وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (15): السطو على المشاريع الملكية
ملحوظة: إثر الهزيمة المدوية للبيجيدي في انتخابات 8سبتمبر 2021، أصدرت أمانته العامة بيانا تعتبر فيه (أن النتائج المعلنة نتائج غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي والتجاوب الواسع المواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية). فقيادة الحزب لا تقر بالأخطاء والجرائم التي ارتكبها وزراء الحزب في حق الشعب.
وتنويرا للرأي العام، جاءت هذه المقالات لتبسط جملة من تلك الأخطاء والجرائم في حق الشعب والدستور والوطن، والتي بسببها مُني الحزب بالهزيمة المدوّية.
إن سطو البيجيدي على الأوراش الملكية لم يقتصر على المطارات والقناطر والشوارع والمناطق الخضراء. بل امتد ليشمل المراكز الاستشفائية، بحيث جاء في برنامجه الانتخابي لـ 2021، (أن الحكومة تمكنت من تسريع إنجاز برامج تطوير البنية التحتية الصحية، خاصة بإحداث ثلاثة مراكز استشفائية جامعية جديدة بكل من أكادير والعيون وطنجة). وهذه بعض المعطيات لتفنيد مزاعم البيجيدي:
أ ــ بتاريخ 22 شتنبر 2015 أشرف جلالة الملك محمد السادس على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز المركز الاستشفائي الجامعي طنجة تطوان الحسيمة والذي يدخل ضمن الأوراش التنموية الكبرى التي تعرفها الجهة. فالحكومة التي تعجز عن تجهيز المستوصفات أو توفيرها لفائدة سكان كثير من المدن والمناطق المغربية، لا يمكنها أن تفكر في بناء مركز استشفائي يصنف الأكبر في إفريقيا.
فالحزب الذي يعلن أمينه العام ورئيس الحكومة أن الوقت قد حان لترفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم، لا يمكنه أن يستثمر أو حتى يفكر في بناء المراكز الاستشفائية التي يراها عبئا ماليا على الدولة. لقد كانت دائما معانة المواطنين مع انعدام أو ضعف وتردي الخدمات الصحية مواضيع لتقارير صحفية أو أسئلة برلمانية موجهة لرئيس الحكومة ووزير الصحة. وضعية أهملتها الحكومة ونبّه إليها التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2019 كالتالي (لا تــزال هنــاك نقائــص ومواطــن قصــور مهمــة تلقــي بظلالها علــى المنظومــة الصحيــة الوطنيـة، وهـي تهـم أساسـا مسـألة التأطيـر الطبـي وتوزيـع بنيـات الرعايـة الصحيـة والأجهزة الطبيـة علـى مجمـوع التـراب الوطنـي.) ب ــ المركز الاستشفائي الجامعي لأكادير لازال قيد الإنشاء حالياً ومن المتوقع أين يتم افتتاحه في سنة 2023، ويدخل بدوره ضمن الأوراش التنموية الكبرى.
ج ــ بالنسبة للمركز الاستشفائي بالعيون، كان مطلبا ملحا لساكنة الأقاليم الجنوبية، وهو أكبر مؤسسة استشفائية في جهة العيون الساقية الحمراء. ويعد المركز الاستشفائي الجامعي وكلية الطب بالعيون، إلى جانب الطريق السريع تيزنيت-العيون والميناء الأطلسي للداخلة، من المشاريع الكبرى والطموحة للبرنامج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه عاهل البلاد سنة 2015 بغلاف مالي قدره 77 مليار درهم. لا يمكن، إذن، الاستغراب من حزب فشل في الوفاء بوعوده وفي تدبير الشأن العام على مستوى الجماعات الترابية وكذا القطاعات الحكومية التي يشرف عليها وزراؤه، أن يسطو على المبادرات والأوراش الملكية ويقدمها كإنجازات له ولحكومته.
فالحزب، على لسان قياداته، لم يجد في جعبته من “إنجازات” سوى دعم الأرامل ليجعل منهن قاعدته الانتخابية الثابتة. لهذا يضع دعمهن على رأس “منجزاته” الحكومية طيلة عشر سنوات. ومن تناقضات الحزب ورئيس حكومته أن هؤلاء الأرامل، كغيرهن من المواطنات والمواطنين، بحاجة إلى توفير الخدمات الاجتماعية (الصحة، النقل، التعليم، الماء، الكهرباء، الطريق..) كما بحاجة إلى مصدر رزق يضمن لهن العيش الكريم. فوزراء الحزب يزعمون فك العزلة عن العالم القروي وتوفير الكهرباء والماء، فيما الواقع يفند هذه المزاعم. إذ لا زالت كثير من المناطق تعاني العزلة التامة لانعدام المسالك فأحرى الطرق، مما يضطرهم إلى قطع عشرات الكيلومترات على الدواب والأرجل للتسوق أو زيارة الطبيب، وتكون معاناة النساء الحوامل والمرضى أشد لانعدام وسائل النقل (نموذج دواوير إغرضان وتاوريرت وأهرماش بنواحي بني ملال. رغم وجود هذه الدواوير في منطقة غنية بالمياه والينابيع، فإن الساكنة تعاني من العطش والتهميش.
ففي شهادة لأحد أرباب الأسر قال “أقسم لك بالله أن أبنائي لم يسبق لهم أن رأوا مصباحا كهربائيا. فهم يراجعون دروسهم على ضوء قنينة الغاز، وإذا انتهت يستعينون بالشموع، أما الطاقة الشمسية فلا نملك مالا لشرائها”. (هسبريس 28 غشت 2021). هل تذكرت قيادة الحزب أنه لولا تدخل عاهل البلاد، سواء لفك العزلة أو توفير المأوى والمأكل لساكنة المناطق التي تغرقها الثلوج، ما كانت الحكومة لتتحرك؟ في تقرير نشرته مجلة سيو ورد، وأعده موقع نومبيو المختص في الأبحاث وتصنيف الدول بحسب جودة نظام الرعاية الصحية فيها، فإن المغرب يُصنَّف ضمن الدول الأسوأ في تصنيف الرعاية الصحية حيث احتل المركز 89 من ضمن 89 دولة سنة 2019. واقع لا يمكن استساغته خصوصا وأن الحكومة توفر سنويا ما يفوق 41 مليار درهم بعد أن رفعت الدعم عن المحروقات وعدد من المواد الغذائية؛ الأمر الذي زاد من معاناة شريحة واسعة من المواطنين من الفقر والبطالة والتهميش والأمراض وغلاء المعيشة والارتفاع المتواصل لأسعار كافة المواد، خصوصا الغذائية. لقد برر البيجيدي قرار تحرير أسعار المحروقات بتوفير ودعم الخدمات الاجتماعية خلال ولاياته الأولى، ثم برر “مواصلة إصلاح صندوق المقاصة من خلال رفع الدعم تدريجيا على المواد المتبقية”، بـ”توجيه الاعتمادات المالية المقتصدة حصريا لتمويل النفقات ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية … لتمويل برنامج مندمج متعدد السنوات لتأهيل البنيات الاستشفائية والتجهيزات والمعدات والموارد الصحية وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا، وخاصة بالعالم القروي، لتحسين جودة الخدمات الصحية في إطار تعميم نظام المساعدة الطبية وتوسيع التغطية الصحية). لا عذر للبيجيدي في هدر المال العمومي على اقتناء السيارات الفارهة للوزراء والكتاب العامين وتحديث تجهيزات مكاتبهم بملايين الدراهم، بينما الأجدر به توفير المراكز الاستشفائية في كل الجهات، خصوصا إذا علمنا أن المركز الاستشفائي لم تتجاوز كلفته المالية 2.33مليار درهم (حكومة سعد الدين العثماني خصصت قرابة 1900 مليار سنتيم لشراء تجهيزات الوزارات والإدارات العمومية من مكاتب فاخرة وسيارات خلال سنة 2021، أي في عزة أزمة كورونا).
ولا عذر كذلك لحكومة البيجيدي، خلال الولاية الأولى والثانية، في استمرار العمل بقرار إعفاء الفلاحين الكبار والمتوسطين من الضريبة، علما أن الجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، سبق وصادقت في دورتها الحادية والعشرين، على توصية المجلس بإخضاع النشاط الفلاحي إلى الضريبة مثله مثل باقي الأنشطة الإنتاجية. إذ جاء في التوصية أنه في “إطار التضامن الوطني، ولأسباب تتعلّق بالإنصاف والمساواة أمام الضريبة، يعتبر فرض نظام ضريبي على القطاع الفلاحي ضرورة لا مناص عنها، وخصوصا بالنسبة إلى الضيعات الفلاحية التي تبلغ حجما معينا”. بعد هذا الفشل الذي طبع تجربة البيجيدي على رأس الحكومة طيلة عشر سنوات، هل يمكن تصديق وعوده بالنهوض بالاقتصاد و”إحداث أكثر من 160 ألف منصب شغل سنويا”، ومحاربة الفساد وتمكين النساء اقتصاديا..؟ أكيد لن يحقق الحزب ما لم يحققه طيلة الفترة التي قاد فيها الحكومة.
يتبع …