يساريون في خدمة أجندات الإسلاميين
أصدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بيانا حول قضية اعتقال سليمان الريسوني ومتابعته بتهمة هتك العرض والاحتجاز بناء على الشكاية التي تقدم بها “آدم” (وهو الاسم الذي فضل التواصل به منذ عشر سنوات) وليس بناء على تدوينته في الفيسبوك، وفق ما جاء في بيانه التوضيحي (إن توقيف واعتقال المشتكى به احتياطيا، قد تم بناء على الشكاية التي تقدمت بها لدى المصالح الأمنية، وليس انطلاقا من تدوينتي التي اعتمدتها كصيغة لتعميم البوح أولا، وكوسيلة للوصول إلى العدالة ثانيا).
واختارت الجمعية أن تعلن في بيانها عن التضامن مع س. الريسوني، مما يعدّ انحيازا واضحا لفائدة المتهم وإخلالا بمبدأ الحياد الذي يفرض اتخاذ نفس المسافة من المشتكي والمشتكى به. فالجمعية التي كان معروفا عليها الدفاع عن حقوق الإنسان ومؤازرة ضحايا الخروقات أو التجاوزات، سرعان ما تحولت إلى ذراع حقوقية تخدم أجندات الإسلاميين الذين صاروا “يأكلون الشوك بفمها” ويوظفونها في صراعهم مع الدولة. ولا يخفى الدافع الإيديولوجي وراء هذا الانحياز على الرغم من تباين المرجعيتين لدى يساريي الجمعية والإسلاميين. فشعار “الضرب معا والسير على حدة” يتجسد في هذا الانحياز، وهو شعار يرفعه فصيل يساري بغاية شرعنة التحالف مع الإسلاميين ضد النظام الذي يسعون معا إلى إضعافه ثم التخلص منه، رغم ما يتظاهر به فصيل من الإسلاميين من أنه في خدمة الدولة/النظام .
وليست المرة الأولى التي تنحاز فيها الجمعية إلى الإسلاميين وتناصر عناصرهم المتورطة في قضايا الاغتصاب والاتجار بالبشر متهمة الدولة باعتماد أسلوب الانتقام من تلك العناصر.
لهذا لا يستغرب “آدم” أو غيره من الموقف الذي اتخذته الجمعية في قضيته ، فقد تبنّت نفس الموقف في ملف بوعشرين حين تنكّرت لضحاياه الخمسة عشر رغم ثبوت الأدلة ومناصرتها للجاني الذي أدانته المحكمة. وهذا يطرح علامات استفهام عديدة حول الأطراف التي تتحكم في الجمعية ومدى التزامهم بمبادئها؛ إذ لا يختلف بيان الجمعية اليسارية عن بيان منتدى الكرامة لحقوق الإنسان (الهيئة الحقوقية التابعة لحزب العدالة والتنمية) رغم اختلاف المرجعيات والخلفيات الإيديولوجية للهيأتين. الأمر الذي يوحي بأن التنسيق بين الهيأتين تام ومثالي يثمر تطابق المواقف في كل قضية يكون المتهم فيها إسلاميا. فالبيانان معا انطلقا من اتهام الدولة بالانتقام وأعلنا براءة المتهم من المنسوب إليه قبل أن تعلن هيأة المحكمة حكمها ، فضلا عن التنكّر للضحية والاستكثار عليه حق تقديم الشكاية؛ بل وجها الاتهام إلى النيابة العامة وقاضي التحقيق، بمتابعة س. الريسوني والتحقيق معه في حالة اعتقال “بناء على مجرد تدوينة منشورة في موقع للتواصل الاجتماعي لشخص بهوية مزيفة”. وهذا اجتهاد من الهيأتين مناقض للقوانين ولمبادئ حقوق الإنسان يسعى لحرمان الأشخاص الذين اضطرتهم ظروفهم الاجتماعية أو النفسية أو القانونية إلى تقديم شكايات أو نشر تدوينات يشرحون فيها الظلم الذي طالهم بهويات غير حقيقية.
قد نفهم مثل هذا الموقف من هيأة حقوقية إسلامية على اعتبار أن التيار الإسلامي لا يؤمن بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ولا يحتمي بها أو يوظفها إلا حين تخدم مصالحه؛ لكن أن يصدر عن جمعية يسارية تتخذ منظومة حقوق الإنسان في بعدها الدولي والكلي غير القابل للتجزيء، فأمر يدعو إلى الاستغراب الذي سرعان ما يزول بعد معرفة الدوافع والخلفيات التي جعلت المتحكمين في صياغة البيان يدوسون على القيم التي ينادون بها. إذ لم يعد الهدف هو خدمة القيم والمبادئ السامية وحقوق الإنسان في شموليتها، بل دعم ومساندة مطلقين لعناصر التيار الإسلامي مقابل التنكر لضحاياهم والتشهير بهم.
إن هذا الدعم المشبوه للعناصر الإسلامية أوقع الجمعية في أخطاء وخروقات جسيمة يأتي على رأسها إقحام منظمة العفو الدولية وعدد من الهيآت الحقوقية في عملية التوقيع باسمها على بيان “التنديد والتضمان” مع تلك العناصر بغرض إكثار سواد الحقوقيين المناصرين لهم وزيادة حجم الضغوط على القضاء حتى تكون أحكامه في صالح المشتكى بهم. وأمام هذا التزوير الواضح، وجهت منظمة العفو الدولية رسالة، يوم الاثنين 1 يونيو 2020، إلى منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، السيد عبد الإله بن عبد السلام، تدعوه فيها إلى سحب التوقيع باسمها من البيان التضامني مع سليمان الريسوني. إنه تزوير عن سبق الإصرار والترصد يجعل غاية مناصرة الإسلاميين تبرر كل الوسائل مهما كانت مخالفة للقانون وللقيم. ونفس الموقف التنديدي اتخذه أعضاء في الائتلاف الحقوقي إزاء تزوير التوقيع باسمهم، كما هو الحال بالنسبة للسيد مصطفى المانوزي الذي لم يكتف برفض بيان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بل فضح العناصر التي تتلاعب بالجمعية، بحيث أن “أربعة أو خمسة أشخاص يجتمعون في كل مرة ويصدرون بيانا باسم الائتلاف، وهذا عمل لا أخلاقي”. لهذا قرر الخروج” إلى العموم ليقول” كفى من الاستبلاد وفرض سياسة الأمر الواقع”.
ونفس الموقف عبرت عنه جمعية “عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة” التي اعتبرت أن “ملف الريسوني أثار اصطفافات متحيزة وغير موضوعية لفائدة طرف ضد الآخر، وغير مرتكزة على أسس قانونية وحقوقية سليمة، مع اعتماد الترويج لحقائق غير صحيحة ومتضاربة للتشويش على الطرف المشتكي بالخصوص والحجر على حقه في اللجوء إلى ممارسة حقه في الانتصاف والتقاضي”.
إذن، بات واضحا أن عناصر محددة تتاجر بحقوق الإنسان وتوظف إطار الجمعية ورمزيتها بعيدا عن الأهداف التي تأسست من أجلها. بل جعلوها لا تختلف عن الهيآت السياسية التي تدافع عن مصالح ناخبيها، أو الهيآت المهنية والنقابية التي تدافع عن مصالح منخرطيها.
إن مهمة الهيئات الحقوقية هي الدفاع عن حقوق الإنسان ورصد وتوثيق الخروقات ومراقبة مدى تطبيق الحكومات لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان ضمانا للمحاكمة العادلة.