استراتيجية الإسلاميين لمواجهة انتكاستهم الانتخابية
يشكل الإسلاميون، على اختلاف تنظيماتهم، كتلة سياسية تجمعها الأهداف الكبرى (تحكيم الشريعة، مناهضة العلمانية، إقامة دولة الخلافة) بينما تختلف في بينها حول الخطط دون التنافر أو التصادم.
من هنا تتداعى هذه الكتلة بالارتياح أو بالامتعاض إزاء نتائج الانتخابات وما تحققه من مكاسب سياسية تخدم الأهداف والاستراتيجية أو ما تتكبده من خسائر تُبَاعد بينها وبين الغايات الكبرى. إذ لا يخفى على الرأي العام الوطني ومتتبعي الشأن السياسي المغربي ما جنته مثلا جماعة العدل والإحسان من مكاسب سياسية وإدارية خلال رئاسة حزب العدالة والتنمية للحكومة على مدى عشر سنوات (توفير مظلة سياسية، استفادة عناصرها من المناصب والمسؤوليات الإدارية بالوزارات التي أشرف عليها البيجيدي، الشهادات الجامعية بتزكية من اللجان العلمية التابعة للبيجيدي، الدعم المالي للجمعيات..). ومن ثم فإن الانتكاسة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية حيث فقد الدوائر الانتخابية والجماعات الترابية، تصيب آثارها باقي فصائل التيار الإسلامي المقاطعة للانتخابات.
فطبيعي، إذن، أن تعبر مكونات تيار الإسلام السياسي عن صدمتها إزاء هذه الانتكاسة وتشكيكها في مصداقية النتائج التي هوت بالبيجيدي من صدارة الانتخابات لولايتين متتاليتين إلى المرتبة الثامنة. هذا التراجع في النتائج هو كذلك تقهقر على مستوى تنفيذ مراحل استراتيجية هذا التيار (التغلغل، الهيمنة، التمكين).
ذلك، أن فقدان رئاسة الحكومة ورئاسة المجالس الترابية، هو فقدان للأدوات السياسية والدستورية والقانونية والمالية التي يوظفها البيجيدي في خدمة الأهداف الكبرى وتيسير الاختراق والهيمنة والتشريع بما يخدم الإستراتيجية العامة للتيار بكل فصائله. أمام هذا الخسران السياسي المبين للبيجيدي، تقاطعت ردود الفعل لدى جماعة العدل والإحسان وقيادات من داخل حزب العدالة والتنمية بالتحريض على توظيف الشارع لتنظيم الاحتجاجات وإثارة الفتن ضد الحكومة والدولة. ومعلوم أن جماعة العدل والإحسان تحاول استغلال هزيمة البيجيدي الانتخابية لتحقيق هدفين رئيسيين هما:
الأول: تكريس مقولتها العقدية “النظام لا يمكن إصلاحه من الداخل”، ومن ثم فلا خيار سوى “القومة.”
الثاني: استقطاب العناصر المتذمرة والساخطة من البيجيديين لتقوية الجبهة المناهضة للنظام والمستعدة لممارسة “معارضة الشارع.” وبالفعل خرجت عناصر قيادية بتصريحات وتدوينات تهدد فيها النظام والدولة “بالثورة” وممارسة “معارضة الشارع”، أي إحياء حركة 20 فبراير التي استغلها البيجيدي لابتزاز الدولة وتمرير أجندته بدءا من “إسلامية الدولة” ثم عدم دسترة حرية الاعتقاد وتجريم التكفير. ففي تدوينة للحبيب شوباني، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، نشرها بصفحته بفيسبوك، اعتبر أن “إخراج” حزب العدالة والتنمية من مجلس النواب “بدون فريق قوي معارض” يجعل “طبيعي جدا أن يكون الشارع هو المعارضة…!”. وعلى نفس منوال التهديد سار القيادي أفتاتي الذي نشر تدوينة تحت عنوان “ثلاثة مسارات لا رابع لها”: حددها كالتالي:
ــ إصلاح جدي جذري متنام ينحته الشعب من أجل سيادة قراره بالتوجه رأسا صوب خيار الملكية البرلمانية وحسم الانتقال الديمقراطي ــ فاشية انقلابية نهج البنية العميقة والموازية، المتحالفة مع الكمبرادورات والرأسمال الكبير الريعي الفاسد لبعض عائلات ــ ثورة بشتى أجنداتها ومآلاتها واحتمالاتها، في انتظار الذي يأتي ولا يأتي.”
المسار الثالث؛ هو مسار جماعة العدل والإحسان وتنظيمات اليسار المتطرف التي تتحالف مع الجماعة تحت شعار “الضرب معا والسير على حدة”. بمثل هذه التدوينات يؤكد البيجيدي أنه يملك من الاستعداد ما تملكه الجماعة للثورة ضد النظام وإقامة “حكم إسلامي” ينصب المشانق لمعارضين ولكل المطالبين بالديمقراطية والمساواة وسيادة القانون.
كما يثبت الحزب أنه لا يؤمن بالتداول السلمي على السلطة ولا بحق الشعب في اختيار البرامج الانتخابية والأحزاب التي تخدم مصالحه خلال فترة معينة من تدبير الشأن العام. رهان البيجيدي لا يختلف عن رهان جماعة العدل والإحسان على “معارضة الشارع” وتحويلها إلى نواة “للقومة” ضد النظام والثورة عليه. من هنا تسعى الجماعة وحلفاؤها إلى توظيف “فئة المقاطعين” للانتخابات وتحويلها إلى قوة سياسية واجتماعية غاضبة وفاعلة في التغيير.
ففي مقالة بموقع الجماعة منشورة بتاريخ 21 شتنبر 2021، تم التركيز فيها على هذه الخطة كالتالي “ولذلك تفرض حقيقة المقاطعة الكاسحة، بذلَ جهد كبير، لتأطير الكتلة الهائلة للمقاطعين، ورسم مسارات قاصدة لحركتها الفاعلة، في اتجاه محاصرة الاستبداد والفساد، وهو ما يلزم تجاوز الكثير من الجدران العتيقة للتفكير الكلاسيكي المهيمن على بعض تنظيمات الممانعة أو القريبة من خطها الفكري، والتعامل بدقة مع المراحل المقبلة، في اتجاه تحشيد إمكانات الشعب المقاطع، في انتظار التحاق المستفيقين على الخيبة بُعَيْدَ قليل”.
هذا هو رهان الجماعة اليوم وقد تلتحق بها عناصر البيجيدي لابتزاز الدولة خصوصا إذا قررت الحكومة محاسبة المتورطين في الفساد من وزراء ورؤساء المجالس المحلية والجهوية بمن فيهم أعضاء البيجيدي الذين حماهم الحزب واستمات في فرض قرار تأجيل التحقيق معهم إلى ما بعد الانتخابات، إذ كان شبه متيقن من عودته لرئاسة الحكومة، ومن ثم تمديد حمايتهم. وكذلك كان حيث توقف التحقيق وتعطلت مسطرة المتابعة القضائية في حقهم.