ادامين يكتب عن: ما بعد الكركارات… الحماية من تهديدات الأمن والسلم بالمنطقة
السؤال الذي فرض نفسه إبان تحرير حركة المرور بمنطقة الكركارات، هل هي عملية تكتيكية ومحصورة في تلك المنطقة أم أنها عملية استراتيجية ستشمل كل المنطقة العازلة شرق الجدار؟
لازال السؤال قائما لسبين:
الأول: يكمن في تسريح الممر المدني لعبور السلع والأفراد، وبناء جدار أمني على امتداد خمسة كيلومترات بين منطقة الكركارات والحدود الموريتانية، الأمر الذي غير الأبعاد الجيوسياسية للمنطقة، خاصة بعد إغلاق الممرات التي تتسرب منها عناصر جبهة البوليساريو، إذ أنها كانت قادرة على الوصول إلى المحيط الأطلسي.
والسبب الثاني: يكمن في الزخم الدبلوماسي والدولي لصالح المغرب، حيث تمت إدانة سلوك “العصابات” و”قطاع الطرق” الذي نهجته جبهة البوليساريو، في مقابل الإشادة بالتدخل الحضاري وغير الحربي للجيش الملكي المغربي.
هذه العناصر، تدفع إلى استثمار الشروط المادية على أرض الواقع والشروط الموضوعية على المستوى الدولي، من أجل رفع والحد من تهديد الأمن والسلم التي يعرفه المغرب ومنطقة الصحراء والساحل، بسبب ضعف المراقبة الأمنية للمنطقة العازلة من قبل قوات المينورسو.
وفي هذا السياق، وقبل الحديث عن سيناريوهات استكمال ضبط الأمن في المنطقة العازلة، لابد من الإحاطة بموضوعين لهما أهمية قصوى: الأول؛ يتمثل في كرونولوجيا بناء الجدار الأمني العازل، والثاني يتمثل في تهديد الأمن والاستقرار بسبب ضعف المراقبة الأمنية والعسكرية ، وذلك من خلال تقارير مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة.
أولا: كرونولوجيا بناء الجدار الأمني العازل
يبلغ طول الجدار الرملي الذي بدأ المغرب في تشيده حوالي 2300 كلم على ارتفاع ستة أمتار، وهو الجدار الذي استغرق إكماله سبع سنوات من 1980 إلى 1987…
إن الجدار الرملي الدفاعي، لم يتم بناؤه دفعة واحدة، بل على عدة مراحل:
في المرحلة الأولى، تم تشييد الجدار على محيط كل من العيون والسمارة وبوكراع، من خلال ربطه من قرب طانطان وصولا إلى المحيط الأطلسي بالقرب من بوجدور.
والمرحلة الثانية، تمديد الجدار من القرب من السمارة إلى غاية كلثة زمور، ومن منطقة السمارة إلى المحبس سنة 1984.
والمرحلة الثالثة، من منطقة كلثة زمور مرورا أم دريكة وصولا إلى إمليلي جنوب الداخلة سنة 1985.
والمرحلة الأخيرة من منطقة بكاري، مرورا بأوسرد وتشيلا وبير كندوز وصولا إلى القرب من الكركارات والكويرة سنة 1987، وهذه المرحلة الأخيرة هي موضوع المقالة.
كان الجدار الأمني الذي تم الانتهاء منه سنة 1987، عبارة عن جدار رملي تقليدي يصل ارتفاعه إلى حدود ثلاث أمتار مع بعض الأسلاك الشائكة والألغام المزرعة على طوله، ولكن إلى غاية نهاية سنة 2000 تطور الجدار الرملي ليصبح جدارا أمنيا عسكريا معززا بأحدث تقنيات المراقبة والكاميرات والاسلاك الكهربائية وزرع مضادات الدبابات، ورفع طوله إلى ستة أمتار، مع تشييد مئات الثكنات والقلاع المتطورة، وصولا، اليوم، إلى
بناء جدار جديد من منطقة الكركارات إلى النقطة 55 الحدودية الموريتانية.
هل كانت الجزائر محايدة أمام ما يقع أمامها بخصوص بناء الجدار؟
يتحدث الجنرال خالد نزار في مذكراته، وهو الجنرال المتحكم الرئيسي في السياسة الجزائرية سابقا، عن هذه العمليات، وبحكم كونه قائد منطقة تندوف وبشار، عن مشروعه المسمى “خطة الجزائر”، حيث يقول بالحرف “أن أكبر قوات العسكرية للمغرب، من قوات الدبابات والقوات الميكانيكية… كانت في قصر السوق قبالة الجزائر، وبدون إنزال هذه القوات، يستحيل المغرب أن يكمل بناء الحائط الرملي… فاقترحنا خطة سميت عند الصحراويين ب”خطة الجزائر”، وتكمن أهداف الخطة بالقيام ببعض الأعمال (ويقصد بها الأعمال التخريبية بالقرب من قصر السوق) داخل التراب المغربي، وطالبنا بإحضار التعزيزات، وقدمنا الخطة لوزير الدفاع آنذاك الشاذلي بن جديد، حيث وافق عليها وأرسل التعزيزات للقيام بالمناوشات داخل المغرب وذلك من أجل منع المغرب من إنزال قواته العسكرية إلى الجنوب للمساهمة في بناء الحائط… وكانت الخطة أن يقوم بالأعمال التخريبية الصحراويون وليس الجزائريون، وسوف يتم دعم هؤلاء الصحراويين بكل الوسائل… باعتبار أن مشكل الصحراء هو مشكل يخص الأمن الجزائري… إلا أن الخطة تم التخلي عنها في آخر المطاف.” انتهى كلامه.
إن كلام الرجل الأول في النظام العسكري الجزائري في عهد هواري بومدين والشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف، يتقاطع حد التطابق مع تصريحات جنرالات الجزائر الحاليين، عندما يغيرون الدستور ضدا على إرادة الشعب الجزائري، ويميزون بين الأمن الجغرافي (الحدود) والأمن الاستراتيجي (الذي يتجاوز الحدود.)
إن نفس “العقل العسكري” الجزائري منذ السبعينات لازال مستمرا إلى اليوم.
ثانيا: تهديد الأمن والاستقرار بسبب المنطقة العازلة
تشكل المنطقة العازلة، وهي المنطقة الواقعة على شرق الجدار الأمني إلى الحدود مع الجزائر وموريتانيا، تهديدا حقيقيا للأمن والسلم ليس للمغرب فقط،
لكن لكل منطقة الصحراء والساحل، فقد ورد في تقارير الأمم المتحدة الرسمية، والتي سيتم الاقتصار فيها فقط على السنوات من 2012 إلى 2020 نظرا لضيق الحيز المجالي للمقالة، نجد ما يلي:
– تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2012 (الفقرتان 111و112): “يساورني قلق مماثل إزاء تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، ما يجعل المراقبين العسكريين شرق الجدار الرملي عرضة لخطر مؤكد” وأن “البعثة لا تستطيع أن تمارس بصورة كاملة مهام الرصد والمراقبة والإبلاغ في إطار حفظ السلام”.
– تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2013 (الفقرتان 110و114): “تزايد عدم الاستقرار وانعدام الأمن في منطقة الساحل وما حولها يقتضي التوصل إلى تسوية عاجلة لهذا الملف الذي طال أمده” و “أود أن أشدد على أن معالجة الحاسمة لنزاع الصحراء الغربية بوصفه جزء من استراتيجية أوسع لمنطقة الساحل”
– تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2014 (الفقرة 39): مازال مراقبو البعثة العزل، الذين يعملون في المنطقة الواقعة شرق الجدار الرملي على مقربة من الحدود التي يسهل اختراقها، معرضين للخطر.
وأشارت بعض المصادر إلى أن الجماعات الإرهابية نشطة في عمليات تجنيد لتعزيز وجودها في المناطق المجاورة وتوسيع نطاق إمداداتها بالسلاح.”
– تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2015 (الفقرة 73): “تزايد الشعور بالإحباط في صفوف أبناء الصحراء الغربية، إلى جانب اتساع النطاق الجغرافي لشبكات الجريمة والإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وضع ينطوي على أخطار متزايدة تهدد استقرار المنطقة وأمنها”.
– تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2016 (الفقرة 88): “اتساع النطاق الجغرافي للشبكات الإجرامية والمتطرفة في منطقة الصحراء والساحل، يزيد من المخاطر التي تهدد استقرار جميع بلدان المنطقة وأمنها”.
– تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2017 (الفقرات من 43 إلى 49): “لا تزال البيئة الأمنية في المنطقة الواقعة في نطاق مسؤولية البعثة معرضة لاحتمال عدم الاستقرار” وأن البعثة رفعت “من يقظتها” “على الرغم من أن قسمها الأمني تأَثر بفعل القيود المفروضة التي حدت من قدرته على أداء وظائفه كاملة”، وأضاف: “تلقت البعثة معلومات من إحدى الدول الأعضاء عن قيام جماعة إرهابية منتسبة لتنظيم الدولة الإسلامية في بلاد العرق والشام بتحديد مواقع أفرقة البعثة الواقعة شرق الجدار الرملي كأهداف لها… وأن جبهة البوليساريو حذرت في مناسبات عديدة أنها عاجزة عن ضمان تنقل دوريات البعثة أو قوافلها” وزاد تقرير الأمين العام “صدرت تعليمات إلى جميع أفراد البعثة بتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر خلال التحركات شرق الجدار الرملي في محيط تندوف”.
-تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2018 (الفقرتان 81 و49):”علاوة على ذلك، ما زال يساورني بالغ القلق إزاء الأمن في الصحراء الغربية، ولاسيما في المنطقة الصحراوية الشاسعة والفارغة شرق الجدار الرملي، حيث يظل مراقبو البعثة العسكرية غير المسلحين معرضين لتهديدات الجماعات الإجرامية والإرهابية”. وخلص التقييم العام للتهديدات الذي أجرته البعثة إلى أنه “لايزال مستوى الخطر الأعلى في المناطق الواقعة شرق الجدار الرملي، بسبب التهديدات الصريحة التي صدرت سابقا عن عناصر متطرفة في منطقة الساحل”.
– تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2019 (الفقرتان 45و46): “في الجانب الشرقي من الجدار الرملي، في منطقة مجيك، تشكل أنشطة تعدين الذهب غير المشروعة… مصدر قلق مستمر وهي المنطقة فيها معظم حالات إطلاق النار التي سمعها الجيش الملكي المغربي”، و”لا يزال خطر الهجمات الإرهابية التي تستهدف البعثة مصدر قلق بسبب انتشار الجهات الفاعلة الخبيثة في المنطقة المجاورة”.
– تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن سنة 2020 (الفقرتان 46، 56): “في منطقة مجيك الواقعة شرق الجدار الرملي، يبعث القلق عن وجود عمال غير قانونين في مناجم الذهب قدموا من مختلف أنحاء منطقة الساحل” و”ظل أفراد البعثة وعمليتها وأصولها عرضة للتهديدات المتصلة بالإرهاب والجريمة المنظمة، ولاسيما في المنطقة الصحراوية غير المأهولة والشاسعة الواقعة شرق الجدار الرملي، حيث تلتقي الدوريات البرية للبعثة مع الإرهابيين أو غيرهم من العناصر الإجرامية الذين ينتقلون عبر تلك المناطق”.
من خلال التقارير الأممية الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة يتبين بجلاء التهديدات الإرهابية الكامنة في المنطقة العازلة، سواء من خلال استغلال الثروات المعنية هناك أو عبر تنقلاتها الحرة في غياب أي مراقبة، وهو ما يهدد الأمن والسلم بالمنطقة بشكل عام والمغرب بشكل خاص.
فأمام التحركات الإرهابية والجريمة المنظمة المنفلتة من كل مراقبة داخل المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني، فللمغرب، وفق القانون الدولي، التحرك من أجل حماية أمنه واستقراره.
ثالثا: استثبات الأمن في المنطقة العازلة
من خلال المحورين السابقين، تستخلص فكرتان:
الأولى؛ أن الجدار الأمني بجوار المنطقة العازلة ليس شيئا ثابتا بل هو قابل للتحول والتطوير، والفكرة الثانية؛ أن الوضع الحالي القائم بالمنطقة العازلة يهدد السلم والأمن بالمنطقة بشكل عام ويهدد المغرب أيضا، مما يقتضي تمديد الجدار الرملي في ثلاث مستويات، بنفس المنهجية غير الهجومية ونفس المقاربة المدنية في المواقع الثلاث:
1. من منطقة المحبس إلى الحدود الموريتانية في المنطقة المسماة Gurdwârâ- المغاربة صحراء؛
2. من منطقة أمكالا مرورا ب مهيريز وصولا إلى الحدود الموريتانيا؛
3. من منطقة تيشلا إلى الحدود الموريتانية؛
هذه العمليات الثلاث التي لا تتطلب إلا أسبوعين لإنجازها، إذ لا تتجاوز المسافات كلها بعض الكيلومترات، تقتضي بالضرورة بناء علاقات قوية مع الجارة الموريتانية، علاقات عسكرية واقتصادية وسياسية.
تهدف الجدران الثلاث المقترحة كمرحلة أولى، الحد من تحركات الإرهابيين والمهربين وتجار الممنوعات، ومراقبتهم بشكل صارم، كما أنها تحد من تحركات عناصر البوليساريو الوافدة من تندوف، وتنهي بشكل مطلق الاسطوانة المشروخة “الأراضي المحررة”.