كرونيك

هدية فرنسية للمتطرفين

لم تجد الحكومة الفرنسية فكرة أفضل من عرض صور كاريكاتورية على واجهات بناياتها الرسمية تهين معتقدات حوالي مليار شخص حول العالم.

في الوقت ذاته، سارع غالبية المسلمين إلى إدانة جريمة شنعاء ذهب ضحيتها مدرس فرنسي.

وراء الفعل الهمجي المرتكب في حق المدرس، فهم خاطئ للدين وتهييج إعلامي ممنهج لمشاعر الحقد ورفض الاختلاف.

الجريمة تستحق ألف احتجاج ولا مبرر لها أبدا.

لكن ليس من الحكمة أن تستفز معتقدات الناس لتدافع عن حرية التعبير وعن العلمانية.

أنت تعطي فرصة ذهبية لأعداء الحرية ولأعداء الاختلاف لكسب المزيد من الأتباع.

حين قارن الكوميدي الفرنسي ديودوني بين ضحايا الرق في أفريقيا وضحايا ألمانيا النازية، قامت الدنيا ولم تقعد.

اعتبر مثقفو فرنسا أن الضحايا من اليهود الأوربيين خط أحمر غير قابل للنقاش ولا للمقارنة مع أي كان.

في فرنسا، ينص القانون على حبس كل مشكك في عدد ضحايا معسكرات الإبادة النازية مثل اوشفيتز.

يسمى هذا التشريع بقانون محاربة المراجعات. يهدف إلى إنهاء النقاش التاريخي حول عدد من سقط من اليهود والغجر ضحية سياسة هيتلر العنصرية.

يقر المسلمون عامة بهمجية هيتلر النازي، ويدينون بلا تردد محاولة إبادة اليهود في أوروبا، لا لشيء، سوى لأنهم يهود.

تنطبق نفس مقاييس الإدانة على ما ارتكبه المستوطنون القادمون من أرجاء الدنيا، تلبية لنداء الحركة الصهيونية في حق أصحاب الأرض من الفلسطينيين.

من اوشفيتز إلى دير ياسين وغزة، لا مبرر لغفران جرائم التطهير العرقي والتهجير الممنهج، بحجج واهية وعنصرية.

لا تبرير ولا عذر للجريمة الإرهابية.

تفتخر فرنسا بمفكريها، منذ عصر الأنوار وهذا البلد ينتج المفاهيم والفلسفة لتغيير الإنسان والعالم.

استطاعت النخبة الفرنسية تجاوز الإرث الكولونيالي المسيء لكثير من شعوب العالم.

هكذا تصالحت فرنسا مع ماضيها، لتستمر في البحث عن الريادة بين الدول الكبرى.

رغم تناقضات السياسة الخارجية في حالات كثيرة مع مبادئ الجمهورية، انخرطت هذه الدولة في الحرب ضد الإرهاب الداعشي المنسوب خطأ للإسلام.

تفاخر هذه الدولة بدفاعها عن حرية التعبير، رغم مساحات مظلمة لا يسمح بالاقتراب منها، مثل موضوع جرائم إسرائيل وضحايا التجارب النووية في جنوب الجزائر.

أما أن تفتح الدولة الفرنسية واجهات بنايات رسمية لعرض أشياء مهينة لمعتقد أكثر من مليار إنسان حول العالم،فهذا غباء وسوء تقدير لا يليق ببلد المساواة والاخاء والحرية.

لقد أهدت هذه السياسة الهوجاء لتوها مفتاح العودة للمتطرفين وأتباعهم عبر العالم، للركوب على موجة الاستنكار، وخلط الأوراق لشيطنة الفكر الحر وحشد أتباع جدد للفكر الظلامي.

ببساطة وبكل احتقار لمواطنيها ولشركائها ولأصدقائها من الديانة الإسلامية، اختارت فرنسا إذن أن توقع على شهادة الحياة الجديدة للفكر الإسلامي المتطرف في أوربا وفي العالم.

تغازل الحكومة الفرنسية اليمين المتطرف وتقترب أكثر فاكثر من طروحاته العنصرية، طمعا في أصوات ناخبيه، أو ربما استجداء لشهادة حسن السيرة والسلوك من جهة ما.

اكتشف المغاربة منذ مدة أن المقاطعة سلاح. بل سلاح خطير وحاسم، والقصد هنا مقاطعة السلع والبضائع للضغط على جهة ما، أو للاحتجاج ضد موقف معين.

حين قرر مواطنون كثر مقاطعة شركة الحليب المعلومة، كاد الأمر أن ينتهي بإفلاس الشركة، واضطر أصحابها إلى استعطاف المقاطعين، ونهج أسلوب الخطاب التصالحي اللين لتفادي خسارة كبيرة كانت تلوح في الأفق.

بالمناسبة، طالت حركة المقاطعة شركة هي في الأصل فرنسية، وأبدع مناصرو الحركة في مواقع التواصل الاجتماعي في الترافع من أجل حشد المزيد من المقاطعين.

عندما حاول وزير سابق كسر الحركة، زاد الطين بلة بتدخل فج وساذج لا يليق أبدا بوزير.

مع ذلك، انتهت حركة المقاطعة، وانتهى معها المسار السياسي للوزير المذكور، حامل الجنسية الفرنسية.

قد يكون ثمن إرضاء اليمين الفرنسي المتطرف غاليا جدا ومضرا بمصالح فرنسا خارج الحدود يمكن لحركة المقاطعة أن تتوسع وتطال كل الشركات الفرنسية.

يمكن لسياسة فرنسا الاستفزازية الجديدة ان تكتب نهاية الفرنكوفونية و تطفىء ما تبقى من أنوار الثقافة الفرنسية في بلدان صديقة.

“إذا كنت تريد أن تكسب أحداً لقضيتك عليك أولاً أن تقنعه بأنك صديقه”

ابراهام لنكولن

رجل دولة، رئيس (1809 – 1865)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock