من الصين، نموذجا عالميا في محاربة كورونا: شهادة إطار من ضحايا بن كيران
على عكس الروايات المتخيلة للذباب الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي حول الصين... وحملة التشفي التي مارسها بشكل ممنهج على هذا البلد الآسيوي العظيم وهو يواجه الوباء بالعقل والعلم والعمل، تاتي هذه الشهادة من إحدى الأطر التي هاجرت (أو هجرت) من المغرب نحو الصين، بعد ما تنكر لها عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة السابق، وللأطر العليا، في الملف المشهور باتفاق "محضر 20 يوليوز"....
بداية، ومع انتشار الفيروس، طلب مني بعض الأصدقاء والعائلة العودة إلى أرض الوطن المغرب، حزمت حقيبتي ونويت السفر، لكن وأنا أحزم الحقائب لم أستطع المغادرة ولي أصدقاء وطلبة وهم أبنائي، يواجهون الخطر كل يوم، ضغوطات من المغرب للعودة وقلب لا يستطيع ترك الأصدقاء وهم كثر في هذه البلاد التي تأسر صاحبها بسحر لا أفهمه، حتى وإن لم أتكلم مع الناس في الشارع لأن لغتي الصينية ضعيفة لكن أشاهد فيهم الطيبوبة والأخلاق الحميدة، ولهذا قررت مشاطرة الشعب الصيني هذه المحنة.
شاهدة عيان
مرت مدة زمنية تتجاوز الشهرين على انتشار فيروس كورونا بجمهورية الصين الشعبية، وكنت شاهدة عيان عن كيفية مواجهته وعندما أقول دولة الصين فأركز على الحكومة والشعب وليس التراب، ما كتبت منذ البداية عن الفيروس وكيف واجهته الصين بالرغم من طلب بعض الأصدقاء داخل الصين وخارجه، وخاصة الاعلاميين، لأني تركت الأمر حتى بداية استقرار الوضع، والحمد لله بدأ هذا الأخير يستقر في الكثير من المقاطعات الصينية وعادت الحياة إلى مجراها شيئا فشيئا، فبالرغم من أن مدة الحجر الصحي قد تجاوزت العشرين يوما ولم تسجل أي إصابات جديدة خاصة بالمدينة التي أسكنها وهي في شمال غرب الصين مدينة لانتشو لا زلنا نتبع التعليمات ولا نخرج كثيرا حتى يتم نهاية الوباء، ومنذ بداية منتصف يناير نخرج فقط لشراء المواد الغذائية ونعود للبيوت مع خروج فرد واحد من العائلة وليس كل العائلة، وتم إغلاق كل الممرات وفتح باب واحد فقط للدخول إلى المجمعات السكنية، وكل شخص تواجد في مكان لزمه ولم يغادره طلية مدة الحجر الصحي، وما أثارني وجلب الطمأنينة إلى قلبي هو كيف تم التعامل تقنيا وعمليا مع هذا المرض، حيث تم الاشتغال على ابتكار تقنيات ذكية لقياس درجة الحرارة ومعرفة نتائج تحاليل الدم في مدة زمنية قد لا تتجاوز دقائق معدودة، وتكاثفت كل القطاعات من صحة وشرطة وتعليم ومواطنين عاديين وووو… يدا واحدة، وتجند الكثير من المتطوعين في سبيل السيطرة على المرض، وتجد في كل حي سكاني وزنقة سيارة شرطة متبوعة بسيارة تحمل أطباء وسيارة إسعاف، يتجولون كل دقيقة وثانية في حالة ما هناك فرد يطلب المساعدة.
شعب متعاون
والجدير بالذكر، أن الكثير من الشعب متعاون ويطبق تعليمات الوقاية والتطهير، رسائل على الهاتف كل صباح مضمونها التوعية والتحسيس، أجهزة تلفزيون على الجدران العالية تعرض شريط فيديو لتعليم كيف يتم تعقيم اليدين والوجه، إعلانات معلقة على أبواب العمارات والأسواق والأزقة الشعبية، ثم وسائل الاعلام، كما رفعت الحكومة الصينية رسوم الاشتراك عن القنوات التلفزيونية حتى تخلق جو للتسلية داخل البيوت… ناهيك عن أشخاص الذين يرشون المواد المعقمة في كل الأمكنة سواء بالآلات اليدوية داخل الأزقة الضيقة أو بالشاحنات والسيارات في الشوارع الواسعة والطائرات في الجو.
ليس من السهل أن تغلق المصانع والأبناك والمدارس والجامعات ومراكز التسوق الكبرى وتفتح فقط المستشفيات ومراكز الأمن وأسواق المواد الغذائية التي كان يتوفر فيها كل شيء؛ ولم نشعر بأي نقص أو تأثير للمرض، ما عدا الكمامات التي نلبسها وقياس درجة الحرارة عند دخولنا للأسواق، وتمت السيطرة على الوضع بفتح مستشفيات مؤقتة، ناهيك عن بناء مستشفى جديد خاص بالوباء في مدة زمنية لا تتجاوز العشرة أيام.
ومن خلال هذا المقال أحيي عاليا طبقة عظيمة كنت أشاهد عملها كل يوم وفي عز الوباء تجتهد وتثابر وهن عاملات وعمال النظافة، تفاني في العمل حيث لا تجد قارورة في أي مكان أو ورقة، في عز الوباء والموت يحيط بهم في كل لحظة يشتغلون باستمرار، فتحية لهم الف التحية، بالإضافة طبعا إلى نساء ورجال الشرطة والصحة فهم لا ينامون الساعات وتركوا عائلاتهم وأولادهم في المنازل ولم يروهم إلا وراء شاشات الهاتف لبعض الوقت منذ أسابيع إن لم أقل شهور.
ابتكارات بسيطة للحماية، سرعة في العمل ودقة
صراحة، كلمات هذا المقال لا تتسع لسرد كل ما قامت به الصين حكومة وشعبا من أجل محاربة الوباء، بل الأمر يتطلب كتاب مجلد، لاسيما على مستوى الابتكارات البسيطة للحماية مع السرعة في العمل والدقة، بالإضافة إلى اختراعات تقنية ذكية، حيث اخترعت الآلات التصوير لقياس درجة الحرارة لعشرات الأشخاص في دقيقتين، ثم أخرى تصور ملامح الوجه تحت الأقنعة…
وكما يقال في الثقافة العربية، رب ضارة نافعة، والتضامن بين الشعب في توزيع الأكل على الشيوخ والكمامات ومواد الكحول للتعقيم، أعطي مثالا بقوية هواي المسلمة الموجودين في مدينة لانتشو.
وجدير بالتذكير أنني أسكن هذه المدينة أيضا، حيث يوزعون بعض المواد الطبية والوجبات الغذائية مجانا على المحتاجين، خاصة أن أغلبهم ملاك لمطاعم لا فرق بين المطاعم الصغيرة والكبيرة، دون التمييز بين المسلم وغير المسلم، بعيدا عن الفوارق الاجتماعية والدينية والثقافية حوالي ستة وخمسون قومية في الصين أصبحوا إخوة ويدا واحد جميعا يحاربون هذا الوباء إلى جانب الحكومة الصينية، دون ملل أو تدمر أو احتجاج ، وللإشارة فقط هذه مجرد شهادة بسيطة في حق شعب وصفه الرحالة المغربي ابن بطوطة قبلنا بالخلوق والطيب، وحكومة كان النجاح حليفها منذ تسلمها زمام الأمور، ولكي تنجح باقي الدول التي تعرف انتشار هذا الوباء في ترابها وبين مواطنيها يجب أن تتعلم من التجربة الصينية في محاربة هذا الوباء الخطير التي سيطرت على انتشاره بالرغم من وجود أكثر من 90000 حالة.