أسوأ عملية نصب… أن يبيعوا لك كتاباً سيئاً…!
لست خبيرا في شؤون القضاء، ولا أدعي فهم أكثر مما يفهمه عامة خلق الله حين تذاع بلاغات الداخلية التي تعلن القبض على إرهابيين محتملين.
أنصت كما الناس، وأتابع لحظات عرض مكان وأدوات الجريمة.
في الحقيقة، المحجوزات التي تتحدث عنها البلاغات عادة، لم تثر أي اهتمام خاص لدي منذ بدأت نشرات الأخبار في تغطية العمليات الخاصة بمكافحة الإرهاب.
من الأكيد أن كل رزمة أو زجاجة وضعتها الفرق الأمنية بجانب رقم أصفر فاقع صغير، إلا وتحمل أشياء خطيرة في تقدير المختصين.
بلا شك ولا تشكيك.
هو عمل شاق ومستمر. وهو كذلك ضروري وحيوي.
الخطر داهم ومتربص، عاينه المغاربة منذ أحداث أسني، وأحداث الدار البيضاء الدامية. أما وسائل التنفيذ، سهلة الاقتناء أحيانا، فرغم بساطتها، يمكن أن تتحول إلى أداة فتك وتدمير.
أنظر لكومة المسامير ويخترق ذهني صور أجساد أبرياء ممزقة الأوصال، فأستشعر همجية وعدوانية المجرمين.
تكررت العمليات الاستباقية بنجاح، وفي كل مرة نجا الوطن من الحاقدين والمتطرفين بفضل اليقظة والعمل الجاد للمصالح المختصة.
هذه المرة، تربع كتاب بين الأسلحة البيضاء والسوائل والمسامير ومساحيق مختلفة. وحمل، هو الأخر، رقما أصفرا مثل سائر المحجوزات.
قبل قرون، كتب المتنبي بيتا من أجمل ما قيل في الكتاب:
أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ
وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتابُ
وهنا بيت القصيد.
الكتاب المحجوز، إذن، ما هو إلا مارق خان وظيفته المقدسة وتحول إلى مسخ يحمل بين طياته صيحات الموت والكره والتقتيل.
خلال سنين مضت، أغرق تجار الدين البلد بكتب الحقد والتحريض على القتل، وجعلتها خطاباتهم المسمومة مراجع لتجنيد الأميين وأنصاف الأميين.
تغلغل الفكر الوهابي الهدام والمنافي لكل نواميس الإنسانية، من مبادئ تسامح عيش مشترك بين البشر أيا كان دينهم أو معتقداتهم.
العمليات الاستباقية تجنب البلد الكثير من المخاطر ولا شخص عاقل يمكن أن يقلل من جدواها وأهميتها، غير أن محاربة الإرهاب والتطرف تبدأ فعلا في المدرسة، وفي مناهج التكوين وبين رفوف المكتبات.
إن العقل المتدرب على التحليل والتمحيص، لن ينساق أبدا وراء ترهات وأكاذيب “كتاب” سام مثل الذي ظهر في عملية تطوان الأخيرة.
التعليم الجيد والثقافة المنفتحة، هما سلاح فعال ضد تجنيد الشباب غير المحصن، والتلاعب بعقيدته الدينية.
“أسوء عملية نصب هي أن يبيعوا لك كتاباً سيئاً.” كما كتب يوما ميخائيل نعيمة.
أما أسوء مستقبل، قد يكون في انتظار أي شعب توقف عن القراءة، وعن التفكير، فهو انتشار التطرف والظلامية.