كرونيك

… وفي الرباط، متعة الزج بالناس داخل متاهات الشوارع والأزقة….!

في العالم الأزرق، البعض يكتب وينشر الشرائط والصور، بينما يقرأ البعض الأخر ويشاهد، ثم يعلق بكل أريحية.

لا أشك أبدا أن جميع رواد الفضاء الأزرق يعرفون أن التعاليق، في أحيان كثيرة، أكثر متعة وإبداعا من النص أو الصورة الأصلية.

أقصد رواد فضاء المواقع الاجتماعية طبعا، ولا أقصد رواد الفضاء الخارجي المزين بالنجوم وبالكواكب.

صدفة، عثرت على مقطع فيديو يخص حادثة احتراق محرك سيارة في أحد شوارع الرباط.

يبدو الحادث عاديا، ومرشحا أن يتكرر في أي مكان فوق الأرض.

في التعاليق، أبدع الرواد في قاموس الشتم والتنكيل بساكنة المدينة.

حافظ الشاتمون المحترمون على أصول فن شتم الرباط.

فالفعل فن يستدعي المهارة والتخصص.

استهل الشاتمون بطلعة واجبة، وتذكير لا بد منه، يخص إصرار الرباطيين على إرشاد الناس نحو أماكن مجهولة وعناوين خاطئة، حتى صار سؤالهم مغامرة غير محسوبة العواقب.

بعد تفكير عميق، قد يكون للأمر أيضا فوائد متعددة، فيفتح آفاق جديدة في حياة السائل عن وجهة ما، ليجد  نفسه في مكان غير ما كان  يقصد وتتغير حياته ليصبح إنسانا أفضل.

كما أن متعة الزج بالناس داخل متاهات الشوارع والأزقة، ربما تكون موروثا رومانيا قديما، صار تقليدا لسكان العاصمة، واستوطن  عقولهم كما استوطنت قلعة شالة الرومانية الجميلة هضبة أبي رقراق.

بعد الطلعة المتاهية، نسبة للمتاهة، ينتقل السب ليشمل جبن أهل الرباط وضعف إقدامهم أمام المخاطر إسوة بسكان البقاع البعيدة الأشاوس الشجعان.

ولا محيد هنا لذكر أفضال الوافدين على مضض للدراسة أو العمل، على هذه الحاضرة وسكانها الجبناء، لولا يقظتهم وشهامتهم، لحلت الكارثة بأبناء وبنات العاصمة.

وكما تقتضيه أصول الحرفة، وجريا على عادة العارفين بأصول فن الشتم والتعليق المهين، لا بد من ختمة محترمة.

تشتهر ختمة حصة الشتم المهداة للرباط، بمقاطع وصف دقيق وعلمي لتعاسة وملل مدينة الأنوار.

يصر الشاتم بكل ثقة على فراغ المدينة من عنصر البهجة و التشويق والإثارة، لسبب مبهم لا يذكره أبدا، رغم وجود المتاحف الرائعة والحدائق والمنتزهات الكبيرة  والمسارح ودور العرض والملاهي وأشياء أخرى.

بعد أن انهيت حصة قراءة ممتعة لكل التعاليق، انخرطت مبتهجا في الجوقة القشيبة طمعا في إغناء النقاش، أضفت أن الجو رمادي وقاتم  بالمدينة، والبحر هائج ومالح، وأن أزقة السويقة مكتظة بلا فائدة، وأن أصحاب الرباط يبالغون في التهام المعقودة وشوايات السردين المملح، ويكثرون من التجول مساء في شوارع أكدال وقيساريات يعقوب المنصور، ويحرجون الشمس أيما إحراج، حين يقفون بكل إجلال ليراقبوها تغرب داخل المحيط الأطلسي، بعدما تخلصت من منظر مدينتهم المسكينة.

استسمحت الكبير محمود درويش، ثم لجأت مستشهدا بشعر كتبه هو عن الرباط يوما ما.

“في مدينة الرباط،

المرفوعةِ على أمواج الأطلسي العالية، يمشي الشاعرُ على الشارع

بحثاً عن مُصَادَفَة المعنى وعن معنى المصادفة.

يعرف النخيل جيّداً،

ويسأل المارة عن أسماء الأشجار الأخرى، حاملةِ الجَمْر،

دون أن يحصل على جواب واحد،

كما لو أَن الشجر وجهةُ نظر أو استعارة.”

لا جديد لي لأضيفه في محضر الشتم والغزل هذا، سوى اعتراف خجول بحب مدينة مشاكسة دوما، مثيرة للغضب وللقلق ومفتوحة على كل التعاليق وعلى كل قادم نحو إداراتها المستفزة، صباح كل إثنين، دون أن يلتفت إلى النهر وللبحر، وإلى الجمال والتاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock