سترة واقية من الرصاص للنقاش حول الفضاء العمومي
سقطت عيني صدفة على سؤال طرحه أحد رواد موقع اجتماعي معروف .
يقول السؤال:
كم قلبا لدى الأخطبوب؟
في الحقيقة، لا يهمني الجواب كثيرا.
بل لا أكثرت البتة إن كان هذا المخلوق يملك قلبا واحدا أو اثنان، أو حتى رصيدا في بنك سويسري.
فلست من هواة المسابقات الثقافية ولا أحمل أدنى اهتمام لحياة الرخويات.
وبالمقابل، أدرك أن اهتمام آخرين بما لا يثيرني أنا، هو حق طبيعي.. بل، ومن محاسن هذا العالم.
أتصور أنه لو اجتمعت البشرية على حب الأخطبوب وأشياء الأخطبوب، لانقلبت حياتنا جهيما بحريا خالصا.
أخطبوط في قاعات المدرسة ومدرجات الجامعة. وآخر في التلفزيون. وأحاديث تبدأ ولا تنتهي عن صاحب الأرجل الكثيرة.
لا سؤال ولا جواب إلا حول الأخطبوب. وحتى الأغاني ولوحات الفنانين، يصبح شرط إبداعها حضور الأخطبوط، وإلا كانت نشازا وغير ذات قيمة.
فتعدد الأذواق والاهتمامات دليل حضارة ورقي. وكلما وجدت مجتمعا يميل إلى رأي الإجماع والفكر الواحد الأوحد، عليك أن تحتاط. بل أن تسرع هاربا نحو مكان أرحب حيث يسود الاختلاف، المشروط بقبول الآخر طبعا.
وفي ملكوت الله تتجاور النجوم والغيوم والنيازك والشمس والقمر دون حاجة لوزارة أو نقابة تنظم بريقهم أو مسيرهم.
و حتى لا أثقل على أخطبوطي المسكين وأسمح له بالعودة إلى ما ينجزه من مهام أخطبوطية تتطلب أكثر من قلب، أجيب بالحدس أن سؤالا كهذا، لا محالة، يحمل بعض الجواب في طياته. فلو كان له قلب واحد مثلي ومثلك لما سألنا عاقل عن عدد قلوبه. وهذا أيضا دليل اختلاف وتنوع .
ومن الاختلاف أيضا أن يكتب من يشاء حول ما يشاء. خصوصا أن شرط إتقان الكتابة قد انتفى منذ فتح الفضاء الافتراضي. فتجاوز نفر منا مسألة المعرفة بالأشياء قبل تناولها، ليضرب خبط عشواء، فيصيب تارة ويخطئ مرات. بل وتخلى كثير من أصحاب الخبرة الرصينة والمواقع الرفيعة عن ترف الوقار والترفع، ليفتحوا ما يشبه حلقات التهريج الرخيص، مزهوين بحواريين ومتابعين لا يبخلون عليهم بالتصفيق والتهليل والإعجاب.
وفي الحقيقة، وبعد طول تفكير، هواة الأخطبوط وقلوبه المتعددة أسلم بكثير ممن يتمترسون وراء شاشاتهم لينشروا التفاهات والكلام الفارغ والخطير أحيانا.
أقول قولي هذا وأستسمح لتوريطكم في نقاش لا ينتهي حول الفضاء العمومي.
“أن تعطي الحرية لجاهل، كأن تمنح مسدسا لأحمق” فيكتور هيجو.
ربما وجب التفكير في سترة واقية من الرصاص، كلما فتحنا هذا الفضاء المشترك.
دمتم سالمين.