نأسف لما فعله السفهاء يا حماة الوطن والأرواح
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلا صوتيا لشقيقة النائبة البرلمانية أمينة ماء العينين عن حزب العدالة والتنمية تعترف فيه بكون بنكيران رئيس الحكومة السابق والعثماني رئيس الحكومة الحالي تدخلا لدى وكيل الملك لإطلاق سراحها إثر اعتقالها بتهم خرق الحظر الصحي وعدم ارتداء الكمامة وإهانة موظف أثناء مزاولة عمله.
ولم تكتف المعنية بالكشف عن الأطراف المتدخلة لفائدتها، ولا بإقحام القصر الملكي في عملية الإفراج عنها، بل شتمت عون السلطة الذي طبق قانون الحظر الصحي في حقها متوعدة إياه بالانتقام منه. لم يشكك رئيس الحكومة ولا أمينة ماء العينين في مصدر الشريط، ما يعني الإقرار بحقيقته وإن نفيا أي تدخل.
أيا كان الأمر، فالشريط يستدعي إبداء الملاحظات التالية:
1 ــ إن السلطات العمومية قامت وتقوم بواجبها لتطبيق الحظر على جميع المخالفين أيا كانت مراكزهم وأوضاعهم المهنية أو الاجتماعية. والواقع يشهد أنها اشد حرصا على حياة وسلامة المواطنين منهم أنفسهم. الأمر الذي يستوجب التنويه بالجهود والشكر على التفاني والتقدير لروح المواطنة العالية في مواجهة خطر الوباء.
2 ــ إن التهم الموجهة إلى المعنية لا تتعلق فقط بخرق الحظر الصحي، بل بإهانة موظف أيضا، ما يضع علامة استفهام حول قرار الإفراج عنها بكفالة 1500 درهم فيما مئات من الحالات تُتابع في حالة اعتقال.
3 ــ إن الإفراج عن المعنية بتدخل من رئيس الحكومة وجهات أخرى ،وفق ما جاء في التسجيل الصوتي، هو تعطيل للدستور الذي ينص على مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون وضرب لاستقلالية القضاء وخرق للفصل بين السلط.
فأن يتدخل رئيس الحكومة في اختصاصات القضاء ليس له من معنى سوى تكريس وضعية اللامساواة بين المواطنين وتشجيع للاعتداء على رجال السلطة وإهانة موظفي الدولة.
4 ــ إن تهديد عون السلطة بالانتقام منه فقط لأنه قام بواجبه يضرب أسس دولة الحق والقانون وفصل السلط ويهز ثقة المواطنين، وخاصة نساء رجال السلطة ، في الدستور والقانون والمؤسسات؛ الأمر الذي من شأنه أي يضعف من مردوديتهم ويُشعرهم بانعدام أية حماية قانونية لهم سواء أثناء مزاولة وظائفهم أو بعدها. فإذا تسربت الخشية إلى نفوس رجال السلطة من ألا تحميهم سلطة مؤسساتهم فكيف سيكون عليه شعور بقية المواطنين؟
5 ــ إن تدخل قيادة الحزب الذي يقود الحكومة في ملف شقيقة ماء العينين هو ضرب لأسس المواطنة وقيمها التي ناضل الشعب المغربي من أجل دسترتها وإقرارها على مدى عقود، وعودة إلى عهود الاستبداد التي قطع معها المغرب. وطبيعي أن يحنّ البيجيدي إلى تلك الحقبة التي شرْعَنها وعرَض قادته خدماتهم لترهيب المواطنين ، وكذلك فعلوا في أكثر من مناسبة أو محطة تاريخية.
6 ــ إن الشريط الصوتي يسائل قيادة الحزب في مشروعها المجتمعي الذي تحمله وأوضاع حقوق الإنسان والمساواة في المواطنة، كما يسائلها عن مدى التزامها بالمرجعية الدينية التي تأمر بالعدل ولو “كان ذا قربى”.
أكيد أن السلطة واستغلال النفوذ لا يخضعان للأوامر الدينية ولا للمبادئ الدستورية، وهذا الذي سبق وأعلنه بنكيران بعبارته “لن نسلمكم أخانا” في تحد صارخ للقانون وللعدالة. واليوم يثبت أنه وفيّ لهذا التوجه التبخيسي للمؤسسات الدستورية.
7 ــ إن التهديد بالانتقام من عون السلطة يكشف عن تغوّل البيجيدي في مفاصل الدولة وصارت له أذرع يعبث بها ويبطش. فهو بهذا التغول خلق دولة داخل دولة وجعل أتباعه فوق القانون لا تسري عليهم النظم والتشريعات التي تسري علي بقية المواطنين.
إن العبارة التي تفوّهت بها المعنية متوعدة عون السلطة ” الله ينعل جد بوه الكلب..غادي نخرج على مو غير بلاتي” تؤكد هذا التغول والتمدد للحزب مما يحذر من خطورته على التعاقد الاجتماعي والدستوري وكذا أجواء المصالحة والثقة الحاصلة بين المواطنين والدولة بكل أجهزتها في ظل المعركة ضد وباء كورونا المستجد.
بعد هذا الشريط الصوتي الذي يفضح المستور هل تبقى من مصداقية لشعار “العدالة” الذي يرفعه الحزب؟ لا يمكن للحزب أن يحدّث المواطنين عن العدالة وهو أول من عقرها في قضية ما كان لها أن تحصل لو أن أعضاء البيجيدي يشعرون أنهم متساوون في المواطنة مع بقية أفراد المجتمع.
ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة ما دامت عقائد الحزب ومرجعيته الإيديولوجية لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا تدين بالولاء لمؤسساتها وهم الذين دافعوا وانتصروا لمصالح تركيا الاقتصادية ضدا على مصالح المغرب وهاجموا كل من خالفهم الموقف والولاء. ومهما حاول الحزب التنصل من تدخل قيادته في ملف المعنية، فإن الشريط في حد ذاته اتهام ودليل إثبات. أما التذرع بكون المعنية تعاني اضطرابا نفسيا فليس سوى محاولة يائسة بعد موجهة الانتقادات والغضب التي أثارها الشريط في مواقع التواصل الاجتماعي.
فواقعة الشريط تقتضي من النيابة العامة فتح تحقيق عاجل لطمأنة عموم المواطنين على استقلالية المؤسسات وفعاليتها في ضمان الحقوق وكذا رد الاعتبار لعون السلطة وكل نسائها ورجالها الذين يواجهون الوباء بأرواحهم نيابة عنا وحماية لأرواحنا. جهود يقدرها الشعب المغربي ويثني على تفاني الأطر الأمنية والصحية والتعليمية في أداء الواجب الوطني والإنساني خدمة للمصلحة العامة.
فشكرا لكم جميعا على تضحياتكم ونأسف لما فعله السفهاء.