وزير انتهاك حقوق الإنسان
لم يصدر عن السيد الرميد، حتى لحظة كتبة هذه الأسطر، أي تصريح رسمي ينفي ما تتداوله موقع التواصل الاجتماعي من كون سعادته حرم كاتبته من حقها في الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي وهي التي ظلت تشتغل بمكتبه للمحاماة طيلة 24 سنة إلى أن وافتها المنية، رحمها الله، دون أن يمنحها الوزير فرصة تصحيح وضعيتها القانونية مع المؤسسة الاجتماعية.
سكوت الوزير ليس له من معنى سوى الإقرار بخروقاته التي تمثل فضيحة سياسية تمس بالمؤسسات الدستورية وتسيء إلى الحكومة. فالسيد الوزير لا يمثل نفسه حتى تقتصر الإساءة عليه وحده ، بل هو وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان، بحيث تلزمه مسؤوليته الحكومية والدستورية أن يسهر على توفير كافة الضمانات القانونية على مستوى القطاعات الحكومية لحماية حقوق الإنسان، والعمل على ترجمتها في السياسات العمومية. فضلا عن هذا فقد كان وزيرا للعدل والحريات، وهو المنصب الذي يفرض على صاحبه أن يكون عادلا ويسهر على ضمان العدل لعموم المواطنين ورفع الظلم عن المتضررين.
وقبل هذا وذاك، فالسيد الرميد كان مؤسِّسا ورئيسا لهيأة حقوقية (منتدى الكرامة لحقوق الإنسان) ومحاميا أقسم أن يمارس مهامه (بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقلال وإنسانية). كل هذه المسؤوليات المهنية والدستورية لم تحرّك في سعادته ضميره المهني ووعيه الأخلاقي وشعوره الوطني ليحترم قانون الشغل وما يوجبه على المشغّل نحو المشتغلين تحت إمرته.
فطيلة ممارسته لمهنة المحاماة إلى غاية تعيينه وزيرا في حكومة عبد الإله بنكيران سنة 2012، ظلت كاتبته الراحلة جميلة بشر تشتغل (حوالي 16 سنة) دون التصريح بها لدى صندوق الضمان الاجتماعي؛ واستمرت على هذه الوضعية غير القانونية إلى أن وافتها المنية قبل أيام قليلة. الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى القوانين التي لا تلزم أرباب العمل باحترام قانون الشغل، وكذا الحس القانوني والوطني لدى مثل هذا الوزير الذي من المفروض فيه أن يكون النموذج في احترام الدستور وتطبيق القانون قبل أن يطالب المواطنين باحترامه.
فأي ضمير هذا الذي يسمح لصاحبه أن يحرم الكاتبة من حقوقها الاجتماعية التي يضمنها لها القانون التي أقسم سيادته على احترامه؟ مهما كان “سخاء” السيد الرميد مع كاتبته فلن يعفيه من “جريمته” القانونية في حقها ، والتي لا يمكن تمثل خطورتها إلا باستحضار الوضعية التي ستكون عليها حين إحالتها على التقاعد وقد فقدت مورد رزقها . فهل استحضر السيد الرميد وضعية موظفة محالة على التقاعد دون معاش يضمن لها الحد الأدنى من شروط العيش الكريم؟ هل كان يفترض أنها ستواصل الاشتغال بالمكتب حتى بعد بلوغها سن التقاعد؟ أم أنه كان يدخر لها مورد رزق قار بعد إحالتها على التقاعد؟ هل سأل نفسه عن مصير كاتبته المتقاعدة بدون معاش أو مورد مالي قار؟
إن الوضعية المهنية والقانونية والاجتماعية التي كانت عليها الراحلة طيلة مدة عملها بمكتب السيد الرميد تؤكد غياب الحس الوطني والقانوني والإنساني وحتى الديني. فكيف لمسؤول في حركة دعوية وحزب سياسي يدعيان أن مرجعيتهما الإسلامية تلزمهما بتمثل تعاليم الدين الإسلامي في الأقوال والأفعال والعمل على إشاعتها في المجتمع وتربية المواطنين على النزاهة والاستقامة واحترام الحقوق وأداء الأمانات والوفاء بالعهود، يسمح لنفسه هضم حقوق الكاتبة المنصوص عليها في القانون؟ الإخلال بالأمانة الوطنية والدينية في حق الكاتبة يتناقض مع مظاهر الورع والتقوى ومداعبة حبات السبحة والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بمناسبة أو بغيرها.
هذا التناقض هو الذي ذهبت ضحيته الراحلة ووصفه الله تعالى بالمقت الكبير (كبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). فالضحية لم يشفع لها أنها من العائلة السياسية والإيديولوجية لسعادة وزير حقوق الإنسان، كما لم يشفع لها طول مدة العمل اليومي في المكتب(12 ساعة) . هذه الفضيحة القانونية تؤكد لنا حقيقة جشع تجار الدين ونفاقهم الاجتماعي والسياسي. فمن يهضم حقوق موظفة بسيطة ولا يخاف فيها القانون ولا الله، سيهضم بالتأكيد حقوق بقية المواطنين. وليس غريبا على سعادة الوزير أن يتنكر لحقوق كاتبته مادام منخرطا في إستراتيجية أسلمة المجتمع والدولة .إذ لطالما طالب حزب العدالة والتنمية بأسلمة الدولة وجعل تشريعاتها مستوحاة من الإسلام وليس القانون الوضعي. واليوم بات واضحا معنى أسلمة الدولة وتشريعاتها التي يطالب بها الحزب. فالأسلمة ترفض التغطية الصحية والضمان الاجتماعي والتأمين على الحياة، ومن ثم لا نستغرب من حرمان الكاتبة الراحلة من حقوقها من طرف قيادي بالحزب الذي يتعامل مع المرأة ككائن ناقص وقاصر بحاجة إلى ولي أو وصي يقرر نيابة عنها.
لقد بات واضحا إذن، أن من يحرم الكاتبة من حقوقها القانونية لن يسعى إلى ضمان حقوقها الدستورية في المساواة والمناصفة، أو حمايتها من كل أشكال العنف والتمييز والاستغلال. فالعنف الذي مارسه سعادة وزير حقوق الإنسان على الراحلة هو عنف مركَّب يتداخل فيه العنف القانوني والنفسي والاجتماعي. فمن سيحاسب الوزير إذن، عن هذه الجريمة القانونية في حق الراحلة؟ (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).