وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (13)
ملحوظة: إثر الهزيمة المدوية للبيجيدي في انتخابات 8 سبتمبر 2021، أصدرت أمانته العامة بيانا تعتبر فيه (أن النتائج المعلنة نتائج غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي والتجاوب الواسع المواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية). فقيادة الحزب لا تقر بالأخطاء والجرائم التي ارتكبها وزراء الحزب في حق الشعب.
تبخر الوعود
وتنويرا للرأي العام جاءت هذه المقالات لتبسط جملة من تلك الأخطاء والجرائم في حق الشعب والدستور والوطن، والتي بسببها مُني الحزب بهزيمة نكراء. تنتهي الولاية الثانية للبيجيدي على رأس الحكومة فتنكشف حقيقة وعوده التي قدمها للمواطنين عموما وللطبقتين الفقيرة والوسطى بدعمهما، وكذا حقيقة مزاعمه بكون الحكومة (اختارت منذ البداية، وبشكل واع، أن توجه سياستها الاجتماعية بدرجة أولى إلى الفئات الفقيرة والهشة لضمان قدر من التوازن الاجتماعي، مع سن سياسات أخرى للحماية الاجتماعية عادت بالنفع على مختلف الفئات المتوسطة والفقيرة، والرهان على التشغيل وتقليص الفوارق الترابية والمجالية). وعود تبخرت بفعل القرارات المجحفة التي اتخذها الحزب ضد القدرة الشرائية للمواطنين. أما ما يزعمه من (الزيادة العامة في أجور الموظفين تتراوح ما بين 400 و500 درهم للموظفين حسب الدرجة، والتي طبقت على ثلاث دفعات الرفع من الأجور) وكذا (الزيادة في الحد الأدنى من الأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات والفلاحة بنسبة 10 في المائة)، فهي لا تسمن ولا تغني من جوع أمام ارتفاع تكلفة المعيشة بعد تحرير أسعار المحروقات ورفع نسبة الضريبة على المواد الغذائية. وتبعا لمزاعم البيجيدي، فمن المفروض أن يشعر المواطنون بتحسن قدرتهم الشرائية ويرتفع مستوى ثقة الأسر.
غلاء المعيشة
لكن الحاصل هو العكس، إذ أظهرت معطيات المندوبية السامية للتخطيط أن معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال عام 2019، بلغ 43%. كما صرحت 85,2 % من الأسر بأن أسعار المواد الغذائية قد عرفت ارتفاعا. الأمر الذي انعكس سلبا على تصنيف المغرب على مستوى تكلفة المعيشة، إذ بات من بين أغلى الدول، حسب تقرير صادر عن الموقع الأمريكي Numbeo الذي يعد أكبر قاعدة بيانات حول كلفة المعيشة على الإنترنت في العالم. ومعلوم أن هذا التصنيف يأخذ في الاعتبار العديد من العوامل، بما في ذلك تكاليف المطاعم والنقل والمنتجات الاستهلاكية. هكذا احتل المغرب المرتبة 104 في العالم ليكون بذلك أغلى الدول في شمال إفريقيا، متقدما بفارق كبير عن الجزائر (119 درجة)، وتونس (120 درجة) مع مؤشر تكاليف المعيشة 34.32 من 100. لا ينكر أحد أن الفقر كان موجودا في المغرب، لكن الإجراءات التي اتخذها البيجيدي على رأس الحكومة عمّقته ماديا ونفسيا.
ففي تقرير تحت عنوان “الفقر في المغرب: التحديات والفرص”، اشترك في إعداده البنك الدولي والمندوبية السامية للتخطيط في المغرب في عام 2017، بيّن أن “معدل الإحساس بالفقر (وهي نسبة الأسر التي تعتبر نفسها فقيرة) انتقل من 41.8 % في 2007 إلى 45.1% في 2014. وكانت أكبر زيادة في المناطق القروية حيث ارتفع 15% ليصل إلى 54.3%، وهو ما يعني أن أكثر من نصف سكان الوسط القروي يعتبرون أنفسهم فقراء. كما أن 39.3 % من الأسر على المستوى الوطني، ترى أن الفقر زاد، فيما تعتقد 63.9% من الأسر أن التفاوت قد اتسع. وحسب المعايير التي يعتمدها البنك الدولي، فإن الفقير هو كل من يعيش بأقل من 3.20 دولار في اليوم في البلدان متوسطة الدخل. أما صفة الفقر المدقع، فتقع على من يعيش على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم. طبعا هذه الأرقام لا يأخذها وزراء البيجيدي في الاعتبار ماداموا يعتبرون أن من يحصل على 20 درهما يوميا ليس فقيرا (تصريح بسيمة الحقاوي). لا يخفى على المتتبع للشأن السياسي بالمغرب أن البيجيدي يستثمر في الفقر ولا يسعى لتحسين الأوضاع الاجتماعية لعموم المواطنين. لهذا نجده يركز في برامجه وخطابه على دعم الأرامل والأيتام دون بقية الفئات.
الفئات يركز عليها البيجيدي ويسعى لتوسيعها حتى تبقى خزّانا لأصواته الانتخابية
أكيد أن دعم هذه الفئات هو واجب الحكومة لكن ليس غايتها. فهذه الفئات يركز عليها البيجيدي ويسعى لتوسيعها حتى تبقى خزّانا لأصواته الانتخابية. ففي برنامجه الانتخابي 2021، يعلن الحزب التزامه بالعمل على توسيع قاعدة النساء الأرامل المستفيدات من الدعم المباشر، حيث تضمّن البرنامج الوصول إلى 200 ألف أرملة في أفق 2026. إذ ليس من مصلحة البيجيدي الانتخابوية التمكين الاقتصادي للأرامل وفتح فرص الأنشطة المدرة للدخل أمامهن. كل المؤشرات إذن، تؤكد أن الأوضاع المادية والاجتماعية لغالبية المواطنين في عهد حكومة البيجيدي تراجعت عما كانت عليه من قبل.
فحسب الأستاذ رشيد أوراز، الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، فإن الدخل الفردي السنوي المغربي نزل سنة 2020 ليصل إلى 3009 دولار أمريكي بعدما كان في 2011، أي قبل أن يتولى البيجيدي تدبير الشأن الحكومي، 3046 دولار. فأين هو تأثير رفع الأجور الذي يدعيه البرنامج الانتخابي للبيجيدي؟ فالمعطيات التي كشفت عنها دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعنوان “تعزيز وتوسيع الطبقة الوسطى بالمغرب” تفنّد مزاعم البيجيدي برفع الحد الأدنى للأجور، في القطاعين العام والخاص.
ذلك أن معطيات الصنـدوق الوطنـي للضمـان الاجتماعي، حسـب مختلـف فئـات الدخـل، تكشف (أن 45 فـي المائـة مـن الأجور المصـرح بهـا هـي أقـل مـن الحـد الأدنى للأجور، وأن 16 فـي المائـة مـن الأجراء يتقاضـون أجـرا شـهريا يتجـاوز 6000 درهـم، وأن 49 فـي المائـة مـن النسـاء يحصلـن علـى أجـر لا يتجـاوز الحـد الأدنى للأجور مقابـل 43 فـي المائـة لـدى الرجـال… وأن 8 فــي المائــة فقــط مــن الأجراء المصــرح بهــم يمكــن اعتبارهــم مــن الطبقــة الوسـطى ، أي الأجراء الذيـن يزيـد دخلهـم الشـهري المصـرح بـه علـى 10.000 درهـم، بينمـا يتقاضـى 73 فـي المائـة مـن الأجراء المصـرح بهـم أجـورا تضعهـم فـي فئـات أقـل وهـي الفئـات الفقيـرة والهشـة).
إذن، أين هي “السياسة الاجتماعية” التي “عادت بالنفع على مختلف الفئات المتوسطة والفقيرة” كما يزعم البيجيدي و52,2 % مقابل 19,1 % من الأسر المغربية أقرت بتدهور جودة خدمات التعليم خلال سنة 2019، وأن مؤشر الخدمات الصحية تراجع من “ناقص 50,5 نقطة إلى ناقص 61,4نقطة، بين سنتي 2018 و2019، مسجلا بذلك مستواه الأكثر سلبية “حسب نتائج بحث الظرفية لدى الأسر برسم نهاية سنة 2019 الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط؟
يتبع…