الحركة “اليسراوية” بالمغرب كجواب عن تردي الأوضاع الاجتماعية فقط؟
- في المبنى السياسي للحركة:
لا أود هنا نقاش التجربة المسماة بـ “اليسار الجديد”، لا سياسيا مباشرا ولا تنظيميا (فالتجربة بمآسيها الاجتماعية حملت أكثر من جواب على ذلك)، بل فقط التعاطي معها كسؤال اجتماعي محض. ليس مُهمّا أن نقول، أنها انبرزت بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية (بالسبعينات). لكن أن نتساءل ما هو التردي وما شكله الذي شكل خلفية واضحة لهذا؟
لن نردد مع المفكر العربي إلياس مرقص أن هذه الحركية (وليس الحركة) فشلت في تعريب الماركسية، بدواعي الخصوصية والاستثناء على خلفية الإطار السوسيوثقافي الفسيفسائي الذي يؤطر العالم العربي، بل، إننا سنقول أن الحركة “اليسراوية” المغربية وبالعالم العربي (وهو ما يهمنا مقاربته) أتت كقول ورد فعل عن تردي الأوضاع الاجتماعية بغير وضوح فكري أو سياسي إزاءها وإزاء جوهر الموضوع الذي قامت على أسسه فكريا وجدليا؟ وهو إجهاض الحداثة والتّحديث..
كل المجتمعات العربية ومنها المغرب مضطرة اليوم للدخول في إطار إنتاجي. في إطار سياسي جديد مرتبط بقيم جديدة تسيطر على الواقع المجتمعي المغربي. الذي يفشل في بناء صناعة فعالة (والفكرية أيضا) أو الذي يفشل في إعطاء هوية متماسكة وقيم ثابتة (حتى بالنسبة لأعضائه، وأغلبهم ذوي وضعية طبقية هشة؟؟….فإنه يفشل حتما في بناء مجتمع… إن المجتمعات تعيش في حالة تفكك. ونحن لا نعيش في حالة تردٍّ فحسب ولكننا نعيش في حالة تفكك بمعنى التفكك الفكري والأخلاقي، والثقافي…ولا يعني ذلك أننا سنبقى هكذا خارج التاريخ، هذا هو معنى الأزمة ..أزمة بسبب انهيار المشروع (المشروع اليسراوي) الذي اعتمدناه بقليل من التعقل؟
- براكسيس نظري محدود:
شكل مشروع الحداثة والوطنية والبناء الديموقراطي الوطني أسّ الدعوة “اليسراوية” بالمغرب (بل وبالعالم العربي ككل).. كل اليساريين عاش وانتعش عمليا في ظل هذا المشروع اللاهي؟ غير أن هذا المشروع/التمني (في منتصف السبعينات بعد مصادرته) فقد آفاقه وفقدت الناس آمالها فيه؟؟ فهي كانت تجربة مأساوية جرت الويل على أغلب منخرطيها، خصوصا منهم، المنحدرين من أوساط اجتماعية فقيرة.
لقد وجد منخرطوها وزبائنها المؤقتين (للأسف) أنفسهم من دون سند بعد خبو التجربة.. بل هم رجعوا إلى التمسك بالحبال الطبيعية التي ورثوها عن أجدادهم، وهي القيم الإنسانية والدينية والتراث لكي يعيدوا بناء هوية في أقل تقدير! (اسألوا في هذا الباب مستثمري التجربة؟ وهم يقرؤوا ما أكتب الآن).
الشعور بالانتماء إلى جماعة، بناء لحمة سياسية أو حزب (=منظمة العمل كنموذج كاسر وفاشل) واضح في هذا الباب ..
والآن، يتضح أكثر من أي وقت مضى، أن ليس هناك أي حزب سياسي قوي مبني على مفاهيم وقيم ومعالم واضحة، باستثناء الإسلامويين الذين وفروا ذلك… إن الإسلامويين متهمين بأنهم أقوى على مستوى الفعل بمعنى الإنتاج والتنظيم؟ (= لما استفادوا منه من تجربة اليسار؟)… غير أن المشكلة أكبر بكثير من مسألة تردّي وبطالة، وأكبر من عودة المكبوت… بل ليس عودة المكبوت فقط، بل بروز لمظاهر جديدة… أصابت الأمة في مقتل؟
فهل بعد الذي جرى من تغير في البنية الذهنية وفي المسار الكفاحي “لليسراوية” بعد سنوات من العناد السياسوي، يمكن أن تساعد هذه الأخيرة في لملمة جراحاتها بعيدا عن التردد والوهم؟