مريم التيجي تكتب: من “جميعا لنصرة غزة” إلى “تازة قبل غزة”
كنا نخرج في مسيرات مليونية لمساندة الشعوب العربية والشعوب المسلمة في قضاياها. ولم نكن نسأل عن مواقف الآخرين من قضايانا.
ببساطة لأننا في الغالب كنا نعتبر أن لا قضية لنا كشعب، وإن قضية الصحراء هي قضية “المخزن” أولا وأخيرا، ولا يعنينا من يوم 6نونبر إلا كونه يوم عطلة.
المواقف التي كانت تصدرها الأحزاب في بياناتها حول كل ماهو وطني كانت باردة وعسيرة الهضم، عكس مواقفها من قضايا “العروبة والإسلام”..
محطات قليلة تلك التي شعرت فيها أن روحا جماعية هبت بحماس، مثل ما جرى أثناء أحداث جزيرة ليلى..
لكن محطات التضامن اللامشروط مع اخواننا في الدم والعقيدة كانت حماسية وكثيرة ولافتة جدا..
مسيرة لمساندة العراق، ومسيرات ضد حصار العراق، َدروع بشرية تطوعت لتقدم نفسها فداء أمام الضربات العسكرية الأمريكية للعراق…
مسيرات ووقفات و مهرجانات خطابية وتبرعات مالية لدعم القضية الفلسطينية، القضية التي تحقق حولها إجماع مطلق..
نضالات بكل الأشكال والطرق لدعم غزة..
مسيرات غاضبة لرفض اتفاق أوسلو، وحين كان الفلسطينيون يحتفلون بغنيمتهم من الاتفاق: غزة وأريحا.. كان في المغرب سرادق عزاء مفتوح..
نضالات سلمية تضامنا مع شعوب كوسوفو.. الشيشان.. البلقان……
تبرعت النساء المغربيات بحليهن، وتبرع الطالب الفقير بجزء من منحته المجهرية آنذاك (650 درهم و10سنتيمات كل ثلاثة أشهر) لدعم مسلمي البوسنة والهرسك..
توحد الإسلاميون واليساريون ومناضلو كل الأحزاب المغربية في المسيرات المليونية وحملات التضامن التي لم تكن تتوقف خاصة في عقد التسعينات من القرن الماضي..
حضر الموقف الشعبي بقوة، ولم يهتم بالمواقف الرسمية بل كان يجابهها و َيرفضها بقوة في الشارع..
عندما كان الملك الراحل الحسن الثاني يناشد صدام حسين عام 1991 في خطاباته ويرجوه أن يخرج من الكويت، كان الشارع يسخر خفية من موقفه ويرفع صورة صدام عاليا في السماء، ويعتبر ما أقدم عليه بطولة..
عندما دافع الحسن الثاني عن المملكة العربية السعودية وقال عنهم في خطابه في عز أزمة الخليج “السعودية إخواننا، نحبهم ويحبوننا”..
هبت الجماهير الهادرة في الشوارع تصرخ “آل سعود الخونة.. لا نحبوهم لا يحبونا”
عندما القى الملك الشاب محمد السادس عام 2003خطابا بعد الغزو الأمريكي للعراق، وأعلن فيه تضامنه مع الشعب العراقي، وقرص أذن الشعب المغربي قرصة خفيفة معلنا أنه على الجميع التضامن أولا مع “قضية الوحدة الترابية” باعتبارها “القضية الوطنية الإولى”.. قليلون من انتبهوا لذلك الخطاب..
قليلون من كان يعنيهم موقف الآخرين من قضايانا..
كما كان ولا يزال مشاهيرنا يتكلمون لهجات الآخرين بطلاقة ويخجلون من لهجتهم، فيخفونها في غرفة الماكياج كما يخفون بثور وجوههم قبل أن يدلوا بأي تصريح تلفزيوني..
كان عامة الناس في شوارع المغرب يرفعون كل الصور وكل اللافتات، من صور تشي جيفارا إلى الراية الصفراء لحزب الله، ولا يرفعون العلم المغربي الا لأسباب تقنية، لكي تعرف الأقمار الاصطناعية وعدسات الصحفيين العالميين أين كانت تسير تلك المسيرات الهادرة و الاستثنائية..
كان هناك إجماع عجيب على قضايا خارج الحدود..
لكن المراقب لما يجري اليوم، يشعر ان تحولا كبيرا وقع..
انفرط الإجماع، وانطلق النقاش حتى حول القضية الفلسطينية المقدسة، ولأول مرة يكاد يعم شعور عام أن قضية الصحراء، ليست قضية الدولة، لكنها قضية الشعب أيضا..
قد يبدو هذا التحول عابرا، مرتبطا بالأحداث الكبرى الأخيرة في المنطقة، لكن في الحقيقة التحول عميق جدا وسيعصف بمسلمات، ويأتي بمسلمات، بل سيغير ملامح المنطقة ككل، ويغير قبلة صلاة شعوبها ربما إلى الأبد، وستمتد هذه التحولات لتصل إلى ليبيا شرقا، وتصبح قضايانا القديمة، ماهي إلا قضايا الشرق الأوسط، ولشمال إفريقيا قضاياها…