كرونيك

يا له من عالم جميل….!

“من يحمل الأرجوحة في داخله لا يستطيع السير بخطوات عادية”.

هكذا تحدث هاينز ياكوب “كوكو” شومان وهو موسيقي ابن برلين عضو في فرقة جاز تحمل اسم “غيتو سوينغز”. شومان من أصول يهودية، وناج من معسكرات الاعتقال النازي في تبريزين شتات وأوشفيتز.

موسيقى الجاز ليست مجرد موسيقى. نوتات الجاز تتناثر داخل المكان مثل مطر خفيف. تصل إلى أعماق الروح كأنها همس رقيق وغامض.

الجاز ثورة ضد الفقر، ضد التهميش وضد طمس الهوية. ليس صدفة أن ينطلق عزف السود القادمين من افريقيا لأولى نغمات الجاز في مدينة نيو ارلينز الأمريكية، التاريخ ماكر وأحيانا ساخر متهكم.

هو يسخر من تسمية نيو ارلينز. فقد دأب البيض الاوربيون، بكل استعلاء، على إعادة تسمية كل بقعة استقروا فيها باسم اوروبي قديم، انجلترا الجديدة، زيلاند الجديدة، يورك الجديدة، ارلينز الجديدة. هي محاولة بائسة لشطب أثر القادمين من افريقيا وغيرها، اسماءهم الشخصية الأصيلة، اسماء مدنهم وقراهم، لغتهم.

كل شيء.

وحدها سمرة البشرة ظلت تذكر البيض المهيمنون بالنار والحديد ثقافيا وسياسيا، أن أناسا مختلفين يشاركونهم الأرض والشمس والماء والهواء.

يخلق لحن الجاز فوضى عجيبة، بينما يغازل كل فرد من الفرقة آلته بكل حرية وارتجال، تصل المقطوعة إلى المستمع وهي في كامل التناسق وكأن رابطا سريا يجمع أرواح العازفين.

الأرجوحة او “السوينغ” هي فراشات ملونة يتركها الجاز داخل عشاقه، فتستمر في التحليق طول الوقت، حين تمطر وحين تشمس،و حتى حين تبرق وترعد. ترقص بخفة بينما العالم ينهار تحت أقدام أصحابه، هي النور والحياة والتفاؤل الذي لا يكل ولا يمل.

ببساطة، الجاز هو ابتسامة عريضة وصرخة من أجل الحرية.

عصابة طالبان تمنع الموسيقى، جميع أنواع الموسيقى. تسمح فقط بصوت الرشاش القاتل، وصوت السيوف وهي تجز الأيادي والرؤوس.

كل موسيقى العالم هي جاز.

طالبان أصولية فاشية متوحشة إلى زوال.

كل أصوليات العالم، حتى المتخفية خلف ستار من الكلام الجميل المنظوم وربطات عنق أنيقة، ستختفي بعد أن يقاومها الفن والأدب والموسيقى، وربما السياسة مثل ما يحصل الآن في تونس.

ألف عازف الترومبيت ديزي جيليسبي أغنية باسم “فاصل”، مع كلمات كتبتها وقدمتها المغنية سارة فوغان، لتُقدم فيما بعد تحت إسم “ليلة في تونس” بكلمات بديلة كتبها مغني الجاز جون هندريكس.

تونس في الجاز وتونس في مواجهة الظلاميين.

مرة أخرى سينتصر الجاز وتنتصر تونس وتنهزم طالبان وإخوانها.

يا له من عالم جميل….!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock