مَد رِجل… وابتزاز…!
فوائد الصمت لا تعد ولا تحصى.
لعل أنفعها على الإطلاق حفظ هيبة من يفترض الناس ان له هيبة و إحتراما،فقد يضيع الفرد فرصة ذهبية للصمت، فتجرف كلماته الرعناء الهوجاء مكانته بين قومه وأصدقاء وأعداءه، كما يجرف النهر سقط متاع وقع سهوا في مجراه.
من باب التذكير، الكلام الكثير دون فائدة يسمى لغوا. أما إذا صدر اللغو عن شخص مسؤول و ذي مكانة رمزية خاصة، فتلك كارثة وعلامة من علامات انحطاط السياسة و إشارة من القدر إلى سوء تقدير المجتمع في إختيار من يمنحهم الزعامة.
أُقَصِّرُ مسافة التساؤلات وأخبر القارئ اللبيب ان من أقصد بالكلام شخصان: رجل سياسة مغربي و امرأة نافذة في إسبانيا.
هو وزير من زعماء حزب يقود الحكومة.
لم يجد هذا الوزير أفضل من تدوينة غريبة يربط فيها بين اندفاع آلاف المهاجرين نحو مدينة سبتة وهفوة الجارة إسبانيا حين قبلت أن تستضيف تحت جنح السرية والظلام شخصا مطلوبا للعدالة وعدوا صريحا للمغرب والمغاربة.
“لقد توصلت الى نتيجة: ان السياسة مـوضوع أخطـر بكثير من أن نتركه للسياسيين.” هكذا لخص شارل ديجول الموضوع برمته.
قرأت تدوينة الرميد من جميع الاتجاهات؛ من اليسار الى اليمين، من رواسب فكر جماعة التوحيد والاصلاح الى واقعية تقنين الكيف، ومن أيام اللحى العشوائية الى حاضر ابتسامات هوليود ولحى أبطال مسلسلات الترك الأنيقة المهذبة، ولم أجد لها من وصف ولا من مبرر سوى لغو فارغ وفرصة للخصوم ليتشفوا في حال البلد.
كتب الوزير في تدوينته على فيسبوك “.. كان من حق المغرب أن يمد رجله، لتعرف إسبانيا حجم معاناة المغرب، وثمن ذلك.”
ماذا لو كان أحد ابناءك هو من يرتجف بردا ورعبا وسط اخوة له نصف عراة ومن كل جانب جنودا أجانب مدججين بالسلاح؟
ماذا لو كنت أنت من يجلس قرب جثة صديق طريقه على ذلك الشاطئ بعد ان قطعتما أميالا و أميالا بحثا عن شبه حياة كريمة؟
هل سمعت أنين الأم المكلومة في إبنها الذي ترك حياته في عرض شاطئ سبتة؟
أنت تعرف دون شك أن الحق في الحياة هو الأسمى بين الحقوق. فانت وزير حقوق الإنسان.
لم يمد المغرب رجله، بل عاش مأساة حقيقية، عنوانها الموت والضياع لقاصرين مقهورين في محاولتهم المخجلة للفرار نحو ثغر محتل، وفي تفاصيلها لقطات لشباب مغاربة يهللون “بيبا اسبانيا..” بعد أن خبا في داخلهم حب الوطن بفعل الفقر والحاجة.
اما هي، فوزيرة خارجية إسبانيا التي لم تجد في كل عبارات اللغة الاسبانية الغنية غير تهمة “الابتزاز” لتوجهها للمغرب، بعد ان اخطأ بلدها واقترف ما لا يغتفر.
حين كشفت أجهزة الدولة المغربية لعبة إسبانيا القذرة و محاولتها البائسة التمويه و تزوير الحقائق بقبول دخول جلاد بهوية مزورة إلى أراضيها، سجل المغرب نصرا حقيقيا، فقد فضح نفاق الجارة الشمالية ورغبتها في استمرار صراع يضر بالمغرب.
في معركة طويلة يخوضها البلد ضد جار متعجرف وصاحب ارث كولونيالي يمنعه من رؤية حقائق الجغرافية والتاريخ، على من لا يملك شيئا ذي قيمة، ان يصمت وفقط.
كتب على احد أعمدة قصر الحمراء بالأندلس:
لا غالب الا الله.
هناك، يلتقط سياح العالم صورا كثيرة، فالمكان جميل حقا وله ما له من تاريخ مشرف وكبير.
قد تحتاج وزيرة خارجية إسبانيا تذكرة سفر لزيارة المكان، وربما سيكون من المفيد أن تصحب معها المترجم، فالراحة والتأمل قد يساعدا لا محالة على قرارات أفضل وأكثر حكمة.
وإن تعذر عليها وعلى غيرها كل هذا، فالصمت حكمة، اولا وأخيرا.