هم يطمسون الهوية الوطنية يا وزير الداخلية
تفاجأ الرأي العام الوطني بإقدام المجلس المحلي لمدينة تمارة الذي يسيره حزب العدالة والتنمية ،على إطلاق أسماء لرموز التطرف وشيوخ الكراهية (سعوديين ومصريين) على عدد من الشوارع. واختيار أسماء شيوخ التطرف لم يأت صدفة، بل هو حلقة ضمن سلسلة من الحلقات التي تشكل استراتيجية أخونة الدولة والمجتمع التي ينهجها حزب العدالة والتنمية قبل وخلال قيادته للحكومة التي منحته سلطات أوسع للتقرير في مصير الشعب المغربي. فالحزب، ومنذ تأسيسه كذراع سياسية لحركة التوحيد والإصلاح وهو ينخرط في تنفيذ استراتيجية الأسلمة/الأخونة التي أعلنتها الحركة في ميثاقها التأسيسي. وغاية هذه الاستراتيجية هي:
1 ـ أسْلمة الأسرة عبر تخريب القيم الاجتماعية والثقافية التي تربي الأفراد على الانفتاح والتسامح والحرية والاختلاف وتحويل الأسرة إلى قناة لتمرير قيم الانغلاق والتطرف ورفض الآخر وتنشئة الأطفال عليها ليشبّوا منفصلين عن واقعهم الاجتماعي وبدون امتداد تاريخي وحضاري يشدهم إلى الإنسانية جمعاء.
2 ــ أسلمة المجتمع عبر طمس هويته الوطنية والتاريخية والثقافية والحضارية بدءا بتحريم الأزياء التقليدية التي تشد الشعب إلى تاريخيه وقيمه الجمالية والأخلاقية وتذكي في المواطنين شعور الاعتزاز بالانتماء إلى هذا الشعب وتراثه الغني والافتخار برموزه الوطنية وإنتاجاته الحضارية، مرورا بتغيير المعايير الجمالية والأخلاقية التي يتميز بها الشعب المغربي كشعب منفتح متسامح ومبدع، بمعايير حدّية (حلال حرام) تمقت الجمال والفرح والابتهاج وتشيع الكراهية والحقد وتشرعن العنف؛ وانتهاء بتبخيس المكتسبات الحضارية والحقوقية واستهجان رموزها وروادها مقابل تمجيد ماضي البداوة الرعناء والاقتتال الطائفي وسبي النساء بهدف التطبيع مع العنف والكراهية واتخاذ زموزهما نماذج وقدوة للأجيال الصاعدة.
ويجدر التذكير هنا الدعوات التي وجهتها حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية لشيوخ معروفين بتطرفهم وتحريضهم على العنف والقتل باسم “الجهاد” لتأطير ندوات ومحاضرات الغاية منها شرعنة العنف والكراهية ونشر الخرافة والدجل. كما ينبغي وضع قرار المجلس المحلي لتمارة بإطلاق أسماء رموز التكفير ودعاة الكراهية وشيوخ السبي والإرهاب في إطار نفس الاستراتيجية الإخوانية حتى تصير ــ هذه الرموز التكفيرية ــ مألوفة لدى المواطنين ويستدمجها الأطفال في شخصياتهم الأساسية لتصير قدوة لهم ونماذج تُحتذى .
3 ــ أسلمة الدولة باختراق مفاصلها وتوظيف مؤسساتها الدستورية والإدارية وكل أجهزتها لتغيير القوانين التي تؤسس للحداثة والعصرنة وتيسّر الاندماج في العصر والانفتاح على قيمه والاستفادة من مكتسباته التقنية والحضارية، بقوانين تناهض التحديث والدمقرطة والحريات وتؤسس للانغلاق فضلا عن شرعنة العنف وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات (مشروع القانون الجنائي الذي جاء به مصطفى الرميد، مشروع قانون 22.20 الذي نفهم، بهذه المناسبة، أحد أبعاده الخطيرة؛ إذ لو تم تمريره لما تجرّأ الفيسبوكيون على الاحتجاج القوي ضد المجلس البلدي لتمارة على جريمته هاته). هكذا سبق وناهض المجلس البلدي لمدينة فاس الذي يسيّره البيجيدي، سنة 2017، قيم الانفتاح والعصرنة والتحديث بإصدار قانون يمنع الاختلاط بمحلات الحلاقة والتجميل والتدليك كمقدمة ليشمل أنشطة أخرى لولا الحملة الفيسبوكية الواعية التي فرضت على وزارة الداخلية التدخل لإلغاء القانون.
وعلى نفس النهج المعادي لقيم الحداثة، حاول البيجيدي من خلال رئاسته لمجلس الرباط منع الاختلاط في وسائل النقل الحضري عبر سعيه إلى تخصيص حافلات وردية للنساء كمقدمة لإجراءات أخطر لولا احتجاج شعب الفيسبوك الذي فرض على المجلس التراجع عن خطته.
يتضح جيدا أن حزب العدالة والتنمية أبعد ما يكون عن حزب وطني متشبع بثقافة الشعب المغربي وغيور على رموزه الوطنية ومتعلق برصيده التاريخي ومكتسباته الحضارية. فكل تصرفاته وخططه ومحاولاته تثبت أن ولاءه للتنظيم العالمي (جماعة الإخوان المسلمين) وليس للوطن، وأنه يحمل مشروعا خطيرا يروم تدمير مقومات هذا الشعب الأبي وتخريب إنجازاته التاريخية والحضارية وطمس هويته الوطنية المتميزة بتعدد روافدها وانفتاحها على العصر وقيمه الثقافية والحقوقية.
إن طمس الهوية هو أخطر جريمة إنسانية في حق الشعب المغربي توازي جريمة طمس الهوية الفلسطينية التي ترتكبها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني. فالهوية هي جوهر الشعب ومصدر قوته ومنبع مقاومته لكل عدوان مادي عسكري أو لكل غزو ثقافي. طمس هوية الشعب معناه تجريده من كل أسباب المنعة والمقاومة ليسهل مسخه وإذابته في هويات دخيلة.
لهذا، فما يمارسه حزب العدالة والتنمية في المجلس البلدي لمدينة تمارة أو عبر مؤسسات الدولة المنتخبة هو جريمة نكراء وخيانة عظمى للوطن وللشعب الذي صوت على مرشحي الحزب لتجويد وتقديم الخدمات الاجتماعية والإدارية وليس للإجهاز على مكتسباته الحضارية وطمس هويته الوطنية. ومن أخطر النتائج التي حققها البيجيدي باختراق مؤسسات الدولة تمريره لكثير من عناصر استراتيجيته إما بتواطؤ من بعض مسؤولي وزارة الداخلية (حالة عامل الرباط الذي وافق على قرار مجلس تمارة بإطلاق أسماء شيوخ التطرف على عدد من الشوارع) أو في غفلة عنهم. إذ المفروض في مسؤولي وزارة الداخلية تشكيل لجنة ثقافية متعددة التخصصات للتدقيق في أسماء الشوارع وكل الأنشطة والقرارات ذات الصلة بالثقافة والإعلام أخذا في الاعتبار أن مستشاري الجماعات والمجالس المحلية هم في غالبيتهم ذوي مستويات تعليمية بسيطة لا تسمح لهم بالكشف والتصدي لإستراتيجية الأسلمة. للأسف هؤلاء المسؤولون لا يدققون إلا حينما تقترح المجالس البلدية أسماء لشخصيات وطنية لإطلاقها على الشوارع والأزقة والساحات العمومية والحدائق والمركبات الثقافية والرياضية للتثبت إن كانت من “الشخصيات المغضوب عليها” ليتم رفضها؛ بينما حين يتعلق الأمر بشيوخ التطرف ورموز الكراهية، فإن المسؤولين إياهم يفتقرون إلى سابق المعرفة بهم؛ الأمر الذي يستغله البيجيدي لتمرير مخططه وتمهيد الظروف للغزو الفكري والمذهبي والقيمي للشعب المغربي. لقد حان الوقت لتأهيل أجهزة وزارة الداخلية في العمالات والأقاليم ثقافيا حتى تتمكن من رصد استراتيجية الأسلمة والوهبنة/السلفنة التي تستهدف الشعب المغربي وكل مؤسساته.