يا ليت العثماني ما نطق…!
حل السيد رئيس الحكومة المغربية ضيفا على القنوات العمومية ليوضح للمواطنين ما أعدته حكومته من إجراءات لمواجهة فيروس كورونا المستجد. لم تكن لهفة المواطنين كبيرة لمتابعة الحوار الصحفي للسيد العثماني بعد أن نشر تدوينة يعلن فيها أنه لن يأتي بقرارات جديدة غير تلك التي تم الإعلان عنها.
في مثل هذه الظروف الدقيقة التي يواجهها المغرب كبقية دول العالم بسبب سرعة انتشار الوباء وخطورته، المفروض في رئيس الحكومة أن يقدم للمواطنين سلسلة من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومته ويبسط أمامهم معالم الاستراتيجية الاستباقية لمواجهة الآثار السلبية للوباء على الاقتصاد الوطني والمقاولات الإنتاجية، وكذا التدابير الطبية واللوجيستيكية والتقنية لاستيعاب المصابين بالفيروس في الجهات والأقاليم والإجراءات الوقائية الضرورية التي ينبغي اتخاذها وتنفيذها خاصة ما يتعلق بتعقيم وسائل النقل العمومية والإدارات والأسواق التجارية الممتازة والمؤسسات الإنتاجية والمساجد والحدائق العمومية وغيرها من الأماكن التي يرتادها المواطنون مثل المقاهي والنوادي والسينما.
لكنه، للأسف، لم يفعل ولا يعلم ولا يتوفر هو وحكومته على رؤية واضحة لمواجهة الأزمة وتطورات انتشار الوباء المتحملة، بدليل أنه اكتفى بالتسويف دون الإتيان على ذكر السيناريوهات البديلة “A” و”B” و”C” تبعا لتعقّد الأزمة؛ وإنما ترك الأمور تتطور ليقتصر دوره وحكومته على تدبير الأزمة لا تفاديها أو تقليل حجم أضرارها. ربما اعتقد رئيس الحكومة أنه بهذا الحوار سيطمئن المواطنين على الأوضاع الصحية والمعيشية فيهدئ من خوفهم ويزيل عنهم الذعر الذي تملّكم من احتمال حدوث الندرة والجوع أكثر من الوباء .
للأسف، تصريحات السيد العثماني ستزيد من حدة قلق وذعر المواطنين بفعل غموض تسويفاته وضبابية وعوده. فإذا كان المواطنون ضحية الذعر الذي استبد بهم خشية نفاذ المواد الغذائية مما دفعهم إلى التزاحم على “نهب” محتويات الأسواق الممتازة وتخزينها في منازلهم، فإن ما كشف عنه السيد العثماني من كون مجموع ما أعدته الحكومة من لوجيستيك لا يتعدى 250 سريرا لاستقبال المصابين المحتملين بالفيروس في كل التراب الوطني سيزيد من ذعر وقلق المواطنين على أرواحهم. قد يؤمِّنون لأنفسهم وأولادهم الغذاء، لكنهم لن يؤمِّنوا العلاج. في ظل غياب الاستراتيجية الاستباقية والتدابير الوقائية، فإن احتمال انتشار الفيروس على نطاق واسع وارد جدا وشبه مؤكد. إذ في مثل هذه الظروف الصعبة يكون واجبا على الحكومة أن تستنفر كل إمكاناتها وموارد الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص لمواجهة أسوء الاحتمالات وأعقد الظروف.
وأولى الخطوات الضرورية والإجراءات الاستباقية: إعداد وتجهيز مستشفيات ثابتة ومتنقلة في كل الجهات بتعاون مع المصحات الخاصة ورجال الأعمال وتزويدها بما تحتاجه من أطر أجهزة طبية .فليس من مهمة رئيس الحكومة أن يشرح للمواطنين طرق الوقاية من الوباء أو ينصحهم بتغيير سلوكهم وعادات تصافحهم، لأن هذه النصائح لها أهلها ، والسيد العثماني لم يخص الصحافيين بالحوار بصفته طبيبا مختصا أو وزيرا للصحة، بل حضر بصفته رئيسا للحكومة والمسؤول عن الشأن العام لعموم المغاربة.
لهذا، كان من المفروض فيه أن يقدم للمواطنين التدابير العملية الكفيلة بحماية أرواحهم عبر الاستفادة من تجارب الدول التي واجهت وتواجه خطر الوباء على الصحة والاقتصاد والإنتاج والأمن، وفي مقدمتها التجربة الصينية. لم يستشهد رئيس الحكومة بالتجربة الصينية ولا أثنى على الشعب الصيني في الانضباط والالتزام بالتعليمات وروح التعاون والتضامن والحس الوطني، بل اكتفى بالتذكير بأخلاق المغاربة وقيم التضامن التي تشبعوا بها وكأنه لا يعلم ولا يرى مشاهد “النهب” وهستيريا اقتناء المواد الغذائية من المحلات التجارية.
إن الشعب المغربي بحاجة إلى حكومة قوية وحازمة في قراراتها لمواجهة المتاجرين بالأزمة الذين يستغلون تزايد الطلب على المواد الغذائية والطبية لمضاعفة أسعارها وتسويق المنتوجات الفاسدة، وكذا متفاعلة مع مطالب المواطنين بتوفير المستشفيات المجهّزة وتجنيد الأطقم الطبية قبل أن يستفحل الأمر.