وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (9)
لقد منح المغاربة للبيجيدي فرصا لم يمنحوها لأي حزب من قبل ترأس الحكومة. فبالإضافة إلى تفهمهم لافتقار الحزب إلى تجربة تسيير الشأن الحكومي باعتباره لم يسبق أن شارك في أي تشكيلة حكومية، أجّلوا مطالبهم الاجتماعية (الزيادة في الأجور، التشغيل، الترقيات، تجويد الخدمات الاجتماعية…) أملا في العمل على تلبيتها خلال الولاية الثانية للحزب على رأس الحكومة. رهان طرحه الحزب نفسه عند الإعداد لبرنامجه الانتخابي لتشريعيات 2016 الذي جعل له شعار “صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح”، ومقدمة يقر فيها بالتالي (خلافا للتجارب الانتخابية السابقة، يتميز سياق إعداد برنامج الحزب بمتغير جديد، يتمثل في تحمل الحزب لمسؤولية قيادة العمل الحكومي خلال الخمس سنوات الأخيرة. هذا المتغير الجديد جعل من اللازم وضع تقييم حصيلة العمل الحكومي في صلب هذه المنهجية، وذلك عملا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأيضا لكون هذا التقييم مفيد في تجويد وتطوير البرنامج الانتخابي، كما أن هذه التجربة تتيح للحزب استثمار الخبرة التي راكمها في تدبير الشأن العام، والإحاطة بشكل أدق بمعطياته ورهاناته وإمكاناته وإكراهاته، بما يعزز قدراته على استهداف الأولويات). إلا أن البرنامج الانتخابي لسنة 2016 لم يقدم الحصيلة الحكومية بقيادة البيجيدي وفشلها في إنجاز الأوراش الاقتصادية والاجتماعية الكبرى حتى إن جلالة الملك تدخل مباشرة فأقال عددا من الوزراء لعدم كفاءتهم وفشلهم في تدبير المرافق الحكومية التي كانت تحت وصايتهم.
واستمرت عناصر الفشل الحكومي قائمة حتى خلال الولاية الثانية للبيجيدي، حيث خضعت الحكومة لأكثر من تعديل بسبب افتقارها إلى الكفاءات حتى إن جلالة الملك أمهل رئيس الحكومة، في خطاب العرش 2019، بضعة أشهر لتعديل الحكومة وتطعيمها بكفاءات وطنية (نكلف رئيس الحكومة بأن يرفع لنظرنا، في أفق الدخول المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق). وحتى عند تعديل الحكومة جاءت أضعف من سابقتها فخضعت بدورها للتعديل بعد مدة وجيزة.
فالبيجيدي لم يكن همّه البحث عن الكفاءات الوطنية واستثمارها في خدمة الوطن، بقدر ما كان هاجسه توزيع الريع على أعضائه وحلفائه في الحكومة، علما أن الخُطب الملكية تشدد على محاربة الريع والفساد لأنهما أكبر عائق أمام جهود التنمية. وللمداراة على فشله، ظل البيجيدي يردد لازمته أنه جاء لمحاربة التحكم وضمان الاستقرار (إن معادلة الإصلاح في المغرب تقترن اقترانا عضويا بالمحافظة على الاستقرار.
وإجمالا، فإن الحزب، باختياره مواصلة الإصلاح ومواجهة التحكم، يروم المساهمة في تعميق التوجه الديمقراطي لبلادنا) (البرنامج الانتخابي 2016). من المفروض، إذن، أن يقدم حزب العدالة والتنمية برنامجا انتخابيا رصينا وواقعيا نظرا لتجربته الحكومية التي راهن عليها كالتالي (استوحى البرنامج الانتخابي للحزب مضامينه الأولية من تقييم حصيلة تجربته الأولى في تدبير الشأن الحكومي، بما مكن من اقتراح تدابير وإجراءات غايتها ترصيد الإنجازات وتدارك التعثرات والاختلالات، هذا فضلا عن اختيار ما هو واقعي وقابل للإنجاز من الأهداف والإجراءات. وقد ساهمت عملية التقييم هذه في الدفع في اتجاه إنتاج برنامج واقعي وعملي، قوامه التوفيق بين التشبث بالقناعات وحسن تقدير الإكراهات والعقبات المحتملة). لكن البرنامج ظل سجين التوجهات الإيديولوجية للحزب التي تفتقر إلى الرؤى الاستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة.
لهذا فشل الحزب في الالتزام بوعوده والأوليات الخمس التي حددها كالتالي:
1-توطيد الانتقال إلى مصادر جديدة للنمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني.
2-تثمين الثروة البشرية وصون كرامة المواطن.
3-تعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية.
4-تكريس الحكامة الجيدة.
5-تعزيز الإشعاع الدولي للمغرب.
إن البرنامج الانتخابي للبيجيدي، سواء لسنة 2016 أو 2021، لا يعكس حقيقة الأوضاع، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية. فحين يتطرق “لإنجازات” الحكومة في قطاع التعليم مثلا، نجده يكتفي بتقديم الإحصائيات المتعلقة بنسب التمدرس عند بداية السنة الدراسية ويتعامى عن تلك التي تم تسجيلها في نهاية الموسم الدراسي. فالعبرة بالخواتم. ذلك أن أعداد التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة في الأسلاك الثلاثة (ابتدائي، أعدادي، ثانوي) تبقى مرتفعة بالمقارنة مع الميزانية المرصودة لقطاع التعليم. فحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن عن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، فإن 304 آلاف و545 تلميذا كانوا ضحايا الهدر المدرسي سنة 2020.
وتفيد الإحصائيات الرسمية أنه بحلول عامي 2017 و2018، تزايدت حدة الهدر المدرسي، ليصل مجموع التلاميذ المغادرين لفصول الدراسة إلى 431 ألفا و876 تلميذا(ة)، منهم ما يفوق 126 ألفا بالتعليم الابتدائي (أي 7.4 في المائة من المتمدرسين المسجلين بمنظومة “مسار” بقطاع التربية والتكوين). وفي توضيح لوزارة التعليم حول نسب الهدر المدرسي نجد أن “نسبة الهدر المدرسي بالسلك الابتدائي على المستوى الوطني بلغت 1.1 في المائة خلال الموسم ال دراسي2017-2018، بما يعادل 38740 تلميذة وتلميذ.
أما على مستوى السلك الثانوي الإعدادي، فقد بلغت نسبة الهدر المدرسي سنة 2018-2017، 12 في المائة على المستوى الوطني، أي ما يعادل 183218 تلميذة وتلميذا”. إن البيجيدي الذي يتغنى بـ «انجازاته” في مجال تعميم التمدرس مكتفيا بأعداد المسجلين، كان عليه أن يذكر للناخبين أعداد المنقطعين وأسباب الانقطاع عن الدراسة.
فالإحصائية التي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تفيد انقطاع 508 ألفا 300 تلميذا(ة)، عن الدراسة سنة 2015، وهو ما يوازي 8.8 في المائة من مجموع التلاميذ. ورغم التراجع النسبي، فإن عدد المنقطعين سنة 2016 بلغ 407 ألفا و674، أي ما يعادل 7.1 في المائة من أعداد التلاميذ الممدرسين.
ينما بلغ عدد المنقطعين سنة 2018 ما مجموعه 359.745 تلميذ، وفي سنة 2019 انقطع عن الدراسة 304.545 تلميذا. فما الفائدة إذن من استعراض أعداد التلاميذ المستفيدين من برنامج “تيسير”(2.593.413 تلميذ) وكذا من المبادرة الملكية “مليون محفظة”(4.652.230 تلميذ) إذا لم ينعكس هذا المجهود الجبار على نسب التمدرس وجودة التعليم؟ إن الحكومة لا تواكب هذه الجهود بجهود مماثلة على مستوى فك العزلة عن العالم القروي بتعبيد الطرقات وفتح المسالك والربط بشبكة الكهرباء والماء الصالح للشرب وتوفير النقل المدرسي والداخليات. ذلك أن الأوضاع التي تعاني منها ساكنة العالم القروي تنعكس سلبا على نسب التمدرس، كما هو بيّن من المعطيات الرسمية التالية:
أ ــ نسبة تمدرس الأطفال في سن 4 ــ 5 خلال 2018/2019: 65.9 % ذكور و64.9 % إناث في الوسط الحضري، بينما في الوسط القروي نجد فقط 55.3 % ذكور مقابل 39.2 % إناث.
ب ــ نسبة تمدرس أطفال 12 ــ 14 سنة: 99.7 % ذكور بالوسط الحضري مقابل 87 % ذكور بالوسط القروي، و99.4 % إناث (حضري) مقابل 75.8 % إناث (قروي).
ج ــ نسبة تمدرس أطفال 15 ــ 17 سنة: 83.7 % ذكور (حضري) مقابل 47.9 % ذكور (قروي) 87.8 % إناث (حضري) مقابل 35.6 % إناث (قروي).
يتبع …