تحقيق مع الرميد
كتبت، أنا وغيري، عن فداحة ما وقع وما كشفت عنه الأيام بخصوص إهمال تسجيل العمال في الضمان الاجتماعي.
لمن لا يعلم، أو كان مشغولا بما يلهيه عن السياسة، لا ضير من سرد جديد للأحداث.
كاتبة في مكتب محاماة يملكه وزير لحقوق الإنسان، تشتغل عقدين من الزمن دون أن يصرح بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. بعد وفاتها، وانكشاف الأمر، يلجأ إلى تعويض عائلتها هروبا من فضيحة محتملة.
يصلح الأمر موضوع حلقة من حلقات مسلسل ألماني قديم، اسمه المفتش ديريك.
ديريك محقق ألماني يبحث قضاياه بكل هدوء. رجل خمسيني بملامح وقار ونظارة سميكة. لا يشهر مسدسا أو يقود سيارة بسرعة جنونية أبدا.
يسأل شهود الحادثة بأدب متناهي.
هل كنت تعرف الضحية؟
اشتغلت بمكتبي.
هل كنت وزيرا حين وظفتها أول مرة؟
لا سيدي. كنت أمارس مهنة المحاماة.
أكنت تعرف أن التصريح بالمستخدمين إجباري حسب القوانين؟
نعم، كنت أعرف. فضلت أن تقوم هي بتسجيل نفسها، لكنها لم تفعل.
يمسح ديريك نظارته الطبية وينظر مليا للمحامي.
طبعا، لن يصدق هذا الهراء اي ألماني عاقل.
ألمانيا أهدت الإنسانية والفلسفة لائحة لا تنتهي من المفكرين؛ كانط، نيتشه، هيغل، زيلر وأخرون. هي بلد التفكير العقلاني بامتياز.
المفتش ديريك، شخصية وهمية يؤديها ممثل لم يكن يوما ما فيلسوفا. رغم هذا، لن يصدق كلمة واحدة مما سمع.
يستدرك المحامي بجملة رهيبة.
بعد وفاتها، منحت مكافأة مالية لعائلتها.
عادة، تنتهي حلقات سلسلة ديريك بكشف الحقيقة كاملة وبإحقاق الحق والعدالة.
المفتش ديريك والعدالة الألمانية لا يمزحان.
وفوق كل هذا، يركب ديريك سيارة ألمانية الصنع تزيد من ثقته بنفسه ومن هيبته.
المركبات الألمانية سليلة معامل مرموقة ولها مكانة رفيعة بين صانعي السيارات في العالم. لولا قوة الضمان الاجتماعي الألماني لما انتج العمال اشياء مبهرة و رائعة مثل السيارات الألمانية.
الضمان الاجتماعي يصنع المواطن الصالح والمحب لوطنه.
على ديريك أن يحقق مجددا مع محام آخر “نسي” أن يصرح بموظفيه، هو أيضا، وبالصدفة، وزير.
بين ألمانيا ومكاتب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالمغرب آلاف الكيلومترات.
لأسباب تظل مجهولة، ليس هناك وزير لحقوق الإنسان ضمن تشكيلة الحكومة الألمانية الحالية.