من هو العَالِمُ؟
"إذا كان للباحث رغبة حقيقية في المعرفة، وفعل كل ما في وسعه لذلك، طبقا للمنهج الذي اتبعه، أو تمكن من معرفة بعض الحقائق، فهو حقيقة يستحق حق الانتماء إلى المجتمع العلمي وصفة العالم
وديع بكيطة
تتطرق بعض الجدالات والنقاشات بين الأساتذة والباحثين الأكاديميين وغير الأكاديميين إلى طبيعة البحث العلمي والصفات المرتبط به، مثل: “العالِم”، “الباحث”، “المُحقق”، “الدكتور” … نكايةً، داخل دائرة التجاذب والصراع، تنتهي في بعض الأحيان إلى إزالة صفة من هذه الصفات عن “شخص” معين، أو عن فئة كاملة لها اختصاصها. وهذا وضع شائع في مثل هذه الأوساط، وشائن بالنسبة لها.
طبقا لوجهة نظر بيرس: “إن الإنسان الذي يعمل طبقا لمنهج علمي لتعلم شيء غير معروف، يجب أن يُعترف به من قبل جميع الهيئة العلمية كواحد منهم، رغم قلة معرفته. من المجحف أن نقول إن بطليموس وأرخميدس وإراتوستينس Eratosthenes وبوسيدونيوس Posidonius لم يكونوا علماء لأن معرفتهم كانت قليلة نسبيا، لأن مسار العلم قائم على الرغبة في التعلم “. (C.P.235).
فـ”قد يتبع الباحث منهجا غير فعال، وهو أفضل ما يمكن أن يكون قد قدمه ذلك العصر من تطور فكري، في علم معين، مثلا؛ إن باحثين مثل لافاتير Lavater، باراسيلسوس Paracelsus والكيميائيين الأوائل ومؤلف الفصل الأول من سفر التكوين والميتافيزيقيين القدامى، قد لا يكونوا قد قدموا شيئا مختلفا عن روح عصرهم، لكن صفة العالم تبقى صفة صادقة على كل واحد منهم، رغم اختلاف الآراء، وهم يستحقون مكانا مشرفا في مسار العلوم”. (C.P.235).
و”إذا كان للباحث رغبة حقيقية في المعرفة، وفعل كل ما في وسعه لذلك، طبقا للمنهج الذي اتبعه، أو تمكن من معرفة بعض الحقائق، فهو حقيقة يستحق حق الانتماء إلى المجتمع العلمي وصفة العالم. وتعتبر تلك النتيجة غير المتقدمة من البحث التي قد يتوصل إليها بالتحديد تعطشا غير تام وغير صافي نحو الحقيقة”. (C.P.235).
يضع بيرس في هذه الفقرة بعض المعايير التي تجعل من أي شخص داخل دائرة البحث العلمي، لتنطبق عليه صفة من هذه الصفات ومنها “العالِم”؛ أولا، أن يعمل طبقا لمنهج علمي. ثانيا، أن تكون له معرفة ولو قليلة بالحقل الذي يعمل فيه. ثالثا، أن تكون له رغبة حقيقية في المعرفة. تكفي هذه المعايير لأن تجعله منتميا لهذه الهيئة، سواء ظل مخلصا للتصورات التي سادت عصره، أو اكتفى بسرد وجرد ما قدمه آخرون، أو أتى بتصور جديد انتقد وتجاوز به تصورات سالفة.
تتشدد الكثير من المؤسسات في منح هذه الصفات، لكن بعضها يُبقى الباب مفتوحا حتى لمن لم يكن لهم/هن حظ في المسار الأكاديمي العلمي والمعرفي الجاد.