وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (2)
تختلف الأهداف المركزية التي تأسس حزب العدالة والتنمية من أجل تحقيقها عن تلك التي تؤسس لوجود باقي الأحزاب المغربية: يسارية، اشتراكية، ليبرالية، محافظة. فإذا كانت هذه المجموعة الأخيرة تحصر وجودها في خدمة مصلحة الشعب وتتنافس فيما بينها على صيانة كرامته وضمان شروط عيشه الكريم، فإن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى إقامة “دولة الخلافة” وتطبيق الشريعة وفق ما تحدده استراتيجية التنظيم الدولي لجماعة الإخوان ، والتي تضمنتها رسالة مرشده العام لإخوان المغرب كالتالي (هذه رسالة لإخواننا في المغرب، وهي الرسالة الثالثة التي يأفل بها هذا العقد وهي خطة عمل ننهي بها القرن العشرين ونبدأ بها قرنا جديدا يكون فيه التمكين بإذن الله تعالى، وبهذه الخطة سيتحول فيها إخواننا في المغرب من مرحلة الاستضعاف والصبر السلبي إلى مرحلة القوة والصبر الإيجابي ليفتح الله لهم حكم بلادهم فيكونوا درعا للإخوان وحكومة من حكومات دولة الخلافة المنشودة لترفع راية الإسلام خفاقة من المشرق إلى المغرب وتكون كلمة الله هي العليا).
التمكين
فـ”التمكين” كهدف مركزي واستراتيجي لدى الإخوان لن يتحقق بين عشية وضحايا، إذا لا بد من وضع خطط متدرجة وتكتيكات محددة تضمن التقدم في إنجاز الاستراتيجية باختراق الدولة والتغلغل في مفاصلها.
لأجل هذا سيستعمل الحزب ما استطاع من الوسائل لبلوغ الهدف بما فيها استغلال الدين في الصراع السياسي والتغرير بالناخبين عبر التظاهر بالتقوى والتدين وتوزيع الوعود المزيفة.
وعود البرنامج الانتخابي 2011
حمل البرنامج الانتخابي سنة 2011 لحزب العدالة والتنمية جملة من الوعود والالتزامات المُغرية، مستغلا الأجواء العامة التي أفرزتها الحركات الاحتجاجية المرتبطة بما كان يسمى زورا “الربيع العربي”، حيث قدم الحزب نفسه كقوة سياسية تملك كل الحلول لما يعانيه الشعب المغربي من مشاكل مادية واجتماعية.
هكذا أعلن الحزب في برنامجه الانتخابي لعام 2011 ما يلي:
“إن تصورنا في حزب العدالة والتنمية للمجتمع المنشود يقوم على التطلع إلى بناء مجتمع متوازن ومستقر ومتضامن ومزدهر، قوامه طبقة وسطى واسعة مع نظام تضامني يحقق العيش الكريم لفقرائه ويوفر الأمان وشروط الفعالية والمسؤولية الاجتماعية لأغنيائه”. وقد بشّر الحزب، عبر برنامجه، بسلسلة من الأهداف المغرية بمجرد تصدره للانتخابات وقيادته للحكومة “إن حزب العدالة والتنمية وهو يخوض الاستحقاقات الانتخابية بعزم وتصميم على كسبها، يتقدم للشعب المغربي بمقاربة جديدة ترتكز على ثالث خيارات:
-جعل الدولة في خدمة المواطن والتأكيد على مركزية الإنسان باعتباره محورا وهدفا لبرامج التنمية.
-إطلاق المبادرة وتحرير طاقات الإنسان المغربي في التنافس والإنتاج والقطع مع اقتصاد الريع والاحتكار.
-إرساء نظام فعال في التضامن والتوازن الاجتماعي وتصحيح الفوارق والعدالة في توزيع الثروة”.
عوامل عديدة لعبت لفائدة البيجيدي ومكّنته من تصدر نتائج الانتخابات، ويأتي في مقدمتها العزوف الواسع عن المشاركة في التصويت وسط الشباب؛ وهو نفس العامل الذي استغلته تنظيمات الإسلام السياسي في كل من تونس ومصر.
فالشباب الذين قادوا الحراك السياسي، بمن فيهم حركة 20 فبراير، لم تكن لهم أية استراتيجية تمكنهم من الحفاظ على مكتسبات الحراك وحسن استثمارها في إفراز نخبة سياسية قادرة على إدارة الشأن العام بما يخدم الأهداف ومطالب الحراك في “الحرية والعدالة والكرامة الاجتماعية”. مطالب رفعها الشباب وتخلوا عن الانخراط الفعال في تحقيقها، بل تركوها فرصة للاستغلال من طرف الإسلاميين الذين ركبوا على الحراك ليستديروه نحو غايتهم الأساسية وهي “التمكين”، أي الهيمنة على الدولة والسلطة.
لحسن الحظ، أن الحراك إياه لم يؤد إلى فراغ في السلطة أو انهيار للدولة كما هو الشأن في تونس ومصر وليبيا، بل ظل النظام الملكي طوق النجاة من أي انجراف أو انحراف حمى الوطن من التخريب والتدمير. وكما ركب البيجيدي على الحراك رغم أنه لم يشارك فيه، بل قاومه، استغل أيضا شعاراته ومقاربته السياسية ليكسب مزيدا من الأصوات الانتخابية (كثير من الناقمين على أحزابهم صوتوا لصالح مرشحي البيجيدي).
هكذا سيتبنى الحزب، شكليا، شعارات الحراك موهما الجميع أنه مقتنع بها وحريص على تحقيقها: “إن السياسات المتبعة أدت إلى وضع المغرب على طريق القطيعة بين فقرائه وأغنياه مع الإضعاف المتزايد للطبقة الوسطى، وما يؤدي إليه من انتشار للفساد والنهب والريع ومصادمة اختيارات المجتمع وهويته وتآكل القيم الإيجابية فيه، وهو مسار أفضى إلى إنتاج نظام تحكمي وصل إلى نهايته وأصبح عاجزا عن تمكين بلادنا من موقع ريادي بين الدول، ونعتقد أن إيقاف هذا المسار أصبح خيارا حتميا لا مفر منه لا سيما في ظل الربيع الديمقراطي”.
شعارات سطا عليها البيجيدي وجعلها عنوان برنامجه الانتخابي لاستحقاقات 2011 وشعاره المركزي “من أجل مغرب جديد، مغرب الحرية والكرامة والتنمية والعدالة”. برنامج استهله بالهجوم على الحكومات السابقة وتبخيس عملها، بل والتنكر لك جهودها: “رغم ما توفر للحكومة من إمكانات استثنائية فقد أخفقت في تحقيق التنمية الموعودة وفرطت في التوازنات الاقتصادية التي كلفت الشعب المغربي تضحيات كبيرة. هذا الإخفاق هو نتيجة طبيعية للاختلالات الحادة في مقاربة تدبير الشأن العام والقائمة على التحكم والريع والفساد”. هذا هجوم مجاني على الحكومات التي سبقته إلى تدبير الشأن العام ومهدت له السبيل لاستغلال عدد من برامجها الاجتماعية والاقتصادية ومشاريعها الإصلاحية في قطاعات عدة (برنامج تيسير للتحويلات المالية المشروطة لتلاميذ الابتدائي والإعدادي في العالم القروي والحضري ،الذي وضعته وزارة التعليم بتنسيق مع المجلس الأعلى للتعليم والجمعية المغربية لدعم التمدرس، والذي انطلق العمل به خلال شهر شتنبر 2008، نظامي التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ونظام المساعدة الطبية “راميد” واللذين تم إحداثهما سنة 2002، وقد أجريت تجربة نموذجية بجهة تادلة بني ملال سنة 2008 ، ليتم تعميم نظام المساعدة الطبية سنة 2011، أي قبل تنصيب حكومة البيجيدي).
يتبع