وزير إهمال حقوق الإنسان
بعد سبات حلزوني عميق خرج الوزير المكلف بحقوق الإنسان ببلاغ مقتضب يعلن فيه أن “وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان (تابعت) الجرائم الخطيرة والبشعة التي تعرض لها بعض الأطفال، في الآونة الأخيرة، والتي اهتز لها الرأي العام بقوة رافضا ومستنكرا، ومطالبًا بمعاقبة الجناة، ووضع حد لهذه الجرائم التي تستهدف فئة اجتماعية هشة”؛ وأن “وزارة الدولة قررت تنظيم لقاءات تشاورية مع القطاعات الحكومية والمؤسسات والهيئات المختصة، من أجل تدارس الحصيلة الوطنية في مجال حماية حقوق الطفل وآليات ووسائل الحماية والوقاية من الانتهاكات والنواقص”.
ويمكن إبداء الملاحظات التالية حول البلاغ:
1 ــ إن الوزارة لم تتفاعل مع جرائم اختطاف الأطفال واغتصابهم وقتلهم ،وهي الجرائم التي من المفروض أن تستنفر كل القطاعات الحكومية لخطورتها على الأمن العام وثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وتشريعاها، بل اكتفت بالتفرج بعيدا عن الفعل والمبادرة والتنبيه إلى خطورة الجرائم في إشاعة حالة من الهلع وسط الأسر خوفا على أبنائها. وزارة بهذا الحجم تكتفي بالتتبع وكأنها تتابع أطوار مباراة المصارعة.
2 ــ إن البلاغ صدر تحت ضغط الرأي العام الذي “اهتز” للجرائم “رافضا ومستنكرا ومطالبا بمعاقبة الجناة”، ومن ثم فهو عبارة عن ردة فعل لامتصاص غضب الرأي العام والتكفير عن خطيئة “السبات” التي أكدت له (=الرأي العام) أن الوزارة، في عهد مصطفى الرميد، أبعد ما يكون عن حقوق الإنسان لأسباب إيديولوجية وعقدية ؛ بل جعل منها “ديكورا” يزيّن التشكيلة الحكومية.
3 ــ إن البلاغ يثبت سلبية الوزارة في الاضطلاع بمسؤولياتها الدستورية والحكومية من حيث “كونها قررت تنظيم لقاءات تشاورية مع القطاعات الحكومية والمؤسسات والهيئات المختصة”، كما لو أن الأمر يتعلق بحوادث طارئة وليس بظاهرة خطيرة صارت تقض مضجع الأسر وتهدد الأمن العام. لم يعد المجال مجال فتح المشاورات وصرف المال العام على تنظيم لقاءات اللغو فيما أرواح الأطفال تزهق يوميا، بل صار يستوجب سرعة الفعل والتدخل. إذ المفروض أن يكون لدى الوزارة تصور واضح عن هذه الظاهرة بالاعتماد على مرافعات الجمعيات والهيئات الحقوقية المشتغلة في الميدان وكذا الإحصائيات المتوفرة.
4 ــ إن الوزارة أخلت بالمسؤوليات التي أناطها بها المرسوم الخاص باختصاصاتها الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6567، ومنها ” إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي والإنساني.” إضافة إلى “اقتراح كل تدبير يهدف إلى ضمان دخول الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي يكون المغرب طرفاً فيها حيز التنفيذ”. فماذا أعد الوزير منذ تحمله مسؤولية هذه الوزارة من خطط ومشاريع قوانين في مجال حماية حقوق الأطفال؟ أما الدعوة إلى عقد لقاءات تشاورية فتدل على أن الوزير بالكاد استيقظ من سباته الحلزوني وليس في حقيبته ما يقدمه لرئيس الحكومة من اقتراحات وتدابير مستعجلة لمواجهة جرائم اختطاف واغتصاب الأطفال وقتلهم.
إن عجز الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان عن القيام بالمهام المسنودة إليها لا يعود إلى ضعف كفاءات أطرها وقلة خبراتهم في المجال الحقوقي، ولكن يعود إلى المسؤول الأول عن الوزارة، مصطفى الرميد، الذي تمنعه خلفيته الإيديولوجية والعقدية من تبني منظومة حقوق الإنسان في بعدها الكوني، وضمنها حقوق الطفل. فالوزير حين كان مسؤولا عن قطاع العدل في حكومة بنكيران، استفز الرأي العام والهيآت النسائية والحقوقية بتصريحه لموقع “فبراير.كوم” بتاريخ 19 مارس 2012، عقب انتحار أمينة الفيلالي ضحية الاغتصاب والزواج من مغتصبها، اعتبر فيه أن المرحومة تعرفت على “المغرر بها لمدة من الزمن، في إطار علاقة تطورت إلى حد ممارسات جنسية رضائية، في إطار تغرير باعتبارها قاصرا، وليس في إطار اغتصاب، وبالتالي فإن أي معالجة جنائية للموضوع ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات”. ومن ثم فإن عنصر “الإكراه” غير متوفر.
هكذا برر الوزير جريمة الاغتصاب وأسقطها عن الجاني. وإمعانا في الاستفزاز، أصر حينها الوزير الرميد على عدم تعديل الفصل 475 من القانون الجنائي الذي يسقط الجريمة عن الجاني في حالة قبوله الزواج من الضحية بمبرر أن “إلغاء مقتضيات الفصل المذكور لا ينبغي أن ينظر إليها من زاوية مأساة انتحار الضحية أمينة فقط، ولكن أيضا من زوايا متعددة، أمثل لها بحالات الاغتصاب، وحالات التغرير بقاصرات، وحالات الفساد التي قد ينتج عنها حمل، وتختار الضحية أن تتزوج بمرتكب الجريمة حينما تخير بين الزج به في السجن أو الزواج منه”. فهل يمكن لمن كان هذا موقفه من قضية اغتصاب وانتحار المرحومة أمينة الفيلالي أن يتخذ مواقف أكثر جرأة داخل الحكومة والبرلمان لتغيير القانون الجنائي ووضع التدابير اللازمة لحماية الأطفال ومرافقة الضحايا ودعمهم نفسيا؟ فالوزير لم يكلف نفسه حتى زيارة أسر الضحايا وتقديم المواساة والدعم لها ليشعرها أن قضيتها هي قضية الدولة والمجتمع معا. ولا ننسى كذلك أن الوزير العضو القيادي في حزب خاض معارك شرسة ضد رفع سن الزواج والضغط ليستمر تزويج القاصرات يفتك بالطفولة المغربية ، لن يهتز كيانه لجرائم الاغتصاب التي يجد لها ما يكفي من التبريرات في عقائد وإيديولوجية الحزب . وكيف له أن يتألم أو تفجعه جرائم الاغتصاب والقتل وهو الذي جاء بمشروع قانون جنائي يحرض على قتل النساء والفتيات بدافع “الشرف”؟ فما الفرق بين قتل الأنثى بيد مغتصبها أو بيد أحد أفراد أسرتها؟ القتل هو نفسه والجريمة هي نفسها فلا تقل إحداهما بشاعة عن الأخرى .أما عن جرائم الاغتصاب والتحرش فلا يمكن للوزير أن يخالف حزبه وعقائده التي تشرعن الاغتصاب الزوجي وترفض كل المقترحات التي تقدمت بها الهيآت النسائية والحقوقية التي تريد وزارته اليوم فتح المشاورات معها، فيطالب بتجريمه.