مدارات

صمت الوزارة عن العنف الزوجي في زمن الكورونا

من الانعكاسات السلبية والخطيرة لوباء كورونا على المجتمعات والأسر تفشي ظاهرة العنف المنزلي بسبب حالة الحظر الصحي التي تُلزم كل أفراد الأسرة بالبقاء في المنزل طيلة مدة الحجر. فجميع الدول التي اعتمدت استراتيجية الحظر الصحي تعرف ارتفاعا كبيرا في نسب العنف المنزلي الذي تكون النساء ضحاياه. إذ تحولت المنازل بالنسبة لفئة واسعة من النساء إلى أشبه بالسجون ومخافر التعذيب. فالمرأة تظل هي الكائن الضعيف الذي يتحمل نتائج الضغوط النفسية والمادية التي تتحول عند الرجال (أزواج، آباء، إخوة) إلى شحنات عنف قوية تكون النساء موضوعها وضحيتها في الآن نفسه.

ولا يختلف مجتمع عن آخر فيما يتعلق بارتفاع نسب العنف المنزلي في هذه الظروف. ففي ألمانيا مثلا، تُظهر الإحصائيات أن امرأة واحدة على الأقل تُصاب بجروح جسدية كل ساعة في المتوسط ​​على يد شريكها. وبحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية، فإن حوادث العنف المنزلي ارتفعت في مناطق بنسبة 32%، وفي أخرى بنسبة 36% خلال الأسبوع الأول من الحظر الصحي فقط. أما الإحصائيات البريطانية، فقد أشارت إلى أن معدلات العنف المنزلي ارتفعت بنسبة 30%  خلال فترة الحجر الصحي التي فرضها انتشار فيروس كورونا المستجد. وأشارت صحيفة ديلى ميل البريطانية، إلى أنه تم الإبلاغ عن 12 جريمة قتل خلال خمسة أيام . وصدرت تقارير مشابهة في كل من إسبانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تطبق الحظر الصحي. الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الدعوة لاتخاذ تدابير لمعالجة “الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي” ضد النساء والفتيات، والمرتبطة بتداعيات تفشي فيروس كورونا.

ولا تختلف الدول العربية عن نظيراتها الغربية؛ إذ تضاعف مثلا معدل العنف ضد النساء في تونس، خمس مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي بسبب الحجر المنزلي. أما في لبنان، وحسب ما صرحت به قوى الأمن الداخلي، فإن الخط الساخن المخصص لتلقي شكاوى العنف الأسري شهد ارتفاعا في عدد الاتصالات التي وصلته بنسبة مائة في المائة في شهر مارس  مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. بينما في المغرب لا توجد إحصائيات رسمية بالرغم من ارتفاع حالات النساء المعنَّفات اللائي يتصلن بالإذاعات الخاصة والوطنية التي تبث برامج مخصصة لمناقشة العنف المنزلي في ظل الحظر الصحي.

لكن الملاحظ هو التجاهل التام من وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة لوضعية النساء المعنَّفات التي اكتفت ببلاغ فضفاض يعدد “المبادرات” المتخذة  (مبادرات متعددة لحماية فئة عريضة من الأشخاص في وضعية هشة، التحضير، بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، إطلاق حملة تحسيسية رقمية من أجل بث رسائل تساعد على التغلب على الإكراهات النفسية، توفير حقيبة صحية “سلامة-Salama Kit للوقاية من فيروس “كوفيد 19” وذلك في إطار شراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA )، إطلاق عملية الدعم المالي لمبادرات الجمعيات وشبكات مراكز الاستماع من أجل مواكبة النساء في وضعية صعبة خلال هذه المرحلة الحرجة، تكثيف جهود التعاون والتنسيق والدعم المالي لمنصة “كلنا معك” لتعزيز خدماتها وتنويع الخدمات عن بعد خلال مرحلة الحجز الصحي ورصد الحالات وتتبعها)؛ لكن هذا المبادرات لا أثر لها في الواقع بشهادة عدد من الجمعيات النسائية المشتغلة في هذا المجال أو مسؤولات عن مراكز إيواء النساء ضحايا العنف رغم النداءات والمراسلات الموجهة من هذه الهيئات إلى الوزارة المعنية للمبادرة إلى اتخاذ سلسة من الإجراءات الوقائية والتضامنية لحماية الضحايا على النحو الذي اتخذته عدد من الحكومات العربية والأوربية استجابة لنداء الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش الذي شدد على ضرورة تهيئة سبل آمنة للنساء لالتماس الدعم “من دون أن يتنبه المعتدون” إلى ذلك. ففي فرنسا مثلا ، دعت السلطات النساء ضحايا العنف إلى تقديم شكواهن من خلال المواقع الإلكترونية والخدمات التليفونية المخصصة لذلك. كما أعلن وزير الداخلية كريستوف كاستانير عن إطلاق نظام شكوى يمرّ عبر الأسواق الممتازة والصيدليات التي طُلب منها متابعة الشكاوى  مع الشرطة، فضلا عن تمكين النساء المعنفات من خدمة مستحدثة عبر إرسال رسائل قصيرة على الرقم 114. أما في بريطانيا، فقد أعلنت السلطات أنها ستعتقل المتورطين في هذا النوع من الحوادث بمجرّد تقديم شكوى ضدّهم.

بينما أعلنت السلطات التونسية عن إطلاق خط ساخن مجاني يعمل على مدار الساعة لتلقي الشكاوى حول العنف الأسري خلال فترة العزل الصحي، وروّجت لهذا الخط عبر وسائل الإعلام المختلفة. ودعت وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن في تونس، أسماء السحيري، أي امرأة تجد نفسها ضحية للعنف إلى “الإبلاغ في كل الحالات لأنه قد يوفر أملا بإنقاذ الضحية مما هو أخطر”.

كل الحكومات اتخذت تدابير عملية لحماية النساء من العنف المنزلي سوى حكومة البيجيدي التي اكتفت بالإعلان عن مبادرات “صورية” لا تحمي المعنفات ولا توفر لهن الدعم والإيواء. وهذا ليس غريبا على حزب يجعل تعنيف الأزواج لزوجاتهن أمرا مشروعا دينيا ويرفض التضامن مع ضحايا العنف وأسرهن في كثير من الحوادث والجرائم الخطيرة (كل الحوادث المميتة والجرائم التي كانت النساء ضحاياها لم تكلف الوزيرة السابقة، بسيمة الحقاوي، نفسها بزيارة الدعم والمواساة لأسر الضحايا بينما أسرع الأمين العام السابق والحالي للحزب  إلى تقديم العزاء في وفاة أعضاء بالحزب). وكان من المفروضة في السيدة الوزيرة أن تتصرف كعضو في حكومة جلالة الملك  الذي أحدث تغييرا جوهريا على مستوى قانون الأسرة وحقوق النساء، وليس كعضو في حزب العدالة والتنمية تقوم منظومته الفكرية والإيديولوجية والفقهية على شرعنة كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء. لهذا كان عليها أن تنشئ خطا أخضر خاصا بالوزارة وفي موقعها الرسمي  وتبثه عبر وصلات إشهارية في وسائل الإعلام وتضعه رهن إشارة النساء المعنّفات للتبليغ عن أوضاعهن، فضلا عن التنسيق مع الشرطة والدرك والنيابة العامة للتدخل العاجل في حالة تم الإبلاغ عن حالات العنف أو طلب النجدة.

نتمنى أن يعلو الحس الوطني فتدرك السيدة الوزيرة أن الحظر الصحي فرض على النساء أن يواجهن وباء كورونا المستجد ووباء العنف الزوجي معا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock