نقطة نظام.. سيادة الوزير
في تصريح للسيد وزير الخارجية ناصر بوريطة لقناة يوتوب لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة ب”ايباك”، (وهي أقوى جماعة ضغط إسرائيلية في امريكا)، جاء ما يلي :
” ان جميع أدوات التعاون مع إسرائيل متوفرة، وتوجد الارادة السياسية ، وآمل أن نتبادل الزيارات قريبا جدا، زيارات رفيعة المستوى” وأضاف بنفس الحماسة ” سوف نذهب إلى أقصى حد ممكن في تطوير التعاون الثنائي”.
ويبرر السيد الوزير هذا الاندفاع التطبيعي بقوله “نحن بحاجة إلى تنسيق العمل كحلفاء لمواجهة التهديدات الإيرانية المرتبطة بالانشطة النووية.. وزعزعة الاستقرار في غرب شمال وغرب افريقيا”!! (عن “موقع راي اليوم”) .
يفرض هذا التصريح الموجه لقناة يوتوب منظمة ايباك، ذراع اليمين الصهيوني المتطرف تساؤلات مشروعة حول سياقه من جهة ، وحول حجم “الخطر الايراني” على بلدنا ووحدته الترابية واستقراره من جهة ثانية:
– الا يفرض تجميد الشق الثاني من ” اتفاق التطبيع مقابل الصحراء المغربية” من طرف إدارة الرئيس الامريكي بايدن، تدبيرا اكثر اتزانا وحذرا لخطاب وخطوات التطبيع، أو ما يسميه الخطاب الرسمي واعلامه ب “استئناف علاقات التعاون الثنائي”!؟ بدل هذا الاندفاع في اعلان نية “الذهاب الى أقصى حد ممكن” في هذه العلاقات !؟
– أليس هذا التصريح استفزازا لمشاعر المغاربة وجميع مسلمي المعمور لتزامنه مع الممارسات الإسرائيلية في القدس، من قمع وهدم للبيوت (ما يجري بحي الشيخ جراح) من أجل طرد سكانها الفلسطينيين الاصليين، ومن غارات متواصلة على غزة والأراضي السورية ..الخ ؟
وفي هذا السياق ما الذي منع السيد الوزير من إدانة ذلك في تصريحاته لتلك القناة، وتأكيد التضامن المغربي مع مقاومة الفلسطينيين للتهويد والاستيطان والاعتداء على الأماكن المقدسة؟
– اما بخصوص “التهديدات الايرانية” التي برر بها الحاجة إلى التطبيع “(يسميه تعاونا)، فإن من حق المغاربة على السيد الوزير والحكومة عموما، وضعهم في الصورة الكاملة لمظاهر هذا التهديد، وادلته المادية الملموسة في الميدان. فما يعلمه المغاربة، ويرتاحون له، هو أن بلادنا فرضت سيطرتها منذ سنوات على أرض الصحراء المسترجعة، وزادهم تحرير الكركرات من جحافل البوليساريو اطمئنانا وثقة في ان لا أحد، اقليميا، يمكنه تهديد مكتسباتنا الوطنية، فكيف لإيران البعيدة جدا، والمنشغلة باولوياتها الإقليمية وملفاتها الدولية الكبرى (الملف النووي) أن تكون عامل تهديد، وبالتالي حجة للتطبيع مع كيان غير طبيعي؟ ومما يثير الاستغراب أن إخراج الوزير لهذه الورقة جاء خارج السياق الحالي دوليا واقليميا: فإدارة بايدن تنهج، وسط قلق إسرائيلي، سياسة مختلفة عن سلوك ترامب اتجاه إيران من أجل حل تفاوضي توافقي يضخ دما جديدا في “الاتفاق النووي” الذي نفض ترامب يده منه، والسعودية بدأت تغير لهجتها نحو إيران، وتتهيأ لفتح صفحة جديدة معها (تصريحات ولي العهد). وعلى كل حال، فإذا ما أكد لنا السيد الوزير وجود هذا التهديد الإيراني بالملموس، واقنع المغاربة والرأي العام بأنه فعلا خطر محذق بوحدتنا الترابية، سيكون السؤال آنذاك هو: وبماذا ستفيدنا إسرائيل في صده؟ الا يعطيها هي، ذريعة أخرى للعدوان على المفاعلات النووية الإيرانية لتتربع لوحدها في المنطقة كقوة نووية فريدة، وتوهم بأن عدو العرب الرئيسي هو إيران وليس هي كدولة احتلال!؟، ومتى كان كيان مؤسس على فكرة إضعاف وتجزئ أي بلد عربي مؤهلا ليكون “حليفا” في الصراع ضد التجزئة؟ وقبل ذلك كله أليس “المغرب في صحرائه وصحراؤه في المغرب “، و يوجد في وضع دبلوماسي وسياسي ,إقليميا وقاريا ودوليا يعزز مكتسباته في ترسيخ وحدته الترابية؟ ما يجعل اي دولة تقدر لا جدوى تورطها في ما تبقى من نزاع بين الجيران؟
السيد الوزير
إذ اقدم هذه التساؤلات او الملاحظات الأولية (من موقع رفضي لاتفاق لتطبيع) على تدبير ما يسمى “التعاون الثنائي” بدل التطبيع، فلكي أؤكد على أن الاولوية اليوم لبلدنا، التي كانت دوما سندا قويا لنضال الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية، والتي يرأس ملكها محمد السادس لجنة القدس، هي الدعم بمختلف الأشكال للمقاومة الشعبية الفلسطينية، وللمواقف المناهضة لسياسات الضم والقضم والهدم والاستيطان التي يمارسها الكيان الصهيوني يوميا في كل بقعة من أرض فلسطين ،أما اللهاث نحو التطبيع، والتغني به، وبناء اوهام عليه، فلن يكون سوى شرعنة لتلك السياسات وتشجيعا للمحتل الغاشم على التمادي فيها.