هذا العنف الذي صار عندنا قاعدة….!
علينا، أولا، أن نصرح علنا أن العنف المنتشر بيننا ليس ظرفيا أو مفاجئا.
هو نتيجة موروث ثقافي لم تنجح المدرسة وقيم الحداثة وكل جمعيات حقوق الإنسان والحيوان في التخلص من رواسبه.
مفهوم التربية ينبني على الإكراه “الجيد”، حيث يبتعد الطفل تدريجيا عن سلوك طبيعي متسم بالأنانية والفوضى نحو نموذج ثقافي منظم واجتماعي. أما وسائل الاقناع فيجب حتما أن تكون سلمية وإنسانية.
تتذكر أجيال كثيرة حصص السلخ و الترهيب في المدارس، بمباركة ورضى الأهل.
تلك الحصص كانت أقرب إلى ترويض الحيوانات البرية منها إلى التعليم والتربية.
ولعل الدولة برمتها، في ذاك الحين، لم تكن تؤمن بفضيلة الحوار لحل الخلافات.
هكذا انتهى الأمر بكثيرين من خيرة أبناء الوطن، في زنازين التعذيب أو مباشرة في أحضان تراب المقابر.
التربية هي الضرب. والضرب هو التربية.
تلك هي المعادلة التقليدية.
أما الصور المتداولة لبعض الآباء والأمهات وهم منهمكون في كسر عظام أبنائهم، فلا تعدو أن تكون مجرد مرآة لمجتمع عنيف.
من كان دون خطيئة، فليرمي بالحجر الأول.
صورة الموظف المكلف بحفظ النظام وهو يصفع مواطنا مسالما، لا يحمل سلاحا، لمجرد التظاهر، لا تختلف في شيء عن فيديو الأم والأب والأخ وهم يجلدون طفلة بريئة.
لا عذر لمن يلجأ للعنف سوى ضعف شديد في وسائل التواصل وقناعة مكتسبة بجدوى “العصا” في حل الخلافات وتهذيب النفوس.
كان عبد الرحمن ابن خلدون محقا في وصفه لعلاقة السلطة بالبطش:
“إن حسن المُلك لدى السلطان يعود إلى الاعتدال، فإن كان السلطان قاهرا باطشا بالعقوبات شمل الرعية الخوف والذل، والتجؤوا إلى الكذب والمكر والخديعة، وإن كان رفيقا بهم متجاوزا عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به.”
أما عن الأبناء، فما يعلق في الذاكرة بعد مرور الأيام والسنين فهو كلمات الحب والحنان التي يغمرهم بها الوالدين، دون غيرها.
للمرة الألف، لم تخرج العصا من الجنة، بل جاءت من غياهب الجهيم ودهاليز أقبية التعذيب.
أما الجنة الحقيقية، فلا مكان فيها سوى للحب وللإنسانية.