وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (6)
إن إجراءات حكومتي البيجيدي في مجال التعليم، خاصة تلك المتعلقة بتوظيف المتعاقدين وتقليص الميزانية وتشجيع القطاع الخاص، أثرت مباشرة على الجودة؛ بحيث لم يتحسن ترتيب المغرب في مؤشر جودة التعليم رغم الوعود التي قدمها رئيس الحكومة السابق بنكيران بتخصيص جزء من أموال صندوق المقاصة، بعد تحرير أسعار المحروقات، لتجويد الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحية).
فخلال عشر سنوات من تدبير البيجيدي للشأن الحكومي، ظل المغرب يحتل المراتب المتأخرة رغم الإنجازات التي تحققت على مستوى تعميم التعليم الابتدائي. إذ في سنة 2014 تم تصنيف المغرب ضمن 21 أسوأ دولة في مجال التعليم إلى جانب عدد من البلدان الإفريقية الفقيرة جدا، حيث إن أقل من نصف عدد الأطفال يتعلّمون المهارات التعليمية الأساسية، وهو نفس العدد الذي أوردته وثيقة صادرة عن اليونسكو سنة 2008. هكذا حافظ المغرب على مراتبه الأخيرة في مؤشر التعليم: 101 سنة 2015، 104 سنة 2017، 101 سنة 2021. ففي البرنامج الانتخابي لسنة 2011 انتقد البيجيدي وضعية التعليم العمومي الذي يسجل معدلات مرتفعة في الهدر المدرسي في كل المستويات: 10.8% في الثانوي الإعدادي و18% السنة الأولى من الإجازة. وكان من المفروض أن تعمل حكومتا البيجيدي، خلال الولايتين المتتاليتين، واعتبارا للإمكانات المالية التي توفرت لهما، على محاربة الهدر المدرسي والجامعي وتحد من أعداد التلاميذ والطلبة المنقطعين عن الدراسة، إلا أن الظاهرة ظلت مستفحلة؛ إذ كشفت الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن 304 آلاف و545 تلميذا كانوا ضحايا الهدر المدرسي لسنة 2020. كما كشفت إحصائية رسمية أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تفيد مغادرة 431 ألف و876 تلميذا(ة) من سلكي الابتدائي الثانوي الإعدادي لفصول الدراسة قبل حصولهم على الشهادة وفق مؤشر ما بين 2014 و 2018.
وبحسب “الأطلس المجالي الترابي للانقطاع الدراسي” الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فإن 78 في المائة من المنقطعين عن الدراسة من المفروض أن تحتفظ بهم المنظومة التربوية إلى حدود سن الـ 15 عاما على الأقل من أجل تأمين هدف السن الإجباري للتمدرس”. فقد انقطع عن الدراسة سنة 2015 ما مجموعه 508 ألفا 300 تلميذا(ة)، وهو ما يوازي 8.8 في المائة من تلاميذ قطاع التربية الوطنية، ليتراجع العدد إلى 407 ألفا و674، أي ما يعادل 7.1 في المائة من أعداد التلاميذ الممدرسين.
غير أنه بحلول عامي 2017 و2018، تزايدت حدة الهدر المدرسي، ليصل مجموع التلاميذ المغادرين لفصول الدراسة إلى 431 ألفا و876 تلميذا(ة)، منهم ما يفوق 126 ألفا بالتعليم الابتدائي، وهو مجموع يوازي 7.4 في المائة من المتمدرسين المسجلين بمنظومة “مسار” بقطاع التربية والتكوين. إن حكومة البيجيدي أبدعت في تلغيم التعليم العمومي وتعقيد مشاكله وإكراهاته.
فبدل أن تركز جهودها على تعميم التعليم ومحاربة الهدر المدرسي والرفع من الجودة والمردودية، نجدها أجهزت على الحقوق والمكتسبات لهذه الفئة من الموظفين. وهي بهذه القرارات تقوض أهم أساسات التنمية وشروط إنجاح النموذج التنموي الجديد. وهو الأمر الذي شدد عليه والي بنك المغرب في تقريره السنوي أمام جلالة الملك يوم 31 يوليوز 2021 حين اعتبر أن أهم الإصلاحات التي يتوجب تسريع إنجازها هي تعديل المنظومة التعليمية التي ما زالت كافة التقييمات تؤكد مدى ضعفها في الوقت الذي تستلزم فيه التحديات الراهنة جعل تكوين اليد العاملة ونخب المستقبل الأولوية المطلقة.
ينطلق حزب العدالة والتنمية، في برنامجه الانتخابي 2011، من انتقاد الحكومات السابقة بكونها لم تكن حكومات “اجتماعية”، مما ساهم في انتشار الفقر والهشاشة والتهميش. لهذا يزعم الحزب أن برامجه الانتخابية تهدف أساسا إلى محاربة الفقر والهشاشة وتحسين مستوى عيش الطبقات الفقيرة.
ففي برنامجه الانتخابي لعام 2011، وعد بتغيير الوضعية المادية والاجتماعية للفئات الهشة وتحسين دخلها ومستواها المعيشي. وجاء برنامجه موغلا في الوعود التي أخلفها، ومنها: 8 ــ الفقر: حيث انتقد الحزب وجود 8.5 مليون معوز سنة 2011 واعدا بتقليص النسبة ودعم الطبقات الفقيرة ومحاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية وخلق تنمية مستدامة باعتماد “مقاربة جديدة ترتكز على ثلاثة خيارات:
أ -جعل الدولة في خدم المواطن والتأكيد على مركزية الإنسان باعتباره محورا وهدفا لبرامج التنمية.
ب -إطلاق المبادرة وتحرير طاقات الإنسان المغربي في التنافس والإنتاج والقطع مع اقتصاد الريع والاحتكار.
ج -إرساء نظام فعال في التضامن والتوازن الاجتماعي وتصحيح الفوارق والعدالة في توزيع الثروة. فهل أوفى الحزب بوعوده على مدى عشر سنوات؟ بحسب تقارير صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، ومنظمة الأمم المتحدة، والبنك الدولي، فإن نسبة الفقر ارتفعت إلى 17.1 بالمائة سنة 2019، أي قبل جائحة كورونا حتى لا يتحجج الحزب بها. وترجع لجنة النموذج التنموي في تقريرها السبب في عجز الحكومات، وخاصة حكومة البيجيدي التي توفرت لها الإمكانات المالية والدستورية التي لم تتوفر لسابقاتها (أموال صندوق المقاصة، القروض الداخلية والخارجية، انخفاض سعر البترول، مواسم فلاحية جيدة في أغلبها) إلى ” تباطـؤ فـي مسـار التحـول الهيكلـي للاقتصاد الوطنـي، كمـا تـدل علـى ذلـك بنيـة الناتـج الداخلـي الخـام التـي لـم تعـرف تطـورا كبيـرا خـلال العقديـن الأخيرين.”
فلا ينكر أحد الجهود الذي بذلها المغرب في محاربة الفقر، ومنها إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 عبر ثلاث مراحل. لكن “الفـوارق الاجتماعية لا زالـت فـي مسـتوى مرتفـع فـي ظـل سـياق يتسـم بضعـف الحركيـة الاجتماعية وبعجـز فـي إدمـاج بعــض الفئــات مــن الســكان، وبكــون الحمايــة الاجتماعية لا تــزال فــي بدايتهــا. وتواجــه الطبقــة الوسـطى تراجعـا ملحوظـا فـي قدرتهـا الشـرائية بسـبب التكلفـة العاليـة لخدمـات التربيـة والصحـة المقدمة من طـرف القطـاع الخـاص كبديـل لضعـف جـودة العـرض العمومـي لهـذه الخدمـات” (تقرير لجنة النموذج التنموي). ومعنى هذا أن كل الإجراءات التي اتخذتها حكومة البيجيدي برئاسة بنكيران ثم من بعده سعد الدين العثماني (تحرير أسعار المحروقات، رفع الدعم عن عدد من المواد الغذائية، الرفع من نسبة الضريبة والضريبة على القيمة المضافة، تخفيض ميزانية التعليم والصحة…) استهدفت مباشرة القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والوسطى (38 %مــن الســاكنة لا يتوفــرون علــى تغطيــة صحيــة، كمــا أن الأسر تتحمــل فــي المتوســط 50 %مــن نفقـات الصحة.
(يتبع…)