كرونيك

اتكل على الله واشتغل رقاصة…!

في بداية حوار طريف بمسرحية “شاهد مشافش حاجة..”. يسأل عادل إمام الذي يلعب دور سرحان عبد البصير، زميله  سامي جوهر الذي يؤدي دور برعي البواب بالمحكمة، عن ظروف حياته، وإمكانياته المادية ليتفاجأ أن الرجل المسكين يعيش حياة الضنك الشديد محشورا رفقة أمه و زوجته و سبعة من أولاده في غرفة واحدة، ومكتفيا بأجر شهري لا يتجاوز سبعة جنيهات، و يؤدي  بالمناسبة سبعة جنيهات كذلك ثمن كراء لذات الغرفة.

في موضوع أخر أكثر جدية، يقارن الصحفي مجدي سلامة، في مقال منشور على موقع بوابة الوفد، بين مصر الخمسينيات، ثم الستينيات وصولا إلى حالها اليوم.

طبعا، المقارنة لا تبعث على الضحك و الفرفشة ،كما المسرحية الشهيرة.

يكتب مجدي سلامة أن مصر حتى مطلع الثمانينات لم يكن فيها عاطل واحد، وكان كثير من خريجي الجامعة يهربون من التعيين في الحكومة، وفى السبعينات حدث خلل كبير في هيكله الاقتصاد المصري بعد بدء تطبيق سياسة الانفتاح الاستهلاكي، حيث انخفض نصيب الصناعة التحويلية فى الناتج القومي والعمالة والصادرات، كما ارتفع نصيب الخدمات والمواد الأولية من الناتج القومي، وزادت نسب البطالة وهو ما ترك اقتصادا فارغا من الممكن أن يتوقف عن النمو مع أي عامل خارجي، وبلغت البطالة ذروتها فى عهد السادات بشكل كبير.

أما فى عصر الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، فارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير، نتيجة تسريح أصحاب المصانع والشركات للعمالة، الأمر الذى أدى إلى تدهور مستوى معيشة أفراد القطاع العام بعد انقطاع دخولهم، وارتفاع خدمة الدين الخارجي.

قبل سنوات قليلة بالمغرب، كان القطاع العام  يفتح ابوابه بهدوء ليستقبل خريجي الجامعات و يوفر لهم منصبا في ميزانية الدولة يجعل منهم موظفون ،يتقاضون راتبا و يضمنون تقاعدا بعد سنين طويلة من العمل. في تطور مفاجىء وغير مفهوم، قرر رئيس حكومة عمل سابقا بقطاع التعليم، أن يحول جزءا حيويا من القطاع العام، وهو بالصدفة قطاع التربية و التكوين، إلى وكالة دون بواب. فتح الباب على مصراعيه وأغرق القطاع دون ضوابط قانونية ودون مراعاة الوضعية الاعتبارية للأستاذ:

عقود بائسة من ورقة واحدة يتم وضع ختم المقاطعة الأقرب عليها ويصبح صاحبها مدرسا متعاقدا.

الكلمة تشبه السبة:

المتعاقد ليس موظفا ولا يملك الحق في تغيير مقر عمله ولا يمثله أحد عند مشغله.

بعد شد وجذب، وعنف كثير وضرب وسحل، خرجت الحكومة لتنكر علنا وجود المتعاقدين، ولتقدم مبررات وأطروحات مضحكة حول المساواة بين المتعاقدين والأساتذة الموظفين الأصليين لديها.

ثم جاءت حكومة أخرى و قررت أن دخول نادي المتعاقدين حسب تسميته الأولى، سيكون بشروط أصعب بكثير.

من لم يقبل برغيف خبز، سيقبل بنصفه.

هكذا تقول الحكمة الشعبية.

جموع العاطلين، الذين يفوق عددهم أضعافا مضاعفة حاجيات الدولة من المتعاقدين والموظفين، يحتجون ويتساءلون عن مصيرهم بعد إغلاق باب التعاقد.

البعض يتساءل لماذا يتزاحمون من أجل منصب متعاقد ويتركون كل وظائف الدولة الأخرى؟

يتعجب سرحان عبد البصير مخاطبا برعي:

كيف تتركون الشقة فارغة وتتزاحمون في غرفة واحدة؟

كثرة الهم تضحك.

نصيحة سرحان عبد البصير الغريبة للبواب برعي لم تكن أبدا مجانبة للصواب:

“اتكل على الله واشتغل رقاصة…”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock