مدارات

هكذا خدم مصطفى الرميد أجندات الإخوان المسلمين

في كلمة له لحظة تسليم السلط، قال مصطفى الرميد إنه يغادر المسؤولية الحكومية بـ “ضمير مرتاح وقلب مطمئن.”

أكيد، ما يُريح ضميره ويطمئن قلبه ليس هو ما يريح ضمائر المواطنين ويطمئن قلوبهم. ذلك أن الرميد ليس مجرد وزير يشرف على قطاع حكومي ما، وإنما هو عنصر قيادي في حزب له مشروعه المجتمعي وخططه الإجرائية لتنفيذه، كما له مرجعية إيديولوجية تأطر كل أفكاره وتحدد أهدافه.

فالفرق بين وزير ينتمي لحزب إسلامي ووزير ينتمي لحزب سياسي ليبرالي أو اشتراكي، أن الأول يشتغل ضمن الاستراتيجية العامة التي وضعها منظرو الإسلام السياسي ويعمل على تحقيق أهدافها المرحلية: (أسلمة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة)، والنهائية (إقامة دولة دينية تطبق الشريعة وإزالة الدولة المدنية). بينما وزراء باقي الأحزاب السياسية يكون هدفهم هو تطبيق البرامج الانتخابية التي حصلوا على أساسها على ثقة الناخبين ويؤمنون بالتداول على السلطة وتسيير الشأن العام. من هنا يكون ما صرح به الرميد عند لحظة تسليم السلط: “لا أدعي الكمال فيما فعلت وأنجزت، غير أني أستطيع أن أؤكد أنني بذلت وسعيت، وأفرغت جهدي، وخدمت بلدي قدر استطاعتي، وأخلصت لملكي حسب اجتهادي، راجيا الثواب من الله تعالى، ولم أسع، يعلم الله، خلال عشر سنوات من تحمل المسؤولية الحكومية، إلى تقديم مصالح خاصة، أو ترجيح مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة”، يكون تصريحه هذا مجانبا للحقيقة ومضرّا بالشعب وبالدولة من وجوه عدة أبرزها:

1-إنه قدّم المصلحة الحزبية على المصلحة العامة، بحيث حرص على ضمان انسجام برامج وخطط حزبه مع استراتيجية تنظيم الإخوان الرامية إلى أسلمة الدولة والمجتمع من خلال ترجمتها إلى قوانين وتشريعات مستمدة من مرجعية الإسلام السياسي المناهضة لحقوق النساء وللحداثة، بدل العمل على ملاءة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب وجعْلِها منسجمة مع التزامات المغرب الدولية، وفق ما ظلت تطالب به الهيئات الحقوقية والنسائية المغربية.

فالرميد، من داخل الأمانة العامة لحزبه ومن داخل الحكومة، ظل يضغط ويهدد بالاستقالة حتى لا يتم تطبيق الدستور والارتقاء بالقوانين والتشريعات لتكون متوافقة مع المواثيق الدولية. وكذلك كان مما تسبب في تراجع خطير على مستوى الحقوق والحريات والمكتسبات القانونية والاجتماعية.

2-تفانى في خدمة استراتيجية الإخوان على حساب مصلحة الشعب والوطن. فالرميد، قبل رئاسة حزبه للحكومة لولايتين وخلاله، تصدى لكل المطالب الحقوقية والنسائية وفي مقدمتها إلغاء عدد من فصول القانون الجنائي التي باتت تتناقض مع الدستور.

ذلك، أنه رفض إلغاء الفصل 490 حين كان وزيرا للعدل والحريات، مشددا على أنه “لن يتم التراجع عن تجريم العلاقات الجنسية غير المشروعة”، وكذا الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يعاقب على الإفطار العلني في رمضان دون عذر شرعي بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من اثني عشر إلى مائة وعشرين درهمًا؛ علما أن هذا القانون وضعه ليوطي، المقيم العام الفرنسي بالمغرب، خلال فترة الاستعمار.

نفس الموقف اتخذه من المطالبة بتغيير الفصل 475 الذي كان يُسقط المتابعة عن المغتصِب في حالة زواجه من الضحية. ولا ننسى تصريحاته إزاء جريمة الاغتصاب التي تعرضت لها الراحلة أمينة الفيلالي حيث اعتبرها علاقة جنسية رضائية، علما أن الضحية كانت قاصرة.

فمصطفى الرميد الذي يقول اليوم إن ضميره مرتاح هو الذي ظل يهدد بالاستقالة من الحكومة قصد الضغط عليها، في حالة عدم تمرير مشروع القانون الجنائي الذي أشرف على إعداده لما كان وزيرا للعدل والحريات. فكيف لأي ضمير أن يرتاح وأحرى ضمير مصطفى الرميد الذي جاء بفصول تحرّض على القتل بدافع الشرف أو ما يسمى “بجرائم الشرف” ويشرعنها؟ إن القانون الجنائي المغربي لا يقر بهذا النوع من الجرائم ولا يميز بينها وبين جرائم القتل الأخرى.

فالرميد خطط لتخريب المجتمع بقوانين أثبتت خطورتها على المجتمعات المشرقية وأطلقت يد ذكورها في قتل النساء (تمكّن معهد “دفتر أحوال” البحثي المستقل من رصد 371 حالة قتل أو إصابة، جرّاء جرائم بدعوى “الشرف” وقعت في مصر، خلال الفترة الممتدة ما بين 1 يناير/ كانون الثاني 2015، حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019.

في عام 2003، قتل ما يصل إلى 1261 امرأة في جرائم الشرف في باكستان). فإذا كانت عدد من المجتمعات المشرقية بصدد تغيير قوانينها ومراجعتها بحذف ما يعرف “بجرائم الشرف” لتصير جرائم لا يفلت مرتكبوها من العقاب، فإن مشروع القانون الجنائي الذي أعدّه الرميد يخفض عقوبة “جرائم الشرف” من الإعدام أو المؤبد إلى بضعة شهور وقد تكون موقوفة التنفيذ. مما يعني شرعنة القتل والجرائم في حق النساء (المادة 153 من “قانون الجزاء” الكويتي كانت تنص على معاقبة من يقتل زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته “حال تلبسها بمواقعة رجل لها” بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تتجاوز ما يعادل 45 دولاراً.

على هذا النهج المشرْعِن لقتل الإناث صاغ مصطفى الرميد المواد التالية من مشروع القانون الجنائي: المادة 418 (يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب، إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الزوج الآخر وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية). المادة 420 (يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم الجرح أو الضرب دون نية القتل، حتى لو نتج عنها موت، إذا ارتكبها أحد أفراد الأسرة على أشخاص فاجأهم بمنزله وهم في حالة اتصال جنسي غير مشروع) المادة 423) عندما يثبت العذر القانوني لارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا الفرع، فإن العقوبات تخفض إلى:

1-الحبس من سنة إلى خمس في الجنايات المعاقب عليها قانونا بالإعدام أو الشجب المؤبد؛

2-الحبس من ستة أشهر إلى سنتين في باقي الجنايات؛

3-الحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر في الجنح (لقد خطط الرميد لإلحاق المغرب بالدول التي تشرعن “جرائم الشرف” مثل أفغانستان، وإيران، واليمن، وتركيا، الصومال، السودان، مصر، الأردن، لبنان وغيرها. وهنا تظهر حقيقة الجهة التي يخْدُمها الرميد: هل هي الوطن والشعب أم الحزب والإيديولوجية المناهضان لحقوق النساء؟

ومعلوم أن البيجيدي ناهض مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية وأصر على تجريد الأنثى من أهليتها ومنعها من الوصاية على نفسها، لهذا سيسهل على الرميد تجريدها من كرامتها وحقها في الحياة.

4-إنه استغل كاتبته لمدة لا تقل عن 24 سنة فهضم حقوقها الاجتماعية (الحماية الاجتماعية، التقاعد…)؛ ولولا وفاتها رحمها الله لظل يستغلها حتى وهو وزير حقوق الإنسان.

وأكيد أن الضمير الذي لم يؤنّبه طيلة 24 سنة من استغلال الكاتبة لن يؤنبه بعد مغادرة الحكومة وقد تولى وزارة العدل والحريات ثم وزارة حقوق الإنسان. فلا ظلم الكاتبة أيقظ ضميره ولا حقوق الإنسان حيّرت قلبه. ومن كان هذا حاله أكيد سيغادر الحكومة والوزارة بـ”ضمير مرتاح وقلب مطمئن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock