدنى نضال من أجل حقوق النساء أو انخرطت في نضالات الحركة النسائية.
بل لعبت تلك التنظيمات أدوارا مناهِضة لحقوق النساء وخاضت معارك شرسة ضد كل مشاريع ومطالب إصلاح مدونة الأحوال الشخصية.
وتكفي هنا الإشارة إلى معارك الإسلاميين ضد المطالب النسائية من أجل تعديل مدونة الأسرة ورفع كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء:
1ــ في سنة 1992، تصدى الإسلاميون بكل شراسة ، لحملة مليون توقيع من أجل تعديل مدونة الأحوال الشخصية التي أطلقها اتحاد العمل النسائي (القطاع النسائي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي حينها). وقد وظف الإسلاميون أسلحة التكفير والتشهير تحريضا ضد واضعي العريضة والموقعين عليها، بعد أن جنّدوا فقهاءهم لإصدار فتاوى التكفير (الحبيب التجكاني أبرزهم). وبالفعل أثرت تلك المعارك المناهضة لحقوق النساء على نتائج مطالبهن، حيث جاء تعديل مدونة الأسرة، سنة 1993، بسيطا ومحدودا. لكن أهم مكسب حققته الحركة النسائية حينها هو رفع القداسة عن مدونة الأحوال الشخصية التي باتت نصوصا قانونية من وضع بشري قابلة للتعديل والتغيير.
2ــ في سنة 2000، خاض الإسلاميون أشرس معاركهم ضد حقوق النساء التي جاء بها مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي جاءت به حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله.
أراد الإسلاميون للمعركة أن تكون فاصلة بين مشروعين مجتمعيين متنافرين: مشروع مجتمعي ماضوي أصولي يعادي قيم وثقافة حقوق الإنسان، وعلى رأسها حقوق النساء، ومشروع مجتمعي حداثي وديمقراطي منفتح على قيم العصر وحقوق الإنسان بكل أجيالها. وقد جنّد الإسلاميون فقهاءهم والقطاعات المهنية التي لهم تأثير على توجهاتها (قطاع العدول، أساتذة التربية الإسلامية، خطباء المساجد، خريجي شعبة الدراسات الإسلامية، القطاع النسائي…)، قصد إفشال المشروع وإقباره، لدرجة أنهم حشدوا أتباعهم في مسيرة ضخمة بمدينة الدار البيضاء يوم 12 مارس 2000، لترهيب الحكومة والضغط عليها بهدف سحب المشروع.
3ــ في سنة 2015، وحين تعالت أصوات الحركة النسائية والحقوقية من أجل رفع التجريم عن الإجهاض الإرادي/الطبي حماية لأرواح النساء ووقاية للمجتمع من المآسي المترتبة عن التجريم (الأمهات العازبات، أطفال الشوارع، رمي الرضع في القمامة..)، كانت تنظيمات الإسلام السياسي بالمرصاد لهذه المطالب، فظل الفصل 490 من القانون الجنائي على حاله دون أن يكترث الإسلاميون لآلاف الرضع والأطفال الذين يتم التخلي عنهم في الشوارع والقمامات.
اليوم، وبمناسبة انطلاق الحملة التحسيسية ضد العنف القائم على النوع، سارعت تنظيمات الإسلام السياسي إلى إصدار بيانات تعبر فيها عن المساندة للنضالات النسائية والشجب لكل أشكال العنف والظلم ضد النساء. في هذا الإطار أصدر القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان بيانا تحت عنوان “لنوقف نزيف العنف ضد المرأة” جاء فيه (ولئن كانت المكاسب والإنجازات التي حققتها النساء في مختلف المجالات حصادَ نضالات مستميتة وتضحيات متواصلة، فإنها وللأسف الشديد لم تستطع إيقاف مسلسل العنف الذي يستهدفهن بوتيرة متصاعدة، تشهد بذلك العديد من التقارير الرسمية وغير الرسمية). ومن المفارقات:
أ ــ أن القطاع النسائي للجماعة شارك إلى جانب مناهضي مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية في المسيرة المناهضة لحقوق النساء، بينما في بيانه الأخير يعلن عن (إشادتنا بالجهود المبذولة من طرف جمعيات ومنظمات المجتمع المدني للتوعية بخطورة الظاهرة وتقديم الدعم اللازم والترافع عن النساء ضحايا العنف، رغم محدودية الإمكانيات المتاحة.)
ب ــ أن أدبيات الجماعة التي صاغها مرشدها تنعت مناضلات الجمعيات النسائية “بالفاسقات والمنحلات”. يقول الشيخ في كتاب “تنوير المؤمنات” (تعيش داعيات الإباحية عندنا، التابعات المناضلات، على مستوى من الرفاهية المادية مماثل لما تتمتع به نظيراتهن وأستاذاتهن في الغرب. لا يشعرن بحرمان. لكن التماسهن للزعامة، وربما أيضا لغضب حقيقي على الحيف الحقيقي الواقع على المسلمة، وإنكار تردي وضع المرأة في بلادنا وهوانها، يدفعهن لرفع راية التمرد على رجال متخلفين فكريا لم يبلغوا درجة الاجتهاد الحر المحرر الذي يتربع عليه بورقيبة وأمثاله من المفتين)، (وتُروِّج بيننا البضاعة الإباحية المغلفة بأستار حقوق المرأة مناضلات وكيلات يعملن في مدارس الغرب، يتحدثن لغته، ويحملن دبلومات عليا، متشبعات بروح العِداء للدين. يكتبن ويخطبن ويضاهين النّموذج الأصلي في الصفاقة والجرأة على الدين، بل يتفوقن عليه.) (تنوير المؤمنات).
ج ــ أن المطالب النسائية من أجل المساواة والمناصفة ورفع الوصاية عن المرأة يعتبرها مرشد الجماعة “بضاعة الانحلال والإباحية” (يحاول الآن رجال الغرب أن يُصَدّروا إلينا بضاعة التملص من الدين مغلفة بغلاف براق اسمه الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبداخل الحزمة اللاييكيةُ وطرد الدين من الساحة. وتحاول نسوة الغرب أن يصدرن إلى نسائنا بضاعة الانحلال والإباحية مغلفة في أستار المساواة في الأجور، والانعتاق من وصاية الذكور، ومنع تعدد الزوجات المُضر بوحدة الأسرة، وإنصاف المرأة في قسمة الميراث.)
دــ إن حقوق المرأة في أدبيات الجماعة، ليست أهدافا في حد ذاتها بقدر ما هي منافذ يتسرب منها الفساد الأخلاقي والعداء للدين (ونجحت الديمقراطية وقرينتها اللبرالية الاقتصادية في بلادهم، كما نجحت المرأة الأوربية في نضالها وحققت مكاسب مهمة. في مقدمة هذه المكاسب امتلاك المرأة لحرية التصرف في جسمها تفعل به ما تشاء، نبذا للفضيلة والأخلاق، وتدميرا للأسرة، وإشاعة للفاحشة كما تشاع البضاعة العادية) (تنوير المؤمنات.)
أما ما يتعلق بموقف القطاع النسائي لحزب العدالة والتنمية فهو أشد فظاعة ومناهضة لحقوق النساء اعتبارا لعاملين رئيسيين هما: العامل الأول: يتمثل في قدرة الحشد والتجييش التي كانت للحزب قبل قيادة الحكومة، حيث قاد حملة المناهضة لتعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1992 ثم المعركة الشرسة ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية سنة 2000، بحيث تمكّن من عرقلة عدد من التعديلات هي اليوم محط انتقاد ومطالبة بالتعديل من طرف الحركة النسائية (تزويج القاصرات، وصاية المرأة على أبنائها، إلحاق الطفل بأبيه البيولوجي…)
العامل الثاني: أن الحزب استغل قيادته للحكومة وتحمّل حقيبة الوزارة الخاصة بالمرأة ليلتف على الدستور تعطيلا وخرقا، وفي أحسن الأحوال إخراج مؤسسات دستورية كسيحة (هيئة المناصفة) وقوانين ناقصة ( قانون العنف ضد النساء 103.13).
لم يكتف البيجيدي بعرقلة الإصلاحات، بل جاء بمشروع قانون جنائي يشرعن قتل النساء ويحرض عليه وذلك بتخفيف عقوبة القتل فيما يسمى “بجرائم الشرف” من الإعدام والمؤبد إلى شهور قليلة.
ولا يزال قطاعه النسائي متشبثا بالإبقاء على تزويج القاصرات في مدونة الأسرة رغم المطالب النسائية والحقوقية الملحة بتجريمه ومنعه حماية للفتيات .هكذا يصدق على الإسلامويين المثل الشعبي “يقتلون القتيل ويمشون في جنازته”.