مواجهة الإرهاب تبدأ من العقائد وتنتهي بالوسائل
تلقى المغاربة بارتياح كبير أخبار نجاح الأجهزة الأمنية في رصد وتفكيك الخلايا الإرهابية وإحباط مخططاتها التدميرية التي تستهدف أمن المواطنين واستقرار البلد. جهود جبارة من أجهزتنا الأمنية تستحق الثناء والتقدير، وتنبه الشعب إلى أن خطر الإرهاب يتعاظم؛ الأمر الذي يجعل مواجهته مسؤولية الجميع، مواطنين وأمنيين، مؤسسات وأسر. وما يزيد من تعاظم خطره:
1 ــ الفراغ القانوني الذي يستغله دعاة التكفير وأمراء الدم في ترويج عقائدهم وإشاعتها بين الأطفال والشباب على وجه الخصوص. ويتعلق الأمر بغياب نص قانوني يجرّم التكفير في عموم الدول العربية/الإسلامية وحتى الغربية باستثناء تونس التي دسترت التجريم في الفصل 5 من الدستور: “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها”.
ورغم مطالب الهيئات الحقوقية والمدنية لحكومة بنكيران ووزير العدل والحريات حينها مصطفى الرميد بالتنصيص على تجريم التكفير وتشديد عقوبته، جاء مشروع القانون الجنائي الذي أعده مخالفا لكل المطالب وخلْوا من التجريم؛ مما عُدّ تأييدا للتكفيريين وحماية لهم من أية متابعة قضائية.
والأمر لا يقتصر على الدول العربية/الإسلامية، وإنما يسري على عموم الدول الغربية التي لا تميّز قوانينها بين الفتوى وبين الرأي. فكما تضمن حرية الرأي تضمن حرية الإفتاء، وها هي اليوم تدفع ثمن أخطائها القانونية. فالفتوى هي توقيع باسم الله وإصدار لحكم شرعي ملزم للمؤمنين، بينما الرأي يخص صاحبه ولا يلزم غيره. من هنا يكون الإرهابي حاملا للفتوى ومنفّذا لها، مما يستوجب اعتبار منتج الفتوى (=الشيخ التكفيري) شريكا للإرهابي في كل جرائمه. وطالما اقتصرت الإجراءات الأمنية والقضائية على الإرهابيين دون الشيوخ والدعاة التكفيريين، فإن خطر الإرهاب لن يتوقف باعتبار الإجراءات تتصدى للنتائج دون الأسباب.
2 ــ استراتيجية الإرهابيين لاستغلال شبكة الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي. بسبب غياب القوانين المجرّمة للتكفير، يستغل المتطرفون والتنظيمات الإرهابية هذه الشبكة وما تتيحه من إمكانيات لا حدود لها في غزو الأفكار والعقول والسيطرة عليهما وفق استراتيجية مضبوطة تعتمد أساليب عديدة في الانتشار والاستقطاب والتجنيد . كما توفر هذه الشبكة الكم الهائل من المواد المسموعة والمقروءة والبصرية ما ييسر عملية الاستقطاب والإغراء للشباب والأطفال من مختلف الجنسيات والثقافات.
فالإحصاءات المتوفرة عن سنة 2017، تشير إلى أن أنشطة “داعش” على الإنترنت تصل إلى 62% وعلى «تويتر» %32، و«فيس بوك» 36%.. كما كشفت وكالة “أسوشيتد برس” في سبتمبر 2019، عن كون موقع “فيسبوك” منح تنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين آلية فعالة لنشر دعايتهما وتجنيد أتباع جدد، من خلال إنشاء عشرات الصفحات المروجة لهما. وفي تقرير للوكالة بتاريخ 18 سبتمبر 2019، أكدت أن “فيسبوك” أنشأ بشكل أوتوماتيكي نحو 200 صفحة تروج بشكل مباشر لتنظيم “داعش” وعشرات أخرى تمثل تنظيم “القاعدة” وغيرهما من الجماعات المتطرفة. فكلمات مثل: جهاد، داعش، القاعدة، Jihad، daech، Isis/Isil تغرق محرك غوغل بالملايين (جهاد: 79.400.000، داعش: 61.900.000، تنظيم القاعدة: 21.200.000، Jihad: 41.800.000، تنظيم الدولة : 48.600.000).
إن ما تتيحه شبكة الأنترنيت من إمكانيات أمام التنظيمات الإرهابية يعقّد مسؤولية الدولة والأسرة معا من حيث كون هذه التنظيمات باتت تغزو المنازل والغرف لدرجة جعلت وزيرة المواطنة الأوروبية المفوضة حذرت، في 21 أكتوبر 2020، من أن “الإيديولوجية الإسلاموية المتطرفة تنتشر بسرعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن جيلا كاملا من الشباب لم يعد يحتاج إلى الذهاب إلى مسجد للمتشددين أو أن يدخل السجن ليسلك طريق التطرف. الآن يأتيهم التطرف إلى منازلهم وغرفهم الشخصية ليتمثل لهم على شاشات هواتفهم وحواسيبهم، فهو يدخل من بوابة وسائل التواصل الاجتماعي”.
إذن، فالتنظيمات الإرهابية باتت تنشط أساسا عبر الشبكات الاجتماعية المظلمة “Dark social”التي من خصائصها أنها بمثابة مستودعات هائلة من المحتويات والمعلومات يتم استخدامها في الاستقطاب والتجنيد، وكذا اعتماد تطبيقات متطورة تضمن الاتصالات المشفرة التي تنفلت من الرقابة، خاصة تقنية “DEEP WEB” التي تتيح للجماعات المتطرفة والإرهابية نشر موادها وعقائدها والتي تسمح للشباب بسهولة تصفح المحتوى .فحسب تقرير صدر عن المركز الدولي لدراسات التطرف التابع للكلية الملكية في لندن، تتراوح أعمار معظم النساء اللواتي انضممن لتنظيم “داعش” بين 16 و24 عاما، والكثير منهن يحملن شهادة جامعية. ويقدر عدد الذين انضموا للتنظيمات الإرهابية في سوريا، من دول أوروبية بثلاثة آلاف شخص، معظمهم التحقوا بتنظيم “داعش”، ويعتقد أن ما يقارب 10 بالمائة منهم من النساء.
3 ــ هشاشة دول الساحل والصحراء المرتبطة من جهة، بالعوامل الجغرافية (10 ملايين كلم مربع من الصحاري، وعورة المسالك والمرتفعات..)، ومن أخرى، بضعف التجهيزات العسكرية التي تسمح برصد وتتبع ومراقبة تجمعات الإرهابيين ومخابئهم وتحركاتهم. وهذا ما أكدت عليه مساعِدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون إفريقيا بينتو كيتا بأن “قوة مجموعة الساحل المشتركة ليس بمقدورها أن تتحمل وحدها عبء المعركة ضد الإرهاب وتأمين استقرار المنطقة”. الأمر الذي شجع التنظيمات الإرهابية على تكثيف هجماتها ضد دول المنطقة (ثلاثة أرباع المعارك التي وقعت مع قوات الأمن والجيش في عدة دول في منطقة الساحل الأفريقي خلال 2018، بادرت بها التنظيمات الإرهابية). كما أكد تقرير للأمم المتحدة سنة 2019 بأن معدلات النزوح الداخلي ارتفعت خمسة أضعاف خلال عام واحد، إذ تشرّد أكثر من 330 ألف شخص، وفرّ 100 ألف شخص إلى البلدان المجاورة؛ بينما لقي 4800 شخصا مصرعهم في معارك وأعمال عنف شهدتها منطقة الساحل خلال سنة 2019 ،ما يمثل زيادة تصل إلى 6 أضعاف مقارنة بسنة 2016، حسب تقرير “ذي إيكونوميست” في يونيو 2020.
يتضح إذن، أن مواجهة التنظيمات الإرهابية مسؤولية أممية تفرض توفير الدعم العسكري والاقتصادي للدول الإفريقية التي تواجه مباشرة خطر التنظيمات الإرهابية ، بالإضافة إلى وضع تشريعات تلزم بحذف المحتوى الإرهابي من شبكة الأنترنيت. إذ لا زالت جهود الاتحاد الأوربي الرامية إلى صياغة قواعد جديدة تقيد غوغل وفيسبوك وأمازون وشركات تقنية أخرى ، لم تحقق أهدفها.