صورتان… أما الوطن واحد، لا يباع ولا يشترى…!
في الصورة، صورتان.
الخيانة والنذالة، ثم الوطن والكرامة.
الأولى، لمن باع الوطن من أجل خلاف على منصب عمل وتعويضات تحسب دراهم وسنتيمات.
ثم وجد من يحتضنه ويشغله، ويصنع منه بطلا ضمن طابور خامس خفي.
كلما ارتفع غبار المعركة، وسمع الخائن صدى صوت الحوافر تدق الأرض دقا؛ وعلم، عن يقين، أن الوطن في مواجهة الخطر، خرج ليطعن في الظهر، وهو أمن عند من وفر له العمل والحماية والراتب السمين، وجواز سفر أحمر موعود.
الإسم إسمان: رضى وأديب.
ينسبان كذبا وبهتانا للرضى وللأدب.
وها قد التقيا في أضداد معناهما، عند السخط والعقوق.
الراضي غير راض. بل حاقد وجبان.
من شجاعة العرب، ومنهم الحسانيون أصلا وشهامة، أن يخوضوا المعارك من أجل ذويهم، وأن ينتقدوا العشيرة والوطن، وهم بين أحضان الوطن .
مهما كان الثمن.
أما الآخر أديب، فذنبه لا يغتفر.
على الأقل، في ساعة عهر وغدر، فلينزع بذلة دنس شرفها وتبرأت منه منذ سنين.
لا بد أنه نسي أن بذلته استحقها يوم أقسم أمام الله أن يكون مخلصا للأرض ولأصحابها.
هما اثنان جمعهما غشي البصيرة وموت العزة والوطنية، إذن.
أما الوطن فواحد، لا يباع ولا يشترى.
قد تكون إدارة ما، حين كانا هنا بيننا، قد أساءت إليهما. وقد تكون قضيتهما، في الأصل، تستحق نظرة ثانية، غير أنهما الآن نصبا نفسيهما عميلان و خائنان، بلا رجعة.
أما الصورة الثانية، فموجعة بلا حدود…
هي صفعة ظالمة ومهينة على خد ممرض يتظاهر وفق حقوق وطنية ثابتة وشرعية، صفعة على خد جندي من الصفوف الأولى في مواجهة خطر كورونا الداهم.
أغضبت من يمضون نهارهم، مكممين مخنوقين، في مهمة لا تنتهي، هي إنقاذ ما أمكن من أرواح يحاول الفيروس جرها جرا نحو الموت.
حين امتدت يد الإرهاب الوسخة الى المدرس الفرنسي صموئيل باتي، خرجت كل فرنسا واحتجت واعتبرت أن باتي المدرس هو الدولة.
وقف في جنازته العسكرية المهيبة، كبار الجنرالات ورجال الدولة، يؤدون تحية عسكرية للمعلم، باني الوطن.
ليس علينا أن ننتظر أن يذبح المعلم والممرض والطبيب لمعاملتهم بالتقدير الواجب لهم وللوطن.
الطريق سالك نحو موريتانيا.
لم يصفع الجنود المغاربة أحدا، ولا صوبوا البنادق نحو مدني أعزل أيا كان.
هكذا كان، وهكذا تربح المعركة.
أما من يرتدي زيا عسكريا في شوارع العاصمة لصفع الممرضين والأطباء وسحل الأساتذة، حين يقفون داخل الوطن، ليشكوا حالهم للوطن، لا لغيره، فلا يستحق أبدا تلك البذلة.
هؤلاء هم الوطن.
كل من يشتغل وينتج ويحرس، ويطالب بالحقوق، لا بالامتيازات، هو الوطن.
لا عزاء للخونة.
وتقدير بلا حدود للممرضين والأطباء والأساتذة والجنود والشرطة وكل الموظفين الساهرين على أن يبقى الوطن شامخا.
أما صاحب الصفعة، فقد وضعها على خد الوطن، وعليه أن يعتذر منا كلنا، بلا استثناء، وبكل استعجال.