مدارات

وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (17): السطو على المبادرات الملكية…!

مشاريع استثمارية وأوراش تنموية كبرى ركب عليها البيجيدي خلال حملته الانتخابية بعد أن وجد حصيلته في تدبير الشأن الحكومي لا تسعفه بالتغني واستعراض المنجزات. فالتقارير الرسمية للمؤسسات الدستورية وكذا الدولية كشفت عن الفشل الذريع للبيجيدي على رأس الحكومة لولايتين متتاليتين. بل من المفارقات أن يتبنى البيجيدي أوراشا أو مبادرات هو ذاته تصدى لها عبر عدد من قيادييه الذين جنّدوا ألسنتهم وفتاواهم بغرض إفشالها كما هو الشأن بالنسبة للمبادرة الملكية المتمثلة في برنامج “انطلاقة” لدعم المقاولين الشباب على إنشاء مقاولاتهم والاندماج في النسيج الاقتصادي. هكذا نجد البرنامج الانتخابي للبيجيدي 2021 يسطو على المبادرات الملكية لتشجيع الاستثمار ودعم المقاولين الشباب (وبلغ عدد مشاريع الاستثمار التي تمت مواكبة أصحابها من قبل المراكز الجهوية للاستثمار ودراستها والبت فيها من قبل اللجان الجهوية الموحدة ما يناهز 2588 ملفا خلال سنة 2020، مسجلا ارتفاعا بنسبة 51 بالمائة مقارنة مع سنة 2019، فيما ارتفع عدد ملفات الاستثمار التي تمت المصادقة عليها خلال سنة 2020 والتي بلغ عددها 1499 ملفا بنسبة 24 بالمائة مقارنة مع سنة 2019). إن الفضل في ارتفاع أعداد مشاريع الاستثمار يعود أساسا إلى المبادرات والبرامج الملكية وعلى رأسها “البرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات” الذي أعطى العاهل المغربي انطلاقته في يناير 2020 لدعم الخريجين الشباب حاملي المشاريع والمقاولات الصغيرة والمتوسطة فضلا عن مواكبة إضافية لـ 13.500 مقاولة. وقد انخرطت في هذه المباردة الأبناك المغربية التي تقدم قروضا بفوائد بسيطة (1.5% في العالم القروي و2 % في المدن).

فضلا عن هذا يوجد برنامج دعم المقاولات الصغرى والتشغيل الذاتي لفائدة السجناء السابقين والذي مكّن، سنة 2018، من تشغيل 453 سجينا سابقا من ضمنهم 87 من العنصر النسوي في مقاولات مواطنة. وفي سنة 2019 استفاد من نفس البرنامج 478 سجينا سابقا. والبرنامج، في نسخه السنوية، يتم تنفيذه، بشراكة مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والقطاعات الوزارية المعنية بالتكوين، والمعنية بتقديم بعض الخدمات، ومكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، فضلا عن بعض الفاعلين في المجتمع المدني.

بالإضافة إلى هذه البرامج والمبادرات، يوجد صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والذي تم إحداثه بموجب ظهير شريف صدر شهر يناير من عام 2002، ويتولى تقديم المساعدة المالية لفائدة برامج السكن والبنية التحتية الطرقية بما فيها الطرق السيارة، والري وإقامة بنيات الاستقبال لفائدة الاستثمارات الصناعية والسياحية وبناء المركبات الثقافية والرياضية وإحداث البنيات التحتية لموانئ الصيد الصغيرة إضافة إلى تطوير تكنولوجيات الإعلام.

إن البيجيدي، وهو يعدّد المشاريع الاستثمارية والمقاولات خلال رئاسته للحكومة، يتجاهل ذكر العراقيل الإدارية التي تواجهها المقاولات، والتي كان من المفروض في حزب يزعم دعم الاستثمارات أن يذلل كل تلك العراقيل.

فالبحث الوطني الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط حول المقاولات لسنة 2019 انتهى إلى التالي (أبدى أرباب المقاولات آراء سيئة نوعا ما عن علاقاتهم بالإدارة العمومية. فثلثي أرباب المقاولات يعتبرون أن تعقد الإجراءات الإدارية يشكل عقبة أمام تطوير نشاطهم. بالإضافة إلى ذلك، تعد جودة الخدمات، وآجال الأداء والولوج للمعلومة بالنسبة لنصف المقاولات، من الإكراهات التي تعيق تطور نشاطهم).

ولنا أن نتصور حجم المشاكل والأضرار إذا علمنا أن المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة تشكل 95 في المائة من النسيج المقاولاتي للمملكة. إن العراقيل والصعوبات التي تواجه ممارسة الأعمال في المغرب يؤكدها كذلك البنك الدولي، الذي أشار في تقرير سابق إلى أن مناخ الأعمال في المغرب “معقد وغير شفاف”. فأين هي استراتيجية الحكومة لدعم الاستثمار وتشجيع المقاولات؟ حتى النظام الضريبي فشلت حكومة البيجيدي في إصلاحه رغم التقارير التي صدرت بشأنه، ومن ضمنها تقرير المندوبية السامية للتخطيط (2019) جاء فيه (بصفة عامة، يعتبر النظام الضريبي عائقا بالنسبة لحوالي 60% من أرباب المقاولات وغير مشجع على الاستثمار بالنسبة لـ 95% منهم، ويشوبه انعدام الثقة تجاه الإدارة الضريبية من طرف 88% من المقاولات، كما يشجع على اللجوء لممارسات غير قانونية بالنسبة لـ 69% من المقاولات. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر النظام الضريبي معقدًا بالنسبة لأكثر من نصف أرباب المقاولات (51%). وتصل هذه النسبة إلى 63% بالنسبة لأرباب المقاولات الكبرى. كل هذه العراقيل التي تكشف عنها التقارير لم تجعل الحكومة تسارع إلى إصلاح النظام الضريبي وتحسين علاقة الإدارة بالمقاولات.

طبعا لا يمكن أن ننتظر من حزب يجعل كل أهدافه منحصرة في دعم الأرامل وتوسيع قاعدة المستفيدات حتى يعززن قاعدته الانتخابية ويغذيها، أما المقاولات فلا توفر أي رصيد انتخابي للحزب الذي يستثمر في الفقر ويتغذى على ضحاياه.

فطبيعي، إذن، أن ينتقل “صافـي إحـداث فـرص الشـغل مـن حوالـي 144.000 منصـب إلـى 69.000 منصـب فـي المتوسـط السـنوي علـى التوالـي بيـن 2000 ـ2009 و2019-2010 وفقا لتقرير وزارة الاقتصاد والماليـة وإصـلاح الإدارة.

إن فشل البيجيدي لم يقتصر فقط على مجال الاستثمار ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وإنما تكرَّس حتى في المجال الذي لا يتطلب من الحكومة أية موارد مالية إضافية، بل ستحصّل ملايير الدراهم التي تضيع على خزينة الدولة بسبب الفساد والرشوة والتهرب الضريبي، ما جعل مراتب المغرب متأخرة في مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية (احتل المغرب المرتبة 88 عالمياً سنة 2015، وفي 2016 احتل المرتبة 90 عالمياً، وفي 2017 احتل الرتبة 81، وفي 2018 احتل المرتبة 73، وسنة 2019 احتل الرتبة 80، ثم الـمرتبة 86 عالميا سنة 2020.

هذه المعطيات تفنّد كلية ما جاء في برنامج البيجيدي 2021 من كون (بلادنا [حققت] عدة إنجازات خلال العقدين الماضيين في مجال ترسيخ الحكامة الجيدة والشفافية، التي تشكل أولوية أفقية لضمان نجاح مختلف المشاريع والإصلاحات، والتزمت حكومة الدكتور سعد الدين العثماني، بتوحيد الجهود المبذولة وتكثيفها لتحقيق نقلة نوعية في مجال الحكامة والشفافية، ترقى إلى مستوى تحديات دستور 2011 وتلبي تطلعات المواطنين المغاربة).

فما فائدة الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي تم وضعها سنة 2015؟ وما جدوى الـ 59 مشروعا ضمن الاستراتيجية التي يزعم البرنامج أن الحكومة شرعت في تطبيقها منذ 2017؟ ولمّا لم يجد البيجيدي ما يسند مزاعمه في محاربة الفساد، لجأ إلى الاحتيال والخديعة كالتالي ( الجهود الحكومية المبذولة، مكنت من تحسين تنقيط المغرب بشكل مطرد في مؤشر إدراك الفساد، الذي انتقل معدله من 33,2 في الفترة الممتدة ما بين 2002 و2006، إلى 41 ما بين 2017 و2020، مما يدل على أهمية هذه الجهود وأيضًا على الشوط الطويل الذي يتعين قطعه لمكافحة هذه الآفة)، بينما الحقيقة التي أخفاها برنامج الحزب هي التالي (المغرب شهد تراجعا ملحوظا في المؤشر، من 43 نقطة عام 2018 إلى 41 نقطة عام 2019 إلى 40 نقطة سنة 2020).

إن وضعية المغرب لم يطرأ عليها تغير مهم إذ ظل المؤشر، خلال قيادة البيجيدي للحكومة، شبه ثابت بين 80 و90، بحيث احتل المغرب الرتبة 91 سنة 2013 ب 37 نقطة، وفي 2012 احتل الرتبة 88 بـ 37 نقطة، والرتبة 86 سنة 2020؛ بينما كان يحتل الرتبة 80 سنة2011.

يتبع

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock