لا إكراه في الرأي

فرنسا بدون إفريقيا

ما الذي أصاب قارة أفريقيا؟ وماذا يريد قادتها من فرنسا “المسكينة”؟ ماذا عسى فرنسا أن تفعل لهم، فالقارة السمراء لا تستغل موادها الخام وكنوزها، وفي نفس الوقت تريد عدم التبعية للشركات المتعددة الجنسيات. ما كل هذه النية السيئة لأفريقيا؟ ففي نهاية المطاف، كل هذه المواد الخام ليست ملكا لهم، بل ملكا للإنسانية جمعاء، وهي بالتالي لأولئك القادرين على استغلالها واستخدامها. الفرنسي يرى افريقيا قارة للنواقص والاختلالات، هناك نقص صارخ (ومتعمد) من القادة الأفارقة، الحكام لا يفعلون ما يلزم لتطوير بلدانهم، بسبب الصراع القبلي الدائم والفساد.

وهذا ليس خطأ فرنسا، فالأمر متروك لهؤلاء القادة “لطلب الصفح” من شعوبهم. فالأفارقة بحاجة ماسة إلى “مستعمريهم” السابقين، هي تحتاجهم في كل شيء، في مجال الصحة، والمواد المصنعة. ولهذا تفكر فرنسا في كيفية مساعدتهم بلقاحات ضد كوفيد أو الملاريا أو علاجات الأمراض مثل الإيبولا.

ماذا سيفعل الأفارقة بدون ماما فرنسا؟ يعتقد الفرنسي أن افريقيا بحاجة إليهم بشكل كبير، أما فرنسا فهي بحاجة إليهم بأقل درجة. هذه الرؤية الاستعمارية، الدونية لأفريقيا تظهر على مستويات مختلفة، إلى درجة أن فرنسا دعت جمعيات المجتمع المدني الافريقي لحضور قمة دولية، وأقصت القادة، وبعد ذلك تأتي لتتبجح عليهم بالمشروعية وتحديد المسؤوليات، فـ “القمة” في اللغة الدبلوماسية هي لقاء بين “رؤساء الدول”.

لكن لم يكن هناك رئيس دولة أفريقية واحد في مونبولييه! خلال انعقاد القمة الإفريقية الفرنسية، والسبب، عدم دعوة قصر الإيليزي لهم في قمة من الاستهتار بالأنظمة الإفريقية. ليأتي بعد ذلك ماكرون لمنصة “القمة” ويتحدث عن جانب الـ “افريقية” لفرنسا. فربما الرئيس ماكرون تفطن متأخرا، عندما غازل الناخبين الفرنسيين من أصول أفريقية، حاثا على ضرورة تحمل فرنسا مسؤولية جانبها “الافريقي”، وأنها ليست فحسب مدينة بشيء لأفريقيا، بل إفريقيا جزء من مستقبل فرنسا وعليها الاستثمار فيها، لتدخل إفريقيا من الباب الواسع في قلب الحملة الانتخابية لماكرون، بعدما فقد تعاطف الفرنسيين يمينا ويسارا، فلم تعد له سوى أصوات رشيد ومامادو.

ولكن افريقيا ليست مجرد أصوات ناخبين، فبدون إفريقيا وبدون الأفارقة، لا كهرباء رخيصة وخالية من الكاربون، لا حوامض، لا سمك، لا قهوة، لا كاكاو، لا قطن، لا خشب ثمين، لا ذهب، ولا أتربة لبطارياتهم، ولا حديد، ولا ألمونيوم، و لا فوسفاط لأسمدتهم… أكثر من ذلك، بدون إفريقيا و بدون الأفارقة، لا أحد يجمع القمامة و ينظف مكاتبهم، لا أحد يطبخ لهم في المطاعم، لا أحد يقدم الرعاية في مستشفياتهم وعياداتهم، لا أحد يحرس متاجرهم، لا أحد يسوق حافلاتهم و سياراتهم… بدون الأفارقة، لن يتبقى أحد لرعاية كبار السن من الصباح إلى المساء، والذين سيشكلون غدا غالبية فرنسا القديمة المنعزلة على نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock