رسالة إلى صديقي صلاح الوديع: لماذا أنا مع إعدام قتلة الأطفال؟
صديقي العزيز صلاح،
لم يكن إعلاني عن موقفي من تنفيذ عقوبة الإعدام في حق قتلة الأطفال بعد اغتصابهم، ناتجا عن “حمأة التعبير عن استنكارك للجريمة النكراء التي هزت المغاربة قاطبة وذهب ضحيتها الطفل الراحل عدنان في طنجة”. هي قناعة شكلتها وحشية الجرائم في حق أطفال لسوء حظهم أن أصوات الحقوقيين تعلو على صرخات الضحايا ونواح الثكالى. وتدوينتي هي صرخة في وجه حماة المجرمين والمدافعين عن حقهم في الحياة: أية حلول تقدمون لإنقاذ أرواح الأطفال التي يسلبها المجرمون يوميا؟ المجتمع بحاجة إلى حلول آنية ومستعجلة وليس إلى تنظيرات طوباوية.
صديقي،
اسمح لي أن أختلف معك بكل احترام، “فالاختلاف لا يفسد للود قضية”. إن الدفاع عن موقف إلغاء عقوبة الإعدام بكون 144 دولة تخلت أو أوقفت تنفيذه يبقى مسألة فيها نظر من زاوية أخرى يتغافلها الحقوقيون على اعتبار أن مجموع هذه الدول لا يمثل في أحسن الحالات سوى 40% من شعوب الأرض، في حين أن غالبية هذه الشعوب، أي 60% تطبق عقوبة الإعدام (شعب الهند وحدها يفوق كل شعوب أوربا عددا). فلكل معياره وحجته.
ولعلمك صديقي، أن اعتماد عقوبة الإعدام لا ينقص من تمدّن وتحضّر الشعوب، كما أن إلغاءه لا يزيد من تحضرها. فشعوب الصين واليابان وماليزيا واندونيسيا وكوريا الشمالية مشهود لها عالميا بسمو الأخلاق وبالتشبع بقيم الاحترام والانضباط والالتزام والجدية في العمل. ورغم أن اليابان من الدول الصناعية الكبرى، فهي لازالت تتمسك بتنفيذ عقوبة الإعدام استجابة للاتجاه العام للشعب الياباني الذي يؤيد عقوبة الإعدام بنسبة 80.3 % حسب استطلاع للرأي أجراه مكتب مجلس الوزراء على الصعيد الوطني في نونبر 2014.
ولا يخفى عليك صديقي أن أكبر الديمقراطيات في العالم من حيث السكان وهي الهند، كانت ألغت عقوبة الإعدام فأعادت تطبيقها؛ بل وسّعت من تطبيقها لما تبين لها أن إلغاء الإعدام أدى إلى ارتفاع الجريمة وتوحش المجرمين (الهند أعادت العمل بعقوبة الإعدام عقب اغتصاب فتاة داخل حافلة من طرف 4 وحوش آدمية ثم رموا بها من الحافلة وهي تسير بسرعة ما أدى إلى وفاتها بعد أسبوع في المستشفى في عام 2012).
اسمح لي صديقي أن أناقشك في مضامين رسالتك بكل محبة. كل الحقوقيين، وأنت منهم صديقي، تتعمدون إخفاء بشاعة الجرائم الوحشية في حق الضحايا من الأطفال والنساء، بينما تركزون على ضحايا الجرائم السياسية وصور تعذيبهم. فأنتم تساوون بين المجرم المتوحش قاتل الأطفال وبين المناضل السياسي لتجعلوا من الدولة “كائنا شريرا” في كل الأحوال، ومن المجرمين المتوحشين “ضحايا شرور” الدولة. لا يا صديقي. فالمجرم مجرم اعتدى على الدولة ليمارس وحشيته على الضحايا، بينما المناضل مناضل يواجه الدولة ليدافع عن حقوق ضحاياها. لهذا صديقي العزيز، وأنت تتجول في متحف “براغ” تألمت لمعاناة ضحايا “الدولة الشريرة” واستحضرت صور التعذيب، لكن لم تسأل نفسك ماذا لو أقيمت متاحف لضحايا المجرمين المغتصبين وأدوات وطرق إمعانهم في تعذيب ضحاياهم من الأطفال والطفلات والفتيات والنساء. كان أحرى بمن يتألم حد الغثيان أن يتعاطف مع ضحايا الاغتصاب والاختطاف والقتل لا لذنب ارتكبوه فقط لأنهم أطفال وفتيات ونساء لا يملكن الحيلة والوسيلة للدفاع عن النفس والإفلات من قبضة مجرمين متوحشين لم تعد تربطهم بالبشرية غير هيآتهم الجسدية. ألم تستحضر مدى آلام فتاة سلا وبشاعة جريمة قتلها حين قرر المجرمان قتلها وتقطيعها إلى جزأين ثم رميا كل جزء في مكان يبعد عن الآخر، أو تلك الفتاة الضحية بمدينة سلا والتي قتلها المجرم المجرد من كل إنسانية ورحمة ثم قطعها بمنشار إلى أجزاء تخلص منها بين مدينتي الرباط ومراكش سنة 2016؛ أو المرحومة فاطمة ريحان التي ذبحها الراعي المجرم وفصل رأسها عن جسها.. ومئات ضحايا الاغتصاب والقتل اللاتي لا أستطيع وصف طرق التعذيب ووسائل الاغتصاب والقتل.
أنت صديقي تطلب مني أن أتصور (حيثياتِ الحكم ثم تصورْ تفاصيل تنفيذه كما تشهد على ذلك الوثائق القضائية الموجودة في أرشيف فرنسا) وتستشهد بما كتبه ميشيل فوكو عن تفاصيل تعذيب “دميان” (Damien) المتهم والمُدان في جريمة محاولة اغتيال الملك لويس الخامس عشر بفرنسا بباريس شهر مارس 1757، وبدوري أطلب منك: تصور المجرمين وهم ينقضون على الضحية البريئة من باب المنزل أو من داخله أو من باب المدرسة أو في الطريق إليها ثم يأتون بها إلى وكرهم بين الأشجار أو داخل مغارة أو حتى في منزل. لماذا لا تستحضر دموع الضحايا ودماءهم وأشلاءهم تأكلها النار. لن أسرد عليك ما جرى لحظة اختطاف نعيمة بنت زاكورة ثم طريقة قتلها أو لحظة اختطاف الطفلة شيماء الجزائرية ثم اغتصابها وقتلها ثم إحراقها إلى أن تفحمت جثتها.
هل تعلم صديقي لا واحد من الحقوقيين أو الكتاب والمؤلفين العالميين أفرد لضحايا الاغتصاب والقتل ولو نصف صفحة أو ربعها يصف فيها وحشية الجريمة ومبلغ الألم من شدة التعذيب، بينما خصوا المحكومين بالإعدام بمؤلفات وروايات عديدة؟ الذين كتبوا عن الإعدام وصفوا حياة المحكومين به في زنزانات الإعدام ولم يصفوا معاناة الضحايا لحظة الاختطاف والاغتصاب والقتل، لأن المحكوم بالإعدام في مكان معلوم يراه الناس ويسمعونه، بينما الضحايا حين الاختطاف والاغتصاب يكونون في مكان مجهول لا يسمع أنينهم ولا يرى دموعهم ولا نزيف دماءهم أحد.
دعني أفصح لك عن السبب: الكتابة عن ضحايا الاغتصاب وإسماع أصواتهم/ن تئن من شد التعذيب يفسد الوليمة الحقوقية ويصيب تجارتها بالبوار والكساد. فكل الهيئات الحقوقية، دولية ومحلية، ديدنها إلغاء عقوبة الإعدام من قوانين الدول وتشريعاتها الجنائية، بينما تضرب صفحا عن بقية أشكال الإعدام وأبشعها التي يقترفها المجرمون وكأن الحق في الحياة موقوف على المجرمين. فمن يدافع عن حق الضحايا في الحياة وفي السلامة الجسدية؟؟ لا تقل لي صديقي الحق في الحياة مقدس وليس من حق الدولة أن تسلبه من أي كان. فلماذا توجد الدولة إذن؟ وما وظيفتها؟ إن حصر العقاب في حق المجرمين المغتصبين القتلة على سلب الحرية هو مكافأة لهم ومنحهم فرصا أخرى لارتكاب نفس الجرائم أو أبشع منها. أكيد تعلم بحالات العود في جرائم الاغتصاب والقتل رغم صدور أحكام الإعدام في حقهم. لما تنازل الناس عن حرياتهم وحقوقهم المطلقة لفائدة الدولة فإنما كان بغاية أن تتولى احتكار العنف والحق في ممارسته ضد من يهدد حقوق وحريات وأمن الآخرين.
صديقي العزيز، وأنت تصادر على المطلوب بسؤالك لي (هل كنت تقبل شخصيا أن تزهق روح أحد ولو تطبيقا لحكم صادر عن محكمة؟ جوابك يهمني .. صديقي العزيز، كنت أنتظر منك أن تسألني بصيغة مغايرة “هل كنت تقبل شخصيا أن تخطف طفلة وتغتصبها ثم تسلب روحها؟ أكيد لن تسألني هذا السؤال ليس لأنك موقن من أني لن أفعل، ولكن لأنك اخترت استدرار الرحمة والتعاطف مع مغتصبي وقتلة الأطفال، ولعل الفرق بين ميشيل فوكو وبين صلاح الوديع، أن فوكو تعاطف مع محكوم بالإعدام في قضية سياسية وهي محاولة قتل الملك، وهذا أمر طبيعي لأنه تعبير عن نظرة تستلهم فلسفة الأنوار وتتشبع بالقيم الديمقراطية، بحيث غدا “المجرم السياسي” يحظى بالتعاطف ويستحق الرأفة لأنه يسعى إلى المصلحة العامة ؛بينما أنت صديقي ساويت بين “الجرائم” السياسية وبين الجرائم الجنائية الوحشية التي تزهق الأرواح وترهب المواطنين وتهدد الأمن العام. ومن أجل صرف النظر عن بشاعة الجرائم التي يقترفها مغتصبو الأطفال وقتلتهم، استفضت في وصف ضحايا الجرائم السياسية وأصناف التعذيب عبر التاريخ وعند الأمم، غايتك من كل هذا خلق حالة من التعاطف مع المحكومين بالإعدام في مثل هذه الجرائم عبر توصيف بشاعة التعذيب و”شيطنة” من يتولاه وينفذه. إني يا صديقي لست من دعاة التعذيب، بل من مناهضيه، ولست أدري أآخذ برأيك أم برأي الحقوقيين الذين يعتبرون تنفيذ حكم الإعدام في حق المجرم المغتصِب والقاتل هو “رحمة له” من عذاب السجن ومعاناته داخل الزنزانة؛ وأنت نفسك أقررت بهذه المعاناة (وللذين يستسهلون الحرمان من الحرية، لا أتمنى لهم يوما واحدا وراء القضبان).لو احتكمنا إلى نفس المنطق سيكون الإعدام “رحمة” للمجرم الوحشي وإراحة له بينما السجن تعذيب له.
صديقي، عن أية إنسانية تخشى أن “نُفرّط فيها” باعتماد عقوبة الإعدام في حق المجرمين القتلة؟ فأنت إما تتحدث عن “إنسانية” تفيض رحمة ورأفة وتعاطفا مع المجرمين المغتصبين القتلة، وهذا هو الثابت لديك وعموم مناهضي عقوبة الإعدام؛ أما إنسانية المواطنين المسالمين ضحايا الاغتصاب والقتل وأهاليهم فما أعتقد قلوب مناهضي عقوبة الإعدام تخفق بها. فالأحق والأولى بالتعاطف والإنسانية هم الضحايا لا الجناة. هل تعلم صديقي مدى ما يشعر به أهل الضحايا من غبن وظلم لما يعلمون أن ظروف عيش وإقامة قتلة أطفالهم داخل السجون أفضل من ظروفهم هم الذين يكدون ويشقون ويتعبون من أجل لقمة عيش لا يصلونها إلا بشق الأنفس؟ أليس من حق ذوي الحقوق الذين فقدوا فلذات أكبادهم أن “يستكثروا الأكل والمأوى” على من سلبوهم منهم إلى الأبد؟؟ أتستكثر عليهم حتى مشاعر الامتعاض والحنق من وضعية وجدوا فيها أنفسهم يوفرون الغذاء والمأوى لقتلة أبنائهم؟؟ فكيف تقنع صاحب مقهى أرڴانة بالعدل وجزء من الضرائب التي يؤدي يخصص لضمان المأوى والمأكل لمن فجّر مقهاه وأغلق باب رزقه شهورا عديدة وقتل 17 ضحية من روادها؟ كيف تطمئن أب الطفل عدنان بالإنصاف وهو يفقد ابنه بينما قاتله يستفيد من المأوى والمأكل وحتى الدراسة مجانا داخل السجن، وسيحصل على شهادة الدكتوراه تسمح له فيما بعد بالاستفادة من العفو ؟ هل تساءل الحقوقيون عن مصير أبناء ضحايا الاغتصاب والقتل ومن يعيلهم؟ تشمئز صديقي ممن يستكثر الأكل والمأوى على الوحوش الآدمية لكنك لم تستحضر، وأنت تخط اشمئزازك، وضعية الطفلة عائشة بنت الضحية المرحومة فاطمة ريحان التي كانت معيلتها الوحيدة وتركتها لجد معدَم يعاني أخطر أنواع الأمراض. هل يمكن لمناهضي عقوبة الإعدام أن يخصصوا دعما ماليا قارا لهذه الفتاة ولذوي الحقوق الذين كان الضحايا يعيلونهم؟ قد تقول لي وهل تنفيذ عقوبة الإعدام سيوفر لأبناء الضحايا المأوى والمأكل ؟ سأجيبك بنعم العريضة. فما ترصده الدولة من أموال لضمان المأوى والمأكل والعلاج والدراسة للمجرمين المحكومين بالإعدام ، تحوله لفائدة أبناء الضحايا.
صديقي صلاح ، الذين يطالبون بتنفيذ عقوبة الإعدام ليسوا هم الدولة ولا جهاز من أجهزتها، هم مواطنون عاديون تنازلوا للدولة عن حرياتهم المطلقة لتتولى حمايتهم من عنف الآخرين، لا يطلبون غير العدل في حالة تم الاعتداء عليهم .وأن تنفّذ الدولة عقوبة الإعدام في حق قتلة ومغتصبي الأطفال هو العدل بالنسبة للمجتمع المغربي . فالعدل مفهوم نسبي يختلف باختلاف البيئات الاجتماعية والثقافية.أما استشهادك بما كتب الأستاذ أحمد عصيد من كون المناطق الأمازيغية لم تعرف العقوبات الجسدية، فلا يمكن أن يصمد اليوم أمام استفحال الجرائم وتنوعها. فالمناطق الأمازيغية لم تكن تعرف جرائم اختطاف الأطفال واغتصابهم ثم قتلهم ، لهذا لم تكن بحاجة إلى العقوبات الجسدية .الوضع اليوم مختلف ولا أعتقد أن الأمازيغ اليوم يرضون بغير العقوبات الجسدية في حق من يغتصب أبناءهم ونساءهم.
اسمح لي صديقي أن أناقشك في بعض ردودك عن مبررات اعتماد عقوبة الإعدام:
بخصوص الجواب عن المبرر 1: (لم يثبت لحد اليوم أن الحكم بالإعدام في أي مجتمع يشكل رادعا للجريمة، بل هناك بلدان قامت بإلغائه فتراجعت الجريمة…) دعني أحيطك علما بأن صحيفة يو أس أي توداي الأميركية نشرت في عددها الصادر يوم 9 دجنبر 2009، دراسة أشرف عليها عالم الاجتماع كينيث لاند تحت عنوان “هل عقوبة الإعدام تنقذ الأرواح؟” ركزت على حالات الإعدام التي شهدتها تكساس خلال الفترة من 1994 إلى 2005 وعلى الجرائم التي وقعت لاحقا. فعلى مدى أربعة عقود من البحث وتتبع معدلات الجريمة بولاية تكساس التي كانت قد شهدت منذ العام 1973 حوالي ثلث حالات الإعدام التي تمت على صعيد الولايات المتحدة ككل، خلصت الدراسة إلى تنفيذ أحكام الإعدام قلل من جرائم القتل بنسبة النصف خلال العام الموالي للشروع بتنفيذ حكم الإعدام. كما تعرف اليابان انخفاضا متواصلا في معدلات الجريمة للعام الخامس عشر على التوالي.
بالمقابل، دعني أسالك صديقي: هل اختفت أو انخفضت بشكل ملموس جرائم الاغتصاب في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام؟ دعني أقدم لك أمثلة عن الدول التي يضرب بها الحقوقيون الأمثلة في نجاعة منظومتها الجنائية: الإحصائيات والتقارير التي تقدمها هيآت حكومية ومنظمات غير حكومية حول معدل الجريمة، وخاصة جرائم الاغتصاب، تؤكد أن عددا مهما من الدول، وخاصة الأوربية، التي ألغت عقوبة الإعدام تحتل المراتب المتقدمة من حيث ارتفاع نسبة الجريمة مثل بريطانيا ، بلجيكا والدول الإسكندنافية. ففي بريطانيا، وحسب تقارير رسمية لسنة 2015، تم تسجيل نسبة 130 جريمة جنسية في كل مائة ألف نسمة، السويد 120 ،بلجيكا 66. ففي بريطانيا تزايدت جرائم الاغتصاب أربعة أضعاف في 7 سنوات؛ بحيث انتقلت من 16 ألف جريمة سنة 2013 إلى 20 ألف سنة 2014، ثم صعد الرقم إلى 29 ألف سنة 2014 وواصل الصعود ليصل أكثر من 35 ألف سنة 2015 ثم 41 ألف سنة 2016 ليقفز إلى 54 ألف سنة 2017.
وفي تقرير لأمنيستي في أبريل 2019 جاء فيه (كل عام، يقع حوالي 50000 امرأة ضحية للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب، في فنلندا. ومعظم مرتكبي هذه الأفعال لم يقدموا قط إلى العدالة. في عام 2017، تم إدانة 209 فقط بتهمة الاغتصاب.)
لعلمك صديقي أن السويد وأستراليا وبلجيكا ضمن قائمة لأعلى 11 دولة في معدل جرائم الاغتصاب حول العالم لعام 2018. القائمة نشرها موقع “trendrr”، المختص بعرض قوائم الصدارة العالمية في مختلف الأصعدة، استنادا إلى إحصاءات لمراكز ومنظمات بحثية محلية ودولية. حيث احتلت جنوب إفريقيا المركز الأول في معدلات جرائم الاغتصاب في العالم بمعدل 127.6 حادثة لكل 100 ألف مواطن، وتأتي السويد في المرتبة الرابعة عالميًا من حيث الدول التي تتصدر معدلات جرائم الاغتصاب، والأولى أوروبيًا وغربيًا، بواقع 64 حالة اعتداء جنسي لكل 100 ألف شخص.
واللافت في الأمر أن السويد تعد واحدة من الدول الأكثر تقدما في العالم، ورغم ذلك، تتعرض كل واحدة من بين 3 سويديات إلى الاعتداء الجنسي بعد مرحلة المراهقة.
في 2008، بلغ معدل حالات الاغتصاب التي تم إبلاغ الشرطة البلجيكية عنها 26.3 لكل 100 ألف نسمة، وفق بيانات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة .إلا أن تلك الحوادث أخذت في التصاعد في السنوات الأخيرة، ووصلت عند 27.9 حالة اغتصاب لكل 100 ألف من السكان.
أما الدول الإسكندنافية عزيزي صلاح، ووفقا لتقارير أمنيستي، فتعرف معدلات مرتفعة لجرائم الاغتصاب.
وبحسب التقرير الذي نشرته المنظمة، في أبريل 2019، حول ما تشهده البلدان الاسكندنافية الأربعة؛ الدنمارك، فنلندا، النرويج والسويد من انتهاكات جنسية: فإن “من المفارقات أن بلدان الشمال الأوروبي، التي تتمتع بتاريخ حافل في مجال دعم المساواة بين الجنسين، تعاني من معدلات عالية (نسبياً) للاغتصاب على نحو يثير الكثير من الاهتمام”. فهل هذه المجتمعات تعاني من الفقر والتهميش والهشاشة والأمية والجهل؟
هل تعلم صديقي أن القضاء السويدي أدان، في شتنبر 2018، جان- كلود أرنو، الشخصية الثقافية المرموقة في السويد وزوج العضو في الأكاديمية السويدية التي تمنح جائزة نوبل في الأدب بالسجن عامين بتهمة اغتصاب شابة مرتين في منزله في ستوكهولم، في أكتوبر ثم في ديسمبر من العام 2011. فيما 18 سيدة أكدن أنهن تعرضن لعنف أو تحرش جنسي من طرف هذه الشخصية “المرموقة” وهي في 72 من عمرها.
بالجملة، ولأني شبه متيقن من أنك صديقي وكل الذين يناهضون عقوبة الإعدام تتغافلون عن حقائق مهمة لأنها لا تخدم مواقفكم، أضع بين يديك للتأمل شهادة السيد كومي نايدو، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية: “من المفارقات أن بلدان الشمال الأوروبي التي لديها سجلات قوية في مجال المساواة بين الجنسين لديها معدلات الاغتصاب مروعة “.
2 ــ بخصوص ردك عن إنزال العقاب بالمجرم: “نعم للعقاب، لكن كيف تعاقب من أنت تلغيه؟” العقوبات درجات ويتوخى منها المشرع تحقيق أهداف تبعا لنوع وخطورة الجريمة. فهي إما إعادة تأهيل وتربية المجرم، أو حماية المجتمع من خطورته. وعقوبة الإعدام هي ليست انتقاما بقدر ما هي تحييد لخطر شديد يتهدد أرواح الأبرياء وأمنهم . فهي بمثابة عملية بتر عضو يشكل تهديدا مباشرا لسلامة وصحة وحياة الجسد/المجتمع. إنها عملية الدفاع عن النفس، وهي هنا النفس الجماعية ، التي أوكلت للدولة مسؤولية حمايتها والدفاع عنها.
3 ــ بخصوص ردك عن إشفاء غليل عائلة الضحية، أؤكد لك أن الأمر لا يتعلق بالسعي إلى إحياء قانون حمو رابي، بل يتعلق بطمأنة المجتمع على أمنه وسلامته من خطر الاغتصاب والقتل. وتوفير الحماية حق من حقوق الإنسان وواجب على الدولة.
4 ــ بخصوص ردك عن حماية المجتمع من الجريمة وإقرار العدل، فما تطرحه صديقي مهم لكن يحتاج مدى زمنيا مهما يعد بالعقود يكون المجتمع قد فقد آلاف الأبرياء على يد المجرمين المتوحشين.
لذا سيكون مفيدا الاشتغال على مسارين: الأول تنفيذ عقوبة الإعدام في حق الوحوش الآدمية مع إخضاع هذا المسار للتجربة عبر دراسة ومراقبة تطور معدلات الجريمة على مدى عقد واحد من الزمن؛ فإن مال المنحنى إلى الانخفاض، سيدرك الجميع نجاعة عقوبة الإعدام في حماية المجتمع وردع المجرمين، وإن حافظت الجريمة على معدلاتها المرتفعة نلغي حينها هذه العقوبة .المسار الثاني ويتعلق بالمنظومة التربوية والجنائية والثقافية والأمنية للوقاية من الجريمة .وهذا يتطلب عملا متواصلا وزمنا ليس هينا. فالمجرمون كالسرطان، منهم من ينفع معه العلاج ومنهم من لا ينفع معهم غير البتر. وحين قرر المجتمع الهندي والياباني إعمال عقوبة الإعدام لم يكن بالنسبة له، كما تصورته صديقي (حل زائف ومريح لكسلنا الفكري والوجداني تجاه مسؤولياتنا الفردية إزاء معضلات من هذا النوع. وهو كذلك تهرب من تحليل أسباب الجريمة ودوافعها)، بل إن 80.3 % من اليابانيين يرون أن عقوبة الإعدام عدل وحماية للمجتمع ، ولا أعتقد أنهم أقل “إنسانية” من الحقوقيين أو في حاجة إلى دروس في الإنسانية.
ولذلك قيل قديما، من أمن العقوبة أساء الأدب، وبلا شك أن قوة القانون من حيث الفكرة ومن حيث التطبيق هما عاملان أساسيان في تغيير وتحديث طبائع الشعوب لتكون أقل عدوانية وأكثر اعتدالا ومثالية. ومن أكثر الأمثلة الحديثة على ذلك؛ قانون التحكم في الجريمة وفرض القانونViolent Crime Control and law Enforcement Act في أمريكا، الذي أقر في عام 1994، حيث في السنة الأولى من صدور القانون انخفضت جرائم العنف بنسبة أكثر من 60 في المائة من العام السابق! حسب تقارير وزارة العدل الأمريكية، فالناس هم أنفسهم لم يتغيروا في أمريكا، ولكن أفكار وهيكلة القانون القوية مع تطبيقه الجيد أدت إلى انخفاض الجريمة بشكل كبير.
مع صادق المحبة التي تجمعنا.