هنا المغرب، هنا المسلم… وهنا اليهودي…!
إن قدر هذا الوطن أن يظل متعددا وفريدا في نفس الآن.
لا شرقي ولا غربي.
بل شيء من هنا و أشياء من هناك.
حتى إذا استقر وافد جديد، تطبع بطباع أهل الدار وصار، بعد حين، من أهلها أيضا.
نجح الأتراك الاقوياء، كما لم يشهد تاريخ حوض المتوسط مثيلا لقوتهم وجيشهم، في تحويل الجيران على امتداد الخريطة إلى بايات وتوابع عثمانية صرفة.
إلا المغرب.
وقبلهم غزاة آخرون كثر، الفينيقيون، الرومان، الوندال.
مروا من هنا، وتركوا بنايات جميلة تصلح صورا يلتقطها السياح، أو مكانا هادئا تستمتع به اللقالق.
أما بصمة حضاراتهم، فهي بذرة خفية يحملها كل مغربي وكل مغربية في لغته وفي لباسه وفي أطباق مطبخه المميز.
هنا الأمازيغ، هنا العرب، هنا جواهر من أفريقيا البعيدة، هنا المغرب.
هنا المسلم وهنا اليهودي.
سئل كاتب ياسين الجزائري مرة:
لماذا لا زالت تكتب بالفرنسية بعد رحيل الفرنسيين؟
أجاب بكل بلاغة وإقناع:
الفرنسية غنيمة حرب.
أما نحن فيحق لنا أن نعلن غنائم التاريخ منذ القديس أوغستين إلى جرمان عياش، فسيفساء واحدة لا تتجزأ ولا يتميز بعضها عن بعض، هي الهوية المغربية.
تذكروا أن السياسة متغيرة وتحكمها منافع لحظية وزائلة، أما الأمة فمستمرة، وخالدة.
لنا باب في القدس، ولغيرنا حائط، أو مسجد، أو كنيسة.
وللإنسانية كل ما هنا وكل ما هناك.
نحتاج فقط للتسامح وللتعايش.
هي رسالة لمن أصابته الأحداث الأخيرة بالدوار، وربما بالعمى، فظن واهما أن المطلوب هو الاصطفاف ضد آخر مختلف، دفاعا عما يراه تهديدا لمكاسبه الهوياتية، وربما الاقتصادية والسياسية.
فلتصمت مدافع الحقد ودعوات التخندق المقيت.
نحن في حاجة لكثير من الحوار وكثير من الفهم العميق للثوابت والمتغيرات.
“وضوح العبارة لا يعني دوماً وضوح الفكرة.” محمد عابد الجابري (1935-2010.)