ماذا يحدث بأوروبا مع وباء كورونا اللعين؟ بعد تزايد عدد الإصابات لمعظم دول القارة العجوز رغم كون جل مواطنيها ملقحين، وهل الموجة الخامسة كشفت هشاشة مفعول اللقاح؟ كيف لهذه الدول أن تحتوي الموجة وعدد المصابين، بعض الإجراءات كانت سبقا كما هو حال النمسا التي فرضت حجرا صحيا على غير الملقحين، وألمانيا بمنع الأماكن العامة في وجه الرافضين للقاح. فإلى أين تسير هذه الموجة بأوروبا؟
فرنسا: تجاوز نسبة الملقحين 76٪، لكن الوضع لا يبدو أفضلا…!
على ما يبدو في فرنسا، فإن الوضع ليس بالأفضل، فربما هو سائر باتجاه اتخاذ إجراءات مماثلة، فكل المؤشرات ترجح ذلك، حتى ݣبريال أطال، الناطق الرسمي باسم حكومة ماكرون، لم يستبعد الاضطرار إلى حجر صحي واجراءات أكثر صرامة، وهو نفس الوضع كمال أشار إلى ذلك، في اثنتي عشرة دولة أوروبية انتشار سريع للوباء، وفرنسا ليست محصنة ضد موجة جديدة، رغم تجاوز نسبة الملقحين بها 76٪.
فهل يمكن إذن أن يتم فرض حجر صحي جديد في فرنسا على المدى الطويل، وهي فرضية ذكرها المتحدث باسم الحكومة؟ لكن، ورغم نسبة التلقيح العالية، والتي روجت لها حكومة ماكرون كما في عدة دول، العام الماضي، أنه بتجاوز 60٪ من الملقحين، تتشكل المناعة الجماعية، مناعة القطيع. الٱن، تغير الخطاب ويطرح أطال، خطابا ٱخر من شاكلة، “كل الفرضيات مطروحة على الطاولة لأننا نواجه فيروس يفاجئنا. ويمكن أن يفاجئنا”، على حد تعبيره.
قرار نمساوي نافذ
وفي النمسا، أعلنت المستشارة النمساوية يوم الأحد عن فرض الحجر الصحي على الأشخاص الذين لم يتم تطعيمهم أو لم يصابوا مؤخرا بكوفيد 19، ودخل القرار حيز التنفيذ اليوم الاثنين، في محاولة لوقف العدد القياسي للحالات الجديدة. “الوضع خطير (…). وقال ألكسندر شالينبيرج في مؤتمر صحفي في فيينا “نحن لا نتخذ هذه الخطوة بقلب هادئ ولكن للأسف انها ضرورية”.
وتلقى حوالي 65٪ من السكان جرعتين من اللقاح في النمسا، وهي نسبة أقل من المتوسط الأوروبي البالغ 67٪ وبعيدة عن دول مثل إسبانيا (79٪) أو فرنسا (75٪). وكان ألكسندر شالنبرج قد وصف هذا المعدل بأنه “منخفض بشكل مخجل” يوم الجمعة.
وبشكل ملموس، لن يكون للأشخاص المعنيين الحق في مغادرة منازلهم باستثناء التسوق أو الرياضة أو الرعاية الطبية. ويتم تطبيق هذا الإجراء من سن 12. وسجلت أكثر من 13 ألف حالة إصابة جديدة يوم السبت، في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 9.8 مليون نسمة، وهي أعلى نسبة منذ بدء تفشي الوباء.
ألمانيا: منع غير الملقحين من الوصول إلى المطاعم
وفي ألمانيا، قررت الحكومة الإقليمية يوم الأربعاء أن برلين ستمنع الأشخاص غير الملقحين من الوصول إلى المطاعم التي لا تحتوي على شرفات وقاعات الرياضية وصالونات تصفيف الشعر في مواجهة عودة ظهور فيروس كورونا. بموجب القواعد الجديدة المفروضة، يمكن فقط للأشخاص الذين تم تلقيحهم بالكامل وأولئك الذين يمكنهم إثبات شفائهم من المرض الوصول إلى المرافق الترفيهية وقائمة بالأماكن الأخرى المختارة.
وقال مجلس الشيوخ في برلين، في بيان له، إن هذا القرار جاء استجابة “للزيادة في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا” و “الضغط المتزايد على وحدات العناية المركزة”. وسيتم إغلاق المسارح والمتاحف والفعاليات الخارجية التي تستضيف أكثر من 2000 شخص، مثل مباريات كرة القدم، أمام البالغين غير الملقحين.
في مواجهة الموجة الجديدة من الوباء التي تؤثر على عدة دول في أوروبا، قررت فرنسا، منذ يوم السبت الماضي، تشديد شروط دخول الأشخاص غير الملقحين، وتتعلق هذه التدابير الصحية الجديدة بشكل خاص بألمانيا وبلجيكا وإيرلندا وهولندا والنمسا واليونان.
يجب على المسافرين الذين تبلغ أعمارهم 12 عاما أو أكثر القادمين من هذه البلدان والذين لا يستطيعون إثبات جدول التلقيح الكامل تقديم النتيجة السلبية لاختبار تم إجراؤه قبل أقل من 24 ساعة من مغادرتهم.
وتم تسجيل أكثر من مليوني حالة إصابة بـكوفيد 19 الأسبوع الماضي في أوروبا. وعلى ما يبدو، فإن الموجة الوبائية الخامسة في القارة العجوز لا زالت في بدايتها. ففي فرنسا وفقا لأحدث البيانات من (CovidTracker) هناك ما يقرب من 9000 حالة يوميا بالإضافة إلى 300 حالة دخول جديدة إلى المستشفى. بمعدل إصابة 89/100000 نسمة. كما تم ألزام غير الملقحين الذين تفوق أعمالهم 65، أخذ جرعة ثالثة لتجديد الجواز الصحي.
وحتى الآن، أعلنت الحكومة فقط عن عودة الكمامات إلى جميع المدارس الابتدائية. ووصل معدل التلقيح، ما يقرب من 75٪ من السكان بشكل كامل وتم حقن 4 ملايين جرعة معززة.
وشددت جهات الشمال الفرنسي من المراقبة الحدودية مع بلجيكا التي يبلغ معدل الإصابة بها أكثر من 1000/100000 نسمة وفقا لآخر مسح وبائي في 13 نوفمبر. إذ صار لزاما على البلجيكيين غير الملقحين، والذين تبلغ أعمارهم 12 عاما فما فوق، الإدلاء بشهادة تعافي أو تقديم اختبار PCR سلبي لا يتجاوز 24 ساعة.
جواز صحي في النرويج
وفي النرويج، قد يقرر رؤساء البلديات استخدام الجواز الصحي، اعتبارا من يوم غد الثلاثاء، وسيتعين اختبار حالات المخالطين، غير الملقحين فوق سن 18 عاما، وتقرر اختبار العاملين الصحيين غير الملقحين مرتين في الأسبوع. وتم تطعيم ما يقرب من 70 ٪ من النرويجيين بشكل كامل. سيتم قريبا تقديم الجرعة الثالثة من اللقاح لجميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما.
أما في هولندا، على الرغم من أن معدل التطعيم يصل إلى أكثر من 76 ٪، إلا أن البلاد سجلت أكثر من 16000 حالة اعتبارا من 11 نوفمبر. لذلك تم اتخاذ قرار بالاحتواء الجزئي، بغلق الحانات والمطاعم والمتاجر الأساسية مثل المتاجر الكبرى، على الساعة 8 مساء والمتاجر غير الضرورية في الساعة 6 مساء. وسيتم تطبيق هذه الإجراءات لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل.
وعلى ما يبدو، أن اللقاح في أوروبا، لم يعطي المطلوب منه لحد الٱن، وهو ما خيب ٱمال العديد من الأوروبيين وبخاصة الملقحين، إذ صار لزاما عليهم، أو بالأحرى سيجدون أنفسهم ملزمين بأخذ الجرعة الثالثة وربما العشرة كذلك، من يدري؟
ولعلها مجرد مسألة وقت فقط، وتعلن الدول تباعا، محدودية اللقاحات، وأنه من الأجدر، أن تستثمر ملاييرها عوض ذلك، في إيجاد سبل للتعايش مع الوباء، والاعتراف دون خوف أو خجل، أنه سيكون لزاما على الشعوب أن التأقلم مع الفيروس. إننا نتراجع خطوة إلى الوراء مقدارها عامين كاملين. فقد أنزلت الإجراءات للتو “عقوبة” على أطفالنا بإعادة الكمامات. فما هي الخطوة الموالية؟
فمن المخجل، إصدار مثل هذه الإجراءات التمييزية عندما لا توجد دراسة جادة تثبت أن غير الملقحين هم من ينشرون الفيروس أكثر من غيرهم. وأن حامل اللقاح لا يعني عدم إصابة الٱخرين بالعدوى، وبالتالي فإن اللقاح لا يحمي أكثر من ذلك بكثير. ورغم ذلك يسود الاعتقاد، حسب كل المؤشرات والتقارير، أن هذا الإجراء سيطبق لا محالة، وخلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة، ستكون متابعة ردود فعل سياسيينا وتبريراتهم أمرا مشوقا للغاية.
