أيها اللبنانيون، اصنعوا مستقبلا مشرقا يليق بتاريخكم الجميل
يبدو أن انفجار بيروت كان حدثا مؤجلا، لا غير.
في لبنان أشياء كثيرة مختلفة ومشهد يشبه لوحة فسيفساء بألوان وأشكال متفرقة.
يبث تلفزيون تيلي-لبنان من بيروت منذ 1957، وهو في ملك الدولة. إلى جانب تيلي-لبنان، تؤثث المشهد قائمة من القنوات، (MTV) لبنان، وهي قناة خاصة يملكها نائب مسيحي سابق، ناضلت كثيرا ضد الوجود السوري على أرض لبنان، (OTV) محطة تابعة للتيار الوطني الحر، تلفزيون المستقبل المملوك لعائلة السني رفيق الحريري، تيلي لوميار تلفزيون رسالته مسيحية لبنانية، الشبكة الوطنية للإرسال (NBN) وهي محطة تابعة لحركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتمثل توجه الحركة السياسي، قناة الجديد وهي قناة شاملة تقدم المنوعات والبرامج الثقافية والمنوعات، تلفزيون المنار محطة تابعة لحزب الله وتمثل فكره الشيعي وتوجهاته السياسية بشكل كامل.
طبعا، اللائحة أطول وأكثر تشعبا، قنوات أخرى وصراع إعلامي يومي بين الجزيرة القطرية والعربية السعودية وآخرون حول تأويل كل ما يقع في لبنان وصنع خرائط مختلفة للراي العام .
عادة، ينقسم الرأي العام اللبناني حول كل شيء تقريبا: دور إيران، دور فرنسا ودور أمريكا، بل وحتى حول شركات الكهرباء وجمع القمامة من الشارع العام.
يتفق اللبنانيون حول حبهم للحياة على النمط الغربي وحول قدرتهم إنتاج الفكر والثقافة بكل اشكالهما وتصديرهما لدول تملك المال الكثير دون أن تتمكن من منافسة بلد صغير ودون موارد تذكر.
اللبنانيون يختلفون بشدة حول تدبير سلاح لبنان ومواقف الحكومة.
تنوع البلد مذهل، من الأرمن إلى الدروز. اللبناني هو مسيحي ومسلم، سني وشيعي، ارثدوكس وماروني.
بشكل عام، اعتاد اللبنانيون على الأزمات بسبب استقالة الوزراء وصعوبة تعيين حكومات جديدة، سعر صرف الليرة، وتدخلات إيران وإسرائيل لتصفية حساباتهما على رقعة لبنان الصغيرة. الجوار اللبناني ملتهب وحساس: سوريا، تركيا وإسرائيل.
يكاد المتتبع لمجريات الحياة اللبنانية أن يصاب بالدوار، فالسياسيون والفاعلون في حركات بهلوانية محفوفة بالخطر عند كل محطة. أحداث استثنائية تربك الوضع أكثر: اغتيال الحريري، غزو جنوب لبنان.
وأخيرا انفجار مستودع لمواد كيميائية بمستودع بمرفأ بيروت.
حين اشتعلت شرارة الحرب الأهلية في يوغوسلافيا سنة 1991، اعترف كثيرون أن ما يثير الدهشة هو كيف تمكن فرقاء الحرب أن يعيشوا قبل هذا التاريخ تحت سقف وطن واحد.
ما وقع في بيروت يوم الثلاثاء 04 غشت 2020 لم يكن سببا لثورة الغضب والاستقالات، بل كان نتيجة تدبير سياسي دام لعقود من الزمن.
على اللبنانيني أن يبحثوا بشدة، وبإصرار، عن ما يجمعهم ويميزهم. وهي أشياء كثيرة. الكارثة تبعتها استقالات أعلنت الفشل وغضب شعبي غير مسبوق.
الفشل والغضب وحاجة لبنان لإنقاذ اقتصادها الهش، يجعل المرحلة غاية في الخطورة.
هذه المرة، لن يجد الفرقاء حلا في الطائف، ولا في باريس أو استطنبول. يوجد الحل في بيروت الجريحة والصامدة نفسها.
بعد مقتل 158 شخصا وإصابة 6 آلاف آخرين، وتشريد 300 ألف جراء نترات الأمونيوم الذي ظل يهدد سكان بيروت طيلة 6 سنوات داخل مستودع مظلم بالمرفأ، بالرغم من التحذيرات المتكررة، يبدو مطلب عودة الاستعمار الفرنسي عوض حكومة عاجزة ومهملة مفهوما ومعبرا عن خيبة أمل كبرى في إمكانية التغيير ومحاربة الفساد.
ربما كان ماكرون صادقا حين نصح اللبنانيين خلال مؤتمره الصحفي الأخير ببيروت:
تحركوا قبل أن تعم الفوضى.
أضيف بحرقة وبأمل: أيها اللبنانيون اصنعوا مستقبلا مشرقا لبلدكم يليق بتاريخكم الجميل والفريد.