وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (4)
وعود كثيرة أطلقها حزب العدالة والتنمية، سواء في انتخابات 2011 أو خلال رئاسته للحكومة دون أن يتمكن من تحقيقها، ليس لقلة الإمكانيات المادية والخبرات الوطنية، ولكن لافتقاره إلى الكفاءات وكذا تحالفه مع المفسدين وناهبي المال العام. إذ كان أول قرار اتخذه رئيس الحكومة السابق بنكيران هو طمأنة المفسدين على مصيرهم ومصير ما نهبوه بقرار “عفا الله عما سلف” الذي يتناقض كلية مع شعار الحزب في الحملة الانتخابية “صوتك فرصتك من أجل محاربة الفساد والاستبداد”.
فالحزب لم يخلف فقط، وعده لأعضائه وناخبيه الذين ناصروه بناء على الشعار الذي خاض به حملته الانتخابية، بل أخلف وعده للشعب قاطبة لما عطّل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي ينص عليه الدستور.
ذلك أن الظروف السياسية التي أفرزها الحراك السياسي وفّرت لحكومة البيجيدي كل العناصر المحرضة على التصدي للفساد والنهب بكل شجاعة: فهناك الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، ثم الشعب الذي يطالب بمحاسبة الفاسدين ، فضلا عن الخطب الملكية التي تشدد، في أكثر من مناسبة، على محاربة الفساد وتجعله شرطا لتحقيق التقدم والتنمية “اللحاق بركب الدول الصاعدة لن يتم إلا بمواصلة تحسين مناخ الأعمال، ولاسيما من خلال المضي قدما في إصلاح القضاء والإدارة، ومحاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، التي نعتبرها مسؤولية المجتمع كله، مواطنين وجمعيات، وليست حكرا على الدولة لوحدها(خطاب 20 غشت 2014)، (فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين)(خطاب العرش 2016).
فكما أخلف البيجيدي الوعد بتطبيق الدستور ومحاربة الفساد والريع، سيخلف باقي وعوده التي رأينا بعضها في المقالة السابقة، وفيما يلي بعضها الآخر:
4ــ مضاعفة مردودية الاستثمار العمومي. وعد أخلفه البيجيدي لأسباب كثيرة أهمها
أ ــ تخفيض ميزانية الاستثمار بـ 25 مليار درهم من 59 مليار التي كانت مرصودة للاستثمارات العمومية سنة 2013 لإبقاء عجز الميزانية قريبا من 5.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام استجابة لضغوط المقرضين؛ الأمر الذي انعكس سلبا على نشاط المقاولات المغربية. نهج سارت عليه حكومة بنكيران الذي شدد أمام البرلمانيين، في يوليو 2014، على مواصلة التحكم في عجز الميزانية بتخفيض النفقات.
ب ــ كلفة الفساد على الاقتصاد المغربي التي قدّرتها الجمعية المغربية لحماية المال العام بـ 50 مليار درهم سنويا، أي 5 % من الناتج الداخلي الخام. وهذا مبلغ مهم لدعم الاستثمار وخلق فرص التنمية. 5 ــ إصلاح ضريبي فعال وعد به الحزب في برنامجه الانتخابي ويتوخي “تخفيف العبء من الضريبة على الدخل عن الفئات الدنيا والمتوسطة ورفع مساهمة ذوي الدخول العالية. إقرار منظومة جديدة للضريبة على القيمة المضافة في أفق إعفاء المواد الأساسية على المستويين الغذائي والطبي وتطبيق 30 % على المواد الكمالية وتثبيت وتوحيد السعر العادي على عموم المواد”. لكن الذي طبقه الحزب مخالف لما وعد به بحيث رفع من نسبة الضريبة على الأراضي المخصصة للعقار من 20 في المائة إلى 30 في المائة، وكذا الضريبة على السيارات ذات القوة الجبائية فوق 11 حصانا، كما أعاد فرض الضريبة على السيارات القديمة التي يفوق عمرها 20 سنة، الرفع من نسبة الضريبة على القيمة المضافة المخصصة لاستيراد الشاي الأخضر من 14 % إلى 20 %، الرسوم الجمركية المفروضة على اللوبيا والعدس المستوردين محددة في حوالي 40 في المائة، كما شمل ارتفاع نسب الضريبة على مواد غذائية أساسية أخرى مثل الزبدة. كل الضرائب التي مسها الارتفاع انعكست سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين دون أن يستفيدوا من وعود الرخاء والاستثمار التي قدمها الحزب. 6 ــ تحسين ترتيب المغرب في مؤشر مناهضة الفساد العالمي إلى 40 (85 في 2010).
هكذا وعد البيجيدي سنة 2011، وترأس الحكومة لمدة عشر سنوات فماذا تحقق وما هو ترتيب المغرب اليوم؟ فحسب مؤشر الفساد لعام 2019 احتل المغرب المركز 80 (تراجع بـ 40 درجة)، وفي عام 2020 احتل المركز 86 عالميا (تراجع بـ 46 درجة)؛ كما احتل المغرب المرتبة الـ 86 عالميا في مؤشر “إدراك الفساد” لسنة 2020، الصادر، يوم الخميس 28 يناير2021، عن منظمة الشفافية الدولية.وعلى الرغم من كون الحكومة وضعت “الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد” التي تمت المصادقة عليها سنة 2015، ظل المغرب يتراجع في الترتيب. وطبيعي أن يصل الترتيب بالمغرب إلى هذا الدرك ورئاسة البيجيدي للحكومة عطّلت الدستور الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة ولا زالت تعفي الفاسدين وتحميهم منذ اتخذ بنكيران قرار “عفا الله عما سلف”. ومعلوم أن السيد إدريس جطو، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للحسابات، سبق أن انتقد الحكومة والبرلمانيين بسبب إهمال التقارير التي يُعدّها قضاته “(ما بين 40 و50 تقريرا كل سنة، و250 مهمة رقابية واستطلاعية)، ولا تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الحكومة والبرلمان وتمر دون مناقشتها أو الاشتغال عليها وهي تقارير مهمة تبرز النواقص والاختلالات في القطاعات التي يتم افتحاصها ومراقبتها” حسب ما ورد في تصريح إدريس جطو أمام لجنة مراقبة المالية بمجلس النواب، يوم 23 يونيو2020. من الانتقادات التي وجهها البيجيدي للحكومات السابقة “أزمة مصداقية المؤسسات المنتخبة” علما أن البيجيدي ساهم بالقسط الأوفر في تعميق هذه الأزمة من خلال: تجميد ملفات المجلس الأعلى للحسابات والتي تهم الاختلالات التي عرفها صرف المال العام بالمجالس المنتخبة، وكذا حماية الحزب لأعضائه المتورطين في نهب وتبذير مالية عدد من المجالس الترابية لدرجة أن رئيس الحكومة تدخل مباشرة لوقف التحقيقات إلى حين مرور الانتخابات.
يتبع …