مدارات

المغرب.. الوضع السياسي وخيارات ما بعد كورونا (2/2)

والحالة هذه فانه ما كان على السيد العثماني، الذي بدا في خرجاته التواصلية الاخيرة هائما على وجهه السياسي، أن يستمر في نفخ حماسته الشخصية في قربة مثقوبة، وحتى اذا ما كان عذره في فعل ذلك عدم تحكمه في خيوط لعبة الكراسي، الدائرة حوله وفي غفلة منه، كرئيس للحكومة، فقد كان يكفيه الانتباه كما ايها الناس، الى ما اعترى عمليات التطبيق الميداني لاجرءات الحجر وعمليات توزيع المساعدات على المحتاجين، وغير المحتاجين، من اختلال وانتقائية وقمع مصور، يتخلله القذف والسب والجلد والرفس والصفع واذلال المواطنين، على مرأى ومسمع من كاميرات الهواتف المحمولة، وأيضا عودة “تحمار العينين وتهراس الكرارس”، وذلك برغبة مكشوفة في تذكير المواطنين بمضمون العبارة المخزنية المكرسة في هذا الباب “قالكم القايد زيدو .. قالكم القايد هداو” واجبارهم على الامتثال لمضمونها المقيت.

كان يكفي السيد العثماني استحضار ذلك لكي يكف عن النفخ في قربته المثقوبة، وأن يبحث هو واخوانه في (بي.جي.دي)، وشركاؤه في التحالف الحكومي الهجين، إن استطاعوا لذلك سبيلا، عن شيء آخر يمكنه اثارة حماسة المغاربة وتعبئتهم للمشاركة في مواجهة مخلفات الجائحة، ومن ثم الانخراط في التصدي لاستحقاقات المستقبل بكل ثقة في نوايا الدولة، هذا وأشك شخصيا، بكل صراحة، في قدرتهم على تقديم أي مبادرة مجدية أو حتى مقترح ايجابي بسيط لاثراء الحياة السياسية بصفتهم الحزبية، بعدما تم استنزاف جهدهم الحزبي في معارك طاحنة لا هدف لها سوى تأمين مصالح فئوية ضيقة وتحقيق عائدات شخصية ليست لها قيمة الا بالنسبة لهم، مما ادى في نهاية المطاف الى ضرب مصداقية الاحزاب، ضربة ربما كانت هي القاضية هذه المرة.

لعل مما يؤسف له حقا في هذا الصدد، ويا للمفارقة، هو أن يتصدر مشهد تنفيذ مشروع الردة السياسية الجاري على مرأى ومسمع من الجميع، ثلة من قياديي حزب طالما ناضل من أجل الغاء قانون “كل ما من شأنه”، ومن أجل فرض “احترام  المنهجية الديموقراطية”، وذلك بدء من تطوعهم بحماس ظاهر لصياغة مشروع قانون 22.20، مرورا بمطالبتهم بإلغاء البند 47 من الدستور، وانتهاء بدعوتهم لتشكيل “حكومة انقاذ وطني” تستمد سلطتها ومشروعيتها من الدولة العميقة، دولة المخزن، بدل صناديق الاقتراع.

على كل حال، وأمام حجم الكارثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحدقة بالبلاد، يتعين نسيان الاستحقاقات السياسية لسنة 2021 تماما، والتأكيد على أنه لم يعد هناك من خيارات كثيرة أمام البلد في مواجهة استحقاقات زمن ما بعد كورونا سوى خيارين متعارضين حد التناقض، أولهما الاستمرار في نفس النهج الطبقي ـ التبعي والعمل على حماية مصالح الأوليغارشية وأصحاب المصالح الكبيرة، بكل ما اوتي التحالف الطبقي الحاكم من قوة واحتكار للثروة والسلطة، واطلاق الحبل على الغارب بالنسبة لمصالح الكتلة الاجتماعية الكبيرة من الشعب، مع تشديد القبضة الامنية على الجميع بصورة لم يسبق لها مثيل، وتكميم الافواه وقمع الحريات بترسانة من القوانين الجائرة، وعلى رأسها مشروع قانون 22.20، ولا بأس من اسناد استكمال التنفيذ مؤقتا لحكومة العثماني طالما ان عملها لا زال يفي بالغرض، وريتما يتم استكمال شروط انقلاب سياسي متكامل الاركان.

أما الخيار الثاني فهو خيار وطني ديموقراطي اجتماعي، وهذا الخيار يظل خيارا نظريا، باعتبار أنه ليس هناك اطار تنظيمي موحد قادر على تحويله الى برنامج سياسي معارض، وقادر بالخصوص على أن يقنع به الكتلة العريضة من الشعب، وعلى تعبئتها على أساس أنه يمثل مصالحها، وكفيل بمعالجة الاضرار اللاحقة بها جراء الجائحة، ومن ثم استخلاص العبرة والدروس اللازمة منها بالنسبة للمستقبل، وأيضا العمل على تخليصها مما تعانيه تقليديا من مشاكل بنيوية مزمنة، من تلك العائدة لزمن ما قبل كورونا، وذلك بتوفير الشروط اللازمة لإطلاق نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة باعتماد أليات تضامنية ايجابية، وبناء اقتصاد منتج لفائض القيمة، يقوم على الاستثمار في العنصر البشري والبحث العلمي، مع صيانة السيادة الوطنية من الاختراق التطبيعي الصهيوني للمجتمع، وتحرش الانظمة العشائرية النفطية بالوطن، وحتى من تغزل الميترول الكولونيالي الفرنسي، المشبوه، بتجربة المغرب الرسمي “الفريدة من نوعها في العالم” في مواجهة كورونا.

وفي غياب الاطار التنظيمي الموحد، يجد هذا الخيار صداه لدى طيف واسع من التنظيمات السياسية والحقوقية والمنظمات الشبابية والمثقفين والشخصيات الوطنية ورجال الصحافة والاعلام ونشطاء الشبكات الاجتماعية، هذا الطيف الواسع، وبحكم قناعات مكوناته الفكرية والسياسية كل على حده، وبحكم شكه وتشكيكه المعروف في جدوى وجدية التجربة السياسية التي اقحمت فيها البلاد منذ سنة 2011 ، يجد نفسه اليوم منخرطا في مواجهة نضالية، مع الواقفين وراء النكوص السياسي الذي تشهده البلاد، بدء من خوض معركة الدفاع عن الحريات وعلى رأسها حرية التعبير، ومنها بالتحديد حرية التعبير في فضاءات الشبكة العنكبوتية، على اعتبار أن الانترنيت سيكون هو وسيلة، وميدان، وضمانة، معارك الحرية القادمة، وكذا من خلال مطلبين ملحين يتمثلان في الضغط والمطالبة بالعدول عن اعتماد شروع قانون 22.20 وغيره من المشاريع القمعية، والمطلبة باطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحافيين.

أما بالنسبة لمواقف لجماهير الواسعة فسيتكفل النظام نفسه باخراجها الى الشارع، لربما في حراك شامل، نتمنى اذا حدث، أن يكون سلميا ومسؤولا، ما دام هذا النظام مصرا على التصعيد القمعي، وقطع خط الرجعة، وغلق قنوات الحوار، وذلك بدون اجتهاد لايجاد الحلول الملائمة لمشاكل البلاد، وبدون أن يأخد بعين الاعتبار الازمة التي ستنيخ بكلكلها من الان فصاعدا على الشعب، ولا انعكاسات الازمة الاقتصادية الطاحنة وطنيا ودوليا، والتراجع الحاد  المرتقب في عائدات الفوسفاط، ومجموع الصادرات، وكذا عائدات السياحة والجاليات المغربية في الخارج، بصورة غير مسبوقة، على معيش الفقراء والعاطلين والمعطلين والطبقة المتوسطة، وغيرهم من الشرائح الشعبية المسحوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock